عندما كنت أترعرع، كان ملصق سيرك كالدر معلقًا في غرفة معيشة عمّتي. كان منزلها مزدانًا بأشياء نفيسة، لكن بالنسبة إليّ، كانت صورة الأسد برأسٍ مشع كما الهالة الشمسية، مصنوعة من خيوط ونسيج ومتوازنة على جسمٍ من أسلاك رفيعة، هي الأروع بلا منازع.
لم أذكر وقتًا لم يكن فيه سيرك كالدر جزءًا من مخيلتي البصرية. ومع ذلك لم أرهُ على نحوٍ واقعي إلا عند زيارة معرض “حبل رفيع: سيرك كالدر في مئويته” المعروض حاليًا في متحف الويتي. لمن لم يطلع عليه من قبل، فالسيرك عبارة عن مجموعة شاسعة من الدمى والقطع الحركية الصغيرة والدعامات التي بنَها الفنان الأمريكي ألكسندر كالدر في الفترة بين 1926 و1931، مستخدمًا بصورة أساسية أسلاكًا، وسدّادات فلين، وخشبًا، وأنسجة. والأسد هنا مجرد بداية: هناك مدير السيرك، وبلع السيوف، وفنانو الأرجوحة، والمشي على الحبل، وراقصة البطن، والفيلة، والجمال، وغيرهم. المتحف، الذي اقتنى المجموعة كاملة عام 1982، يعرض أيضًا تماثيل سلكية كبيرة الشكل مُرتبة بحيث تُلقي ظلالًا درامية، بالإضافة إلى خمس حقائب استخدمها الفنان لنقل مجموعته، وفيلم يُظهر كالدر وهو يحرك ممثليه الصغار.
استُلهم كالدر لفكرة السيرك بعد حضوره عرضًا لرينغلينغ براذرز وبارنوم آند بيلي في ماديسون سكوير غاردن عام 1925 بغرض توضيح مقال لمجلة ناشيونال بوليس غازيت، وقضى أسبوعين يدرس العروض في ميدان تدريب فرقة رينغلينغ في ساراتوسا بفلوريدا. ثم انتقل الى باريس في العام التالي، حيث شرع في صناعة دعائم السيرك وشخوصه من هياكل أسلاك وخشب مغطاة بأقمشة. للأشكال أزياء وإيماءات محددة ودقيقة، ووجوهها البسيطة المعبرة تحمل طابعًا فريدًا، جزئيًا لأن كثيرًا منها مستوحى من مؤدين حقيقيين في السيرك: فقد بُنيَت شخصية مدير السيرك على نموذج فِرِد برادنا، المؤدي الألزاسي الذي صار مديرًا في رينغلينغ براذرز وبارنوم آند بيلي، ومروض الأسود في الفيلم المعروض مستنسخ عن المدرب الشهير كلايد بيتي.
في باريس انخرط كالدر في دوائر الفن الطليعي وأقام عروضًا لسيركه أمام فنانين مثل مارسيل دوشامب وبييت موندريان. وقد عرض سيركه لأول مرة عام 1928 في غاليري ويهي في نيويورك، لكنه استمر في استخدام تلك الدمى لإقامة عروض لسنواتٍ طويلة بعد ذلك.
تُبرز غرف العرض المظلمة والجوّ الوقور في المتحف حقيقة أن هذه قطع أثرية تحتاج رعايةً وصونًا. ومشاهدة كالدر وهو ينفخ الحياة فيها في الفيلم — الذي يتناوب بين لقطات تُظهره وهو يحرك التماثيل وتكامله للتركيز على عالمها المصغر — يجعل القطع المحفوظة في الصناديق تبدو مجمَّدة في إطار زمني. يسعى القيمون على المعرض لإحياء هذه التماثيل عبر ترتيب مشاهد نابضة يمكن أن تشكّل نقطة انطلاق لسردنا الخيالي بدلاً من أن تكون عروضًا جامدة؛ ورغم أن ذلك لا يعوّض عن رؤيتها في حركة فعلية، إلا أنه يمنح تجربة المشاهدة طابعًا أكثر سحرية.
في مقطع فيديو قصير من 2015، يناقش فريق حفظ المتحف تحدي منح التماثيل هذا الإحساس بالحياة. من المشجِّع أن تسمع المتخصصين في المتاحف يتحدثون عن أشياء ثمينة بروح سخية من العناية. إنّ إرث الفنان وتاريخ المشروع في العالم الفني من عروض ومعارض قد أكسباه وزنًا مؤسسيًا، لكن الفيلم يبين جانبًا آخر: الفنان وهو يلعب، يُسقط ذاته في العالم الذي خلقه. سواء رأيت السيرك شخصيًا أو على ملصق، فسيرك كالدر لمن يحب الفن ومَن يبحث عن الدهشة على حد سواء.
يستمر معرض “حبل رفيع: سيرك كالدر في مئويته” في متحف ويتني للفن الأمريكي (99 شارع غانسڤورت، ويست فيلج، مانهاتن) حتى 9 مارس 2026. أشرفت على تنسيقه جيني غولدستاين وروكسان سميث.