تحذير: يتضمّن هذا النص أوصافًا صادمة لعنف وإصابات بطلقات نارية.
تظهر لقطات موثّقة في مدينة أورنشا تنزانيا حشدًا يركض في ذعر على طريق ترابي، تليها طلقات نارية، وتقع امرأة ترتدي سترة بنفسجية وتحمل عصًا إلى الأرض. وتسمع امرأة أخرى تتوسّل قائلةً «ماما، ماما، قفي» بينما تحاول رفع المصابة، ويظهر انتشار الدم حول بطنها وتكوّن بقع دم ثانية على ظهرها.
هذه المقاطع المصوّرة هي جزء من سلسلة لقطات مرئية كشفت عن تصرّفات عنيفة لقوات الشرطة أثناء محاولتها قمع احتجاجات واسعة اندلعت الشهر الماضي بالتزامن مع انتخابات الرئاسة والبرلمان.
انطلقت الاحتجاجات من دار السلام في 29 أكتوبر ثم انتشرت خلال الأيام التالية إلى أنحاء البلاد. نظَّمها في الغالب شبان غاضبون من هيمنة حزب واحد على المشهد السياسي منذ الاستقلال في ستينيات القرن الماضي. وقد اعتُقل عدد من قادة المعارضة وُمنع آخرون من الترشح، كما نُقل عشرات من ناشطي المعارضة إلى الاحتجاز. وأعلنت مفوضية الانتخابات فوز الرئيسة الحالية سامية سلوه حسن بنسبة 98% من الأصوات حسب نتائجها المعلنة.
منذ ذلك الحين أفاد مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بتقارير تشير إلى أن مئات الأشخاص قُتلوا خلال الاحتجاجات، بينما جُرح كثيرون واحتُجز آخرون. وأبلغ مصدر دبلوماسي في تنزانيا وسائل الإعلام بوجود دلائل موثوقة تفيد بمصرع ما لا يقل عن 500 شخص.
طالبت الرئيسة سامية بفتح تحقيق رسمي في أعمال الشغب وطلبت من النيابات «التساهل» مع المعتقلين. وفي وقت شهدت فيه إدارة الدولة محاولات للسيطرة على المعلومة، فرضت الحكومة حجبًا شبه كامل للإنترنت وهددت بالسجن كل من يشارك مقاطع من الاحتجاجات، بحجة أنها قد تثير مزيدًا من الاضطراب.
فُكّ الحجب في 4 نوفمبر، ومنذها بدأت عشرات الفيديوهات بالظهور على الإنترنت تُظهر مشاهد عنيفة: ضباطاً بزي رسمي يطلقون النار على حشود، وأجسادًا مرمية في الشوارع وأخرى مكدّسة خارج مستشفيات.
لإعادة بناء سلسلة الأحداث، حلل فريق التحقق في بي بي سي هذه اللقطات وجغرافيًّا حدد مواقعها وبيّن صحتها، ما أفرز صورة أوضح عن رد فعل الشرطة تجاه التظاهرات.
العنف في أكبر مدن تنزانيا
تُظهر اللقطات التي تحقّقنا فيها سيطرة مجموعات من الشباب الذكور على مشاهد الاحتجاج، وهو ما يقوّي أوجه الشبه مع حركة جيل زد العالمية التي عبّرت عن استياء من التردّي الاقتصادي والقيادات الراسخة في دول عديدة بأفريقيا.
بدأت أول التحركات التي رصدناها في ساعات باكرة من يوم الاقتراع في دار السلام، العاصمة الاقتصادية، ثم امتدّت إلى مدن أخرى منها موانزا وأروشا. ويصعّب انقطاع الإنترنت وضع تسلسل زمني واضح للأحداث، لكن ما يتبين من مقاطع وصور منشورة أن المتظاهرين كانوا يواجهون وحدات شرطة مسلحة بكثافة تحجب تقدمهم وتطلق الغاز المسيل للدموع لتفريق التجمعات، وتُسمع في العديد من المشاهد طلقات نارية بينما يتفرّق الناس في فوضى لاحقة.
كان محور اشتعال الأحداث طريق موروجورو الرئيسي، حيث تُظهر مقطتان شديدتا البشاعة وجود جثتين على جانب الطريق بجوار كنيسة القديس أندرو الأنجليكانية؛ إحداهما ممدّاة بلا حراك، ورأسها مصاب إصابات بالغة تحيط بها بحيرة من الدم. حدّدنا مزيدًا من الجثث على امتداد الطريق نفسه: جثة بجانب موقف حافلات واثنتان أخريان ملقى بهما على الأرض ومعهما بقع دم، ثم تُرى لاحقًا جثة ملفوفة بكفن أبيض.
تُظهر لقطات من موقع آخر قرب الجامعة المفتوحة في تنزانيا جسدًا بلا حركة مع جرح مفتوح في الرأس، وفي فيديو لاحق يُغطى الجسد بقطعة قماش ويُحمل نحو مجموعة من رجال الشرطة المتواجدين بجانب مبنى الجامعة. يهتف الحشد «قتلة، قتلة» تجاه الضباط، أحدهم مسلّح ببندقية وآخر بمسدس، ثم يُوضَع الجسد في مؤخرة شاحنة.
أكد فريق التحقق وجود ما لا يقل عن اثنتي عشرة فيديوًا أخرى من دار السلام تُبيّن أشخاصًا في حال إصابة متفاوتة يُنقل بعضهم على الأكتاف بعيدًا.
وثقنا كذلك وقوع ضحايا في مدينة موانزا، ثاني كبرى مدن تنزانيا، على بعد أكثر من 700 ميل: داخل ساحات مستشفى سكو تواري تظهر عدة لقطات كومة مكوّنة من عشر جثث، يبدو أن جميعها لشبان بعضهم يحمل جروحًا مفتوحة، وتُظهر مشاهد أخرى أجسادًا مرصوفة في ما يشبه مشرحة المستشفى.
مقاطع تُظهر الشرطة تطلق النار على الحشود
تحقّقنا من عدة مقاطع توضح إطلاق الشرطة النار باتجاه مجموعات من المتظاهرين. في ثلاث لقطات منشورة على الإنترنت، تُلاحق سيارات شرطة عشرات الأشخاص بينما يحاولون الفرار على طول طريق نلسون مانديلا في دار السلام، وتُسمع عدة طلقات نارية مع تقدم عناصر الشرطة.
في أروشا تُظهر لقطات مركبة شرطة تمرّ بجانب حشد من الشباب الغاضب، وتعلو أصوات طلقات نارية فيُهرع الناس للتفرّق والاحتماء. وفي لقطة أخرى يظهر رجل مصاب من حوله من يعلن أنه أصيب برصاص. في منطقة كيجيتونياما بشمالي دار السلام اُلتقط مشهد لاثنين من رجال الزيّ الرسمي وهما يصوّبان ويطلقان النار على طريق رئيسي باتجاه أماكن التجمع، وقد أكدنا توطين المشهد قرب مدرسة محلية.
تجميع الأدلة المرئية وفحصها منح صورة أوضح عن نمط استجابة السلطات: استخدام القوة النارية المباشرة ضد متظاهرين غالبًا من الشباب، ووجود حالات سقوط عدد كبير من الضحايا في نقاط محورية داخل المدن. رغم الضباب المعلوماتي خلال الحجب، فإن ما ارتفع إلى السطح بعد عودة الوصول للشبكة يطرح تساؤلات حاسمة عن مدى ملاءمة إجراءات حفظ النظام وحدود استخدامها للقوة. الموقف بحاجة إلى تحقيق مستقل وشفّاف لتحديد المسؤوليات وتحقيق العدالة للضحايا. (المتظاهرينين) الزي الأخضر والقبّعات ذات القمم المسطحة التي كان يرتديها الرجلان تتطابق تقريباً مع زيّ شرطة تنزانيا.
في لقطات أخرى، يوجّه رجال بزيّ رسمي أسلحتهم نحو المتظاهرين. على بعد أقل من مئة متر، تظهر صورة لرجل ملقى في الشارع نزيفٌ واضح من رأسه، وفي الأفق يُرى أشخاص يرتدون زياً أخضر مشابهاً. أحدهم يصرخ: «أُطلق عليه النار في الرأس. لقد قتلوه». ومع تتابع الفيديو تتعالى أصوات طلقات نارية إضافية.
كما رصدت بي بي سي عدة تسجيلات يظهر فيها رجال بالزي الأخضر يطلقون النار—أحياناً في الهواء وأحياناً على امتداد الشوارع المفتوحة.
خبراء الأدلة الصوتية في شركة ايرشوت قالوا إن ما يسمع في هذه التسجيلات يؤكّد استخدام ذخائر حية. بعد تحليلهم للصوت من موقع الأحداث أوضحوا: «الطلقات المطاطية عادة لا تصل إلى سرعات تفوق سرعة الصوت. وجود هذه الموجات الصدمية يدلّ على استعمال رصاص حي».
وليس كل من ظهر وهو يحمل سلاحاً كان يرتدي زيّاً رسمياً. في لقطات صُورت على طريق سام نوجوما في دار السلا م يظهر ثلاثة رجال بملابس مدنية يطلقون النار قرب سيارة صالون، ولا يزال هويتهم غير واضحة.
دعا المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر ترك، إلى فتح تحقيق في حوادث القتل والانتهاكات التي رافقت الانتخابات، وإلى الإفراج غير المشروط عن جميع المحتجزين قبل الاقتراع وعن الآخرين الذين اعتُقلوا لاحقاً.
وقد تم التواصل مع الحكومة التنزانية والشرطة لطلب تعليق.