الهند تصف انفجار دلهي بـ«عمل إرهابي» كيف سترد؟

نيودلهي — وصف مجلس وزراء ناريندرا مودي، في وقت متأخّر من مساء الأربعاء، الانفجار الذي هزّ العاصمة في بداية الأسبوع بأنه «حادث إرهابي شنيع، نفذته قوى مناهضة للوطن».

جاءت كلمات الحكومة بعد يومين من انفجار سيارة بطيئة الحركة قرب حصن ريد فورت الأثريّ في نيودلهي، ما أسفر عن مقتل 13 شخصاً على الأقل وإصابة آخرين، وخلّفت تساؤلات واسعة حول كيفية استجابة السلطات، وأثارت مخاوف من تصاعد التوترات الإقليمية.

في أيار/مايو الماضي أعلنت نيودلهي مبدأً أمنياً جديداً: «أي عمل إرهابي سيعامل كعمل حرب». وقد تبنّته الحكومة بعد حربٍ جويةٍ شرسة استمرت أربعة أيام مع باكستان، عقب توجيه الهند اتهامات لباكستان بالوقوف خلف هجوم في كشمير الخاضعة لادارة الهند أسفر عن مقتل 26 مدنياً.

بعد ستة أشهر، ومع مواجهة الهند لهجوم جديد هذه المرة في قلب عاصمتها، تحوّدت حكومة مودي عن توجيه اتهام مباشر لباكستان. ويقول محلّلون سياسيون إن لغة نيودلهي تُوحي بأنها قد تتجه نحو تشديد القمع في كشمير، في وقت ارتفعت فيه حدة الإسلاموفوبيا والمشاعر المعادية للقِشْمَرية (المسلمين من كشمير) عبر أنحاء البلاد بعد انفجار السيارة.

سيارات إسعاف كانت في حالة تأهب على طريق ملطّخ بالدماء قرب موقع الانفجار عند ريد فورت، فيما كانت السلطات تحصي الضحايا وتفحص موقع الحادث.

حملة قمع في كشمير

حتى قبل انفجار نيودلهي، نفّذت فرق شرطية من أقاليم كشمير الخاضعة لسيطرة الهند غارات في منطقة العاصمة الكبيرة، استناداً إلى معلوماتٍ قادتها شرناغار، وأسفرت عن ضبط كميات كبيرة من المتفجرات واعتقال نحو عشرة أشخاص تقريباً.

من بين المشتبه فيهم أطباء كشميريون، بينهم عمر نبي، طبيب مقيم يُشتبه بأنه كان يقود السيارة التي انفجرت، وكان يعمل في مستشفيات ببلدات قريبة من نيودلهي.

منذ التفجير اعتقلت السلطات في كشمير أكثر من 650 شخصاً من أنحاء الوادي، بينما تُعْمَل التحقيقات في ما وصفته بعض وسائل الإعلام الهندية بـ«شبكة إرهاب من ذوي الياقات البيضاء» التي كانت، وفقاً لهذه التقارير، قد جمعت ما يكفي من المتفجرات لتنفيذ أكبر هجوم في الهند منذ عقود لولا توقيف أعضائها.

شنت الشرطة غارات على مواقع متعددة، شملت منازل مقرّبين من منظمات سياسية واجتماعية محظورة. وفي خطوة أثارت انتقادات حقوقية، هدم الجيش الهندي يوم الخميس منزل عمر نبي المزعوم. وفي السنوات الأخيرة، لجأت السلطات الهندية مراراً لهدم منازل متهمين دون أمر قضائي واضح، رغم أوامر عليا للمحكمة العليا بوقف هذه الممارسات، ووصف ناشطون حقوقيون ذلك بأنه عقاب جماعي.

يقرأ  ارتياح فرنسي إثر إفراج الجزائر عن الروائي بوعلام سانسال

ويخضع طلاب الطب والأطباء الممارسون في كشمير لتدقيق متزايد؛ فقد تمّ استجواب أكثر من خمسين منهم لساعات ومصادرة أجهزة شخصية للتحقيق.

«هناك شعور بالصدمة وعدم التصديق بيننا جميعاً»، قال طبيب مقيم يعمل بمستشفى حكومي في سريناغار، طالباً عدم الكشف عن هويته خشية ملاحقات الشرطة. وأضاف أنه تعامل مع جرحى الاحتجاجات خلال صدامات سابقة مع قوات الأمن، «لكن لم أتوقع أبداً أن يُنظر إلينا بهذا الشك. التفجير الذي أودى بحياة 13 شخصاً في نيودلهي مؤسف ويستحق الإدانة، لكن كيف يلطّخ ذلك سمعة كُلّ جسمٍ مهني؟ إذا انحرف محترف واحد وانضمّ إلى متشددين، هل يعني ذلك أن كلّ المحترفين إرهابيون؟»

بعيداً عن باكستان… نحو «عدوّ داخلي»

خاضت الهند وباكستان ثلاث حروب على كشمير منذ تقسيم المنطقة عام 1947. اليوم تسيطر كلٌّ من الهند وباكستان والصين على أجزاء من الإقليم؛ الهند تطالب بكامل كشمير، بينما تسعى باكستان للسيطرة على كل الإقليم ما عدا المناطق الخاضعة للصين حليفتها.

بعد هجوم في نيسان/أبريل في بلدة باهالغام السياحية في كشمير تحت الإدارة الهندية، شنّت الهند ضربات صاروخية داخل باكستان، مدعية أن العمليات أودت بحياة أكثر من مئة «مقاتل». بدورها أكدت باكستان أن القتلى كانوا مدنيين وعناصر في الجيش وليسوا مقاتلين مسلحين، وردّت بقوة على الاتهامات الهندية.

خلال أربعة أيام أُطلقت صواريخ وطائرات مسيّرة عبر الحدود المتنازع عليها بين الجارتين النوويتين، مستهدفة قواعد عسكرية.

عندما وافقت حكومة مودي على وقف إطلاق النار في 10 مايو، تعرّضت لانتقادات داخلية من المعارضة وبعض أنصارها لعدم المضيّ في ضربات أكثر ضد باكستان؛ وردّت الحكومة بأن «عملية سندور (سيندور) مؤجلة فقط وليست منتهية».

بعد ستة أشهر باتت نيودلهي حذرة أكثر في تحديد الجهة التي تتحمّل مسؤولية تفجير دلهي.

«هناك غضب مستحق هذه المرة، لكن لا يوجد ذكر لباكستان»، تقول أنورادا بهاسين، محرّرة مخضرمة من كشمير ومؤلِّفة كتاب بعنوان «دولة مفككة: القصة المجهولة لكشمير بعد المادة 370»، الذي حظرته إدارة كشمير في الإقليم. «الغضب الشعبي يُحوَّلُ بعيداً عن باكستان، باتجاه «عدوٍ داخلي»»

يقرأ  تأشيرة ترامب بقيمة ١٠٠٬٠٠٠ دولار: تداعياتها على صناعات الهند والولايات المتحدة

قالت إن حكومة مودي تبدو واعيةً إلى أن توجيه الاتهام نحو باكستان «سيولّد ضغوطاً شعبية للمطالبة باتخاذ إجراء عسكري» ضد الجارة. وبدلاً من ذلك، أوضحت، يمكن تهدئة سخط الجمهور بخلق عدوٍ داخلي أيّاً كان.

غياتري ديفي، والدة بانكاج سهني الذي قضى في انفجار مميت قرب القلعة الحمراء بقديمة دلهي، تُظهر ردّة فعل قوية إلى جانب جثمانه خارج منزله قبل الجنازة في نيودلهي، نوفمبر 2025.

التملق للجمهور المحلي

يشير المحلّلون إلى استخدام حكومة مودي لعبارة «القوى المُناهضة للوطن» لوصف المزعومين المسؤولين عن الهجوم في دلهي؛ عبارة تُستخدم منذ زمن لوصم أكاديميين وصحفيين وطلبة منتقدين، إلى جانب متظاهرين ومعارضين آخرين. ومنذ تسلم مودي السلطة في 2014، تراجعت هندياً مؤشرات الديمقراطية في عدة تقارير بسبب مزاعم اضطهاد الأقليات وقمع حرية الصحافة.

يرى سومانτρα بوس، عالِم السياسة المتخصص في تداخل القومية والصراع في جنوب آسيا، أن قرار مجلس الوزراء الهندي كان ذا دلالة لأنه تَحَرَّجَ «عن تسمية باكستان وتحميلها المسؤولية»، وهو رد فعل كان تلقائياً لعقود. وأضاف بوس أن الحكومة تعلّمت بعد القتال في أيار/مايو «بالطريقة الصعبة» أنه لا توجد شهية عالمية ولا تسامح لتصعيد عسكري في جنوب آسيا.

كان بوس يقصد الدعم العالمي الباهت الذي تلقته الهند بعد قصفها مواقع في باكستان من دون تقديم أدلة علنية تربط إسلام أباد بالمنفذين في بهالجام. بدلاً من ذلك، انشغلت الهند في نفي تصريحاتٍ متكررة للرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب بأنه وسّط لوقف إطلاق النار بين نيودلهي وإسلام أباد، بينما كان يستضيف قائد الجيش الباكستاني ويمدحه ويوطد علاقاته مع الجارة الغربية للهند. الهند لطالما اعتبرت أن حلّ الخلافات مع باكستان يجب أن يتم ثنائياً، من دون تدخّل خارجي.

لا يزال فرقُ رد فعل نيودلهي على انفجار هذا الأسبوع، حتى الآن، قد لفت انتباه بعض القادة الأميركيين. فقد وصف ماركو روبيو التفجير بأنه «هجوم إرهابي واضح»، مشيداً بكون التحقيقات «متزنةً وحذرةً ومهنية».

يقرأ  كيف تبدو اقتحامات المستوطنين وترهيبهم في الضفة الغربيةأخبار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

أدار بوس النظر أيضاً إلى عقيدة أمنية جديدة في الهند تقرّ بأن العمل الإرهابي يُعدّ عملاً حربياً، واصفاً إياها بأنها «منحدر خطير وزلق». كتب بوس عن صراع كشمير وآثاره، وكان أحدثُ أعماله «كشمير عند مفترق الطرق: داخل صراع القرن الحادي والعشرين» الذي نُشِر عام 2021 ومُنِع في بعض مقاطعات كشمير.

يهدف هذا التوجّه، حسب بوس، إلى التملق لما يسميه «الجمهور المحلي» لعرض قوةٍ عضلية حتى مع مخاطر «تصعيد عسكري خطير» بين الهند وباكستان. وباستخدام تسميات مثل «الإرهاب ذي الياقة البيضاء»، يخاطر المسؤولون بتشويش الحدود بين المسلمين الكشميريين والمقاتلين المسلحين المناوئين للحكم الهندي.

«المصطلح لا يبدو منطقياً لديّ، لكنه يوجّه مؤشر الشبهات نحو الشبان المثقفين من المسلمين»، علّق بوس. وأضاف: «الحقيقة منذ عقود أن المقاتلين يأتون من خلفيات اجتماعية متنوعة في كشمير — من عائلات زراعية ريفية وعائلات عاملة إلى مهنيين متعلمين. إنما يعكس ذلك في الأساس السخط المنتشر عبر المجموعات»، وهو ما يظهر مدى اتساع الانزياح الاجتماعي.

حذر المحرر بهاسين من كشمير من أن موقف الحكومة الهندية سيؤدي إلى «تداعيات اقتصادية سلبية على المسلمين الكشميريين وتهميشٍ متزايد وتهجيرٍ داخل المدن»، حيث يصبح من الأصعب عليهم الحصول على وظائف أو استئجار مساكن.

الجميع خائف

يواجه الكشميريون في الهند تبعات الكراهية والغضب منذ انفجار دلهي. منذ مساء الاثنين الماضي، امتلأت منصات التواصل الاجتماعي الهندية بخطاب كراهية عارم يستهدف المسلمين.

ناصر خوئيمي، المنسق الوطني لرابطة الطلبة الكشميريين، قضى أربعة أيام يرد على مكالمات من كشميريين مسلمين يروون حالات طرد من منازلهم، وعمليات تمييز نشطة، و«الجميع خائف» كما قال لا رسوم التغطية لـ«الجزيرة» وهو متحدث من منزله في كشمير.

هذه ليست حالة جديدة؛ فهجوم في كشمير أو نفّذَه مقاتل كشميري غالباً ما يتبعه تحرّش واعتداء على الكشميريين المسلمين المقيمين في أنحاء الهند — طلاباً ومهنيين وتجاراً وعمالاً. يرى خوئيمي أن «إنهاء هذه الدوامة من الأزمات للكشميريين» يتطلب من الحكومة اتخاذ إجراءات لبناء الثقة. وإلا، فبحسبه، فإن حكومة مودي تُهمّش الكشميريين داخل الهند، وبذلك تُغذّي narratives تُوظّفها باكستان لادعاءات السيطرة على كشمير.

أضف تعليق