منظمات حقوقية تستنكر «الظلم» في تونس وقمع الناشطين

تراجع حادّ في الحريات المدنية وتصاعد للظلم منذ 2019

منظّمتا حقوق الإنسان الدوليتان — منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش — ندّدتا بتدهور ملموس في الحريات المدنية وتغلغل «الظلم» في تونس منذ وصول الرئيس قيس سعيّد إلى السلطة عام 2019، في ظل تصعيد السلطات لحملات قمع ضدّ المعارضة والنشطاء والمنظّمات غير الحكومية الأجنبية.

وقالت منظمة العفو الدولية في بيان الجمعة إنّ «السلطات التونسية صعّدت بشكل متزايد حملتها على المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظّمات غير الحكومية المستقلة عبر اعتقالات تعسفية واحتجاز وتجميد أصول وقيود بنكية وتعليق أنشطة بأوامر قضائية — كل ذلك تحت ذريعة مكافحة تمويل أجنبي ‹مثير للريبة› وحماية ‹المصالح الوطنية›».

قمع غير مسبوق للمجتمع المدني

بحسب المنظمة، بلغ قمع المجتمع المدني في تونس مستويات غير مسبوقة، مع مقاضاة ستة من العاملين في المنظّمات الحقوقية والدفاع عن اللاجئين من «المجلس التونسي للاجئين» بتهم تتعلق حصراً بنشاطهم المشروع في دعم اللاجئين وطالبي اللجوء. وقد أجلت الجلسة الافتتاحية للمحاكمة، المقررة أصلا في 16 أكتوبر، إلى 24 نوفمبر.

ما حدث بعد ثورة الياسمين بعيد جداً عن أيام الربيع العربي في 2011، حين بدا أن تونس الوحيدة التي خرجت نسبياً سالمة في السنوات الأولى التالية ومع تجربة ديمقراطية ناشئة. لكن الاستحواذ الشامل على السلطات في يوليو 2021، عندما حلّ البرلمان ووسّع صلاحياته التنفيذية ليحكم بأوامر، أدّى إلى سجن كثير من منتقديه. ذلك الإجراء ترسّخ لاحقاً في دستور جديد أقرّه استفتاء عام 2022 قاطعته نسبة واسعة من الناخبين، كما طالت الملاحقات شخصيات إعلامية ومحامين منتقدين عبر ما أُطلق عليه «قانون الأخبار الكاذبة» الذي أُقرّ عام 2023.

حملات تعليق وتجريم ومحاكمات جماعية

خلال الأشهر الأربعة الماضية علّقت تونس مؤقتاً نشاط ما لا يقل عن 14 منظّمة وطنية ودولية، بحسب منظمة العفو، من بينها «الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات» و«المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب». وقد طالت الإجراءات أيضاً أفراداً.

يقرأ  الطبيب الشرعي يكشف: مطلق النار في مكتب نيويورك عانى من اعتلال دماغي رضّي مزمن طفيف

وقالت هيومن رايتس ووتش في بيان الجمعة إنّ محكمة الأستئناف بتونس ستنظر في 17 نوفمبر استئناف أكثر من 30 شخصاً «حُكم عليهم ظلماً بأحكام سجنية شديدة في قضية جماعية سياسية مطلع أبريل». وأضافت المنظمة أن أربعة من الموقوفين يخوضون إضراباً عن الطعام، بينهم واحد أفاد محاموه بتعرّضه للعنف الجسدي داخل السجن في 11 نوفمبر.

وجهت للمتهمين تهم التخطيط لزعزعة الاستقرار بموجب مواد من قانون العقوبات التونسي وقانون مكافحة الإرهاب لعام 2015. وراجعت هيومن رايتس ووتش الوثائق القضائية وخلصت إلى أن التهم لا تستند إلى أدلة موثوقة، داعية المحكمة إلى إلغاء الأحكام فوراً والإفراج عن كافة المحتجزين.

«قضية محض مسرحية» — اتهامات وعمليّة قضائية بلا ضمانات

وصف بسام خواجة، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، مجرى القضية بقوله: «كلّ هذه القضية كانت مسرحية، من الاتهامات الواهية إلى إجراء قضائي خالٍ من ضمانات المحاكمة العادلة. على السلطات أن تضع حداً لهذه المهزلة القضائية التي تمثّل جزءاً من حملة أوسع على أي شكل من أشكال النقد أو المعارضة».

يبلغ عدد المحتجزين 37 شخصاً من معارضين للرئاسة ومحامين ونشطاء وباحثين، وتراوحت الأحكام الصادرة بحقّهم بين أربع وستّ وستّين سنة بتهم «المؤامرة ضد أمن الدولة» وجرائم إرهابية.

إضرابات عن الطعام وتضامن المعارضة

شرع جوهر بن مبارك — أحد مؤسسي التحالف الرئيسي للمعارضة «الجبهة الوطنية للإنقاذ» — في إضراب عن الطعام في 29 أكتوبر احتجاجاً على توقيفه التعسفي، بعد أن حُكم عليه بالسجن 18 عاماً بتهم «المؤامرة ضد أمن الدولة» و«الانتماء إلى تنظيم إرهابي». وانخرط قادة أحزاب المعارضة الرئيسية في إضرابات تضامنية مع بن مبارك، من بينهم عصام الشابي زعيم الحزب الجمهوري، الذي هو أيضاً رهن الاعتقال بعد إدانته في المحاكمة الجماعية في أبريل.

يقرأ  بعد يومين من انهيار مدرسة داخليةما لا يقل عن ٩١ طالبًا ما زالوا محاصرين تحت الأنقاض«كل ثانية مهمة»

وأعلن راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة البالغ من العمر 84 عاماً والموقوف بدوره، انضمامه إلى الاحتجاج بالإضراب عن الطعام. كانت محكمة قد دانته في يوليو بتهمة «التآمر ضد أمن الدولة»، وهي إدانات إضافية إلى أحكام سابقة شملت تهم تبييض أموال أدت إلى إجمالي أحكام تتجاوز عشرين عاماً، وهو ينفي هذه التهم.

نداءات دولية لوقف القمع

ختم خواجة بالقول: «على شركاء تونس الدوليين أن يدينوا هذا الظلم الصارخ والاعتداء على سيادة القانون. عليهم الضغط على السلطات التونسية لوقف حملتها، وإلغاء هذه الأحكام، وضمان محاكمات عادلة».

أضف تعليق