أتاح الضباب الكثيف للقوات الروسية التقدم أعمق داخل مدينة بوكروفسك الاستراتيجية شرق أوكرانيا، مدفوعاً بمحاولات موسكو لتكثيف وجودها هناك وابتلاع مواقع الدفاع الأوكرانية.
يقول فيلق الهجوم الجوي السابع الأوكراني إن الظروف الجوية، وخصوصاً الضباب الكثيف، دفعت موسكو إلى تكثيف محاولاتها لإدخال أعداد متزايدة من الجنود إلى المدينة المدمرة ثم تطويق القوات الأوكرانية.
تحاول القوات الروسية الاستيلاء على المدينة منذ أكثر من عام، والرئيس فولوديمير زيلينسكي يرى أن الضباب أعطى الأفضلية لهجمات موسكو وأن الوضع لا يزال صعباً للغاية.
انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يُظهر جنوداً روساً يقودون سيارات مدنية ودراجات نارية على طريق مغبش دون اختباء، ما أثار مخاوف كبيرة من توسع التقدّم الروسي.
تحقق مراسل البي بي سي من مكان تصوير الفيديو وحدد الموقع بظهوره في الأطراف الجنوبية للمدينة على طريق سيليدوفه–بوكروفسك.
قال طيار درون من وحدة “شيرشني دوفبوشا” التابعة للفرقة الثامنة والستين والذي يُعرف بنداء “غوس” إن الضباب حجَب الرؤية لعدة أيام ومنع إجراء استطلاع جوي فعال.
لهذا السبب، أضاف للبي بي سي، تجرأ الروس على شن هجمات مرتَّبة بأعمدة مركبات، كانت ستُصْفَى فوراً عادةً بواسطة طائرات الدرون الأوكرانية.
أوضح طيار الدرون أن وحدته اكتشفت بانتظام مجموعات روسية صغيرة كانت تتقدّم مشياً أو بدراجات نارية وتمكنت من إخمادها؛ كما شاركوا في صد الهجوم الظاهر في الفيديو المتداول، الذي قيل إنه صُور يوم الأحد.
يدّعي “غوس” أن القافلة تعرّضت لأضرار جزئية، لكن بسبب حالة الطقس لم تكن هناك مرقبة بالفيديو للّحظة التي تم فيها صد الهجوم، لذلك لم يكن متأكداً بالفيعل إن كانت المجموعة برمتها قد أُصيبت.
يزعم الفيلق السابع أن نحو 300 جندي روسي الآن في بوكروفسك — وهو ذات الرقم الذي ذكره زيلينسكي يوم الأربعاء الماضي — لكن الفيديو يوحي بأن هذه الأرقام قد تكون قد ارتفعت منذ ذلك الحين.
وفق خرائط أعدتها مجموعة “ديب ستايت” المراقِبة المقيمة في أوكرانيا، يبدو أن القوات الروسية تُحاصر معظم أحياء بوكروفسك، ويقول بعض المراقبين إن سقوط المدينة بات وشيكاً.
يصف “غوس” أغلب أجزاء المدينة حالياً بأنها منطقة رمادية لا يسيطر عليها أي طرف بصورة كاملة: “قد نتمسك بموقع في مبنى واحد بينما يكون العدو في المبنى المجاور. هم يحاولون الالتفاف خلفنا”.
تسعى موسكو لتطويق بوكروفسك والمدينة المجاورة ميرنوهارد في ما يُعرف بـ«المرجل»؛ وحتى إن لم يُغلَق الغطاء بالكامل، فإن الروس قادرون على استهداف كل الطرق المؤدية من وإلى الداخل بواسطة طائرات FPV.
لمواجهة هذا الخطر، دفعت القوات الأوكرانية القوات الروسية إلى الوراء في سوڤوروفي ورودينسكي على الجهة الشرقية للمرجل، ما خلق فجوة أكبر بين أجنحة الروس.
تحاول القوات الروسية قطع خطوط الإمداد التي تدعم المقاتلين الأوكرانيين في بوكروفسك، ولا تكتفي بذلك عبر الهجمات عن بُعد بواسطة الدرون والمدفعية، بل تُرسل أيضاً عناصر برية لاستهداف طرق الإمداد، حسبما قال طيار الدرون للبي بي سي.
تُسمى هذه التكتيكات التسلّل، وقد أثبتت نجاحاً ملحوظاً، وفق المحلل العسكري الأوكراني كوستيانتيين ماشوفيتس.
ويُشير إلى أن القوات الروسية استهدفت بشكل متعمّد طياري FPV الأوكرانيين حتى تفتقر كيانات الدفاع الأوكرانية إلى الموارد الكافية لرصد تحرّكات المجموعات الروسية الصغيرة.
في المدن، يتسلّل الجنود أحياناً متنكرين بزي السكان المحليين أو بزي القوات الأوكرانية، بحسب ماشوفيتس، وهدفهم الأساسي إحداث فوضى بين المدافعين الأوكرانيين تمهيداً لدفع القوات الرئيسية للأمام.
يسعى الكرملين أيضاً إلى التقدّم في محاور أخرى من الجبهة — في كوبيانسك شمال شرقاً وفي منطقة زابوريجيا جنوباً.
ونفى فيكتور تريغوبوف، المتحدث باسم عملية القوات المشتركة، ادعاء موسكو بأنها أحاطت بكوبيانسك تماماً، لكنه أقر بوجود قوات روسية في جنوب المدينة وأن الوضع هناك صعب.