أدارت رئيسة الوزراء الأطول خدمة في تاريخ بنغلادش، الشيخة حسينة واجد، تحوّلاً اقتصادياً ملحوظاً لكن منتقديها يتهمونها بقمع المعارضة وقهر الحريات. بعد خمسة عشر عاماً من الحكم، أجبرت موجة احتجاجات عارمة قادها طلاب وجماهير على الفرار من البلاد في أغسطس 2024.
منذ ذلك التاريخ أقامت حسينة منفياً اختياريّاً في الهند، حيث غادرت عقب الإطاحة بها نتيجة انتفاضة طلابية توسّعت إلى اضطرابات وطنية شاملة. في 17 نوفمبر، أصدرت محكمة استثنائية في دكا حكماً بالإعدام بعد إدانتها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، إذ خلُصت إلى أنها أمرت بقمع دموي للمتظاهرين في الفترة بين 15 يوليو و5 أغسطس 2024. هي تنفي جميع التهم الموجّهة إليها.
قدّرت تحقيقات خبراء الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن ما يصل إلى 1400 شخص لقوا حتفهم خلال أسابيع الاحتجاج التي سبقت الإطاحة بها، وغالبيتهم سقطوا بنيران قوات الأمن. خلُص تقرير المحقّقين إلى أن حكومة حسينة سعت للتمسّك بالسلطة عبر عنف منهجي ومميت ضد المحتجين، وهو أسوأ موجة دموية شهدتها البلاد منذ استقلالها عام 1971.
انقلبت الاحتجاجات نهايةً على حكم حسينة الذي امتد أكثر من عقدين، رغم أن حزبها، رابطة عوامي، نُسب إليه الفضل في قيادة قفزات تنموية للاقتصاد الوطني. إلا أن سنوات حكمها الأخيرة شهدت اتهامات بالاستبداد وتضييق الخناق على أية معارضة: اعتقالات لأسباب سياسية، حالات اختفاء قسري، عمليات إعدام خارج إطار القانون، وانتهاكات أخرى ازدادت في عهدها.
أمر باستخدام “الأسلحة الفتاكة”
فازت حسينة في يناير 2024 بولاية رابعة غير مسبوقة في انتخابات اتّهمها معارضون بأنها صورية وقاطعها التحالف المعارض الرئيسي. بدأت الاحتجاجات في وقت لاحق ذلك العام بمطالبة بإلغاء نظام الحصص في التوظيف المدني، ثم تحوّلت خلال الصيف إلى حركة أوسع مناهضة للحكومة بعدما لجأت قوات الأمن إلى قمع عنيف للمشاركين.
مع تزايد الدعوات لاستقالتها، ظلّت حسينة متصلّبة ووصفت المحتجّين بأنهم “إرهابيون”، كما أمرت بسجن المئات ووجّهت تهم جنائية لآخرين بالعشرات. سمح تسريب مقطع صوتي باعتقاد البعض بأنها أوصت قوات الأمن بـ”استخدام الأسلحة الفتاكة” ضد المتظاهرين؛ وهي تنكر أن تكون أصدرَت أمراً بإطلاق النار على مدنيين أعزّال.
شهدت بنغلادش بعض أفظع مشاهد العنف في 5 أغسطس، ذلك اليوم الذي فرّت فيه حسينة بطائرة هليكوبتر قبل أن يقتحم محتجون مقرّ إقامتها في دكا. قُتل ما لا يقل عن 52 شخصاً في ذلك اليوم في حي مكتظ، وهو من أسوأ أعمال عنف الشرطة في تاريخ البلاد. حسينة، التي حوكمت غيابياً، وصفت المحكمة بأنها “مسرح محاكاة” و”محكمة مرتجلة” تسيطر عليها خصومها السياسيون لإصدار حكم مسبق وتنحرف بالأنظار عن الفوضى والعنف وسوء إدارة [الحكومة الجديدة]، حسب قولها في مقابلة مع الـBBC قبيل صدور الحكم. طالبت بإلغاء حظر حزبها قبل الانتخابات المقررة في فبراير.
هي متهَمة أيضاً في ملف آخر أمام نفس المحكمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية تتعلق بحالات اختفاء قسري خلال حكم رابطة عوامي، وتنفي هي والحزب جميع التهم. كما تواجه هي ومسؤولون سابقون في حكومتها محاكمات منفصلة بتهم فساد، وهي بدورها ترفضها.
كيف صارت الشيخة حسينة في السلطة؟
ولدت في أسرة مسلمة بشرق البنغال عام 1947، وكانت السياسة جزءاً من تربيتها: والدها كان الزعيم القومي الشيخ مجيب الرحمن، “أب الأمة” في بنغلادش، الذي قاد استقلال البلاد عن باكستان عام 1971 وأصبح أول رئيس لها. قبل ذلك التاريخ كانت حسينة قد برزت كقائدة طلابية في جامعة دكا.
في عام 1975 اغتيل والدها ومعظم أفراد أسرته في انقلاب عسكري؛ نجاتها ونجاة شقيقتها الصغرى كانتا نتيجة تواجدهما بالخارج آنذاك. بعد سنوات في المنفى في الهند، عادت حسينة إلى الوطن في 1981 وتزعّمت حزب رابطة عوامي، الذي كان ينتمي إليه والدها. تحالفت مع أحزاب أخرى وشاركت في احتجاجات مسرحها الشارع ضد الحكم العسكري للجنرال حسين محمد إرشاد، وبفضل تلك الحركة الديمقراطية صعدت بسرعة إلى مرتبة أيقونة وطنية.
انتُخبت لأول مرة في 1996. حصلت على اعتراف دولي لإبرامها اتفاقية لتقاسم مياه الأنهار مع الهند وللتوصل إلى اتفاق سلام مع متمردين قبليين في الجنوب الشرقي. لكن حكومتها اتُّهمت في الوقت نفسه بعقود تجارية مشبوهة وبالتذلّل المفرط أمام الهند.
في 2001 خسرت أمام حليفتها السابقة التي تحولت إلى خصم، بيجم خليدة ضياء من حزب الوطن البنغلاديشي. كذاك، وبحكم ميراثهما السياسي، هيمنتا المرأتان على السياسة البنغلاديشية لأكثر من ثلاثة عقود، وكانتا تُعرفان بـ”البغلتين المتحاربتين” — مصطلح يشير إلى المرأة المسلمة ذات المنزلة العليا. يقول مراقبون إن تنافسهما المرير أسهم في انتشار حوادث تفجيرات حافلات وحالات اختفاء وعمليات قتل خارج إطار القانون.
عادت حسينة إلى السلطة في 2009 بعد انتخابات أُجريت تحت حكومة انتقالية. هي ناجية سياسية حقيقية؛ تحمّلت اعتقالات متكررة أثناء معارضتها ومحاولات اغتيال عديدة، من بينها محاولة في 2004 ألحقت بها أضراراً في السمع. هكذ تظلّ صورتها مزيجاً من رائدة للتنمية وزعيمة اتُّهمت بقسوة الاستبداد. نجت أيضاً من محاولات طردها إلى المنفى ومن عشرات القضايا القضائية التي وُجهت لها باتهامات بالفساد.
الإنجازات والجدل
كانت بنغلاديش، التي كانت تُعدّ ذات يوم من أفقر دول العالم، قد حققت نجاحاً اقتصادياً ملحوظاً تحت قيادتها منذ عام 2009. ارتفع دخل الفرد إلى ثلاثة أضعاف خلال العقد الأخير، ويقدّر البنق الدولي أن أكثر من 25 مليون شخص خرجوا من دائرة الفقر خلال العشرين سنة الماضية.
جاء جزء كبير من هذا النمو مدفوعاً بصناعة الملابس الجاهزة، التي تشكّل الغالبية العظمى من صادرات بنغلاديش وتمتد أسواقها إلى أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا. وبالاعتماد على موارد الدولة وقروض ومساعدات تنموية، شرعت حكومة حسينة في تنفيذ مشاريع بنية تحتية ضخمة، من بينها مشروع جسر بادما الرائد بتكلفة تقارب 2.9 مليار دولار على نهر الغانج.
غير أن حسينة اتُهمت منذ زمن طويل باتباع سياسات قمعية واستبدادية ضد خصومها السياسيين ومنتقديها ووسائل الإعلام — تحول صارخ لقائدة ناضلت سابقاً من أجل الديمقراطية التعددية. وتقدّر منظمات حقوق الإنسان وقوع ما لا يقل عن 700 حالة اختفاء قسري، إضافة إلى مئات حالات القتل خارج نطاق القضاء، منذ عودتها إلى السلطة في 2009؛ وهي تنفي أي تورط في هذه الأحداث.
كما وُجهت اتهامات لقوات الأمن في بنغلاديش بارتكاب انتهاكات جسيمة. ففي 2021 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على وحدة “سرية الإجراءات السريعة” (Rapid Action Battalion) — وهي قوة شرطية سيئة السمعة متّهمَة بعدد من عمليات القتل خارج المحكمة — بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. وتعرّض ناشطو حقوق الإنسان والصحفيون لموجات متزايدة من الاعتقالات والمراقبة والمضايقات.
واتُّهمت حكومة حسينة أيضاً بـ”مضايقة قضائية” تستهدف خصوماً عبر ملفات وتهم قضائية، من بينهم الحائز على جائزة نوبل للسلام محمد يونس — الذي تولى رئاسة الحكومة الانتقالية بعد فرار حسينة؛ وقد سُجن في وقت سابق من عام 2024 ومُوجه إليه أكثر من مئة تهمة اعتبر أنصاره أنها دوافعها سياسية. نفت حكومة حسينة هذه الاتهامات رفضاً قاطعاً، وفي الوقت نفسه قيّدت زيارات الصحفيين الأجانب عندما كانت في السلطة للتحقيق في هذه المزاعم.
انطلقت احتجاجات ضد حصص التوظيف في الخدمة المدنية، التي أشعلت انتفاضة العام الماضي، في ظل معاناة بنغلاديش من ارتفاع تكلفة المعيشة عقب الجائحة؛ إذ شهدت البلاد ارتفاعاً حاداً في معدلات التضخّم، وتقهقر احتياطيات العملة الصعبة، وتضاعف دينها الخارجي منذ 2016. ولجأ المنتقدون إلى إلصاق مسؤولية ذلك بالإدارة غير السليمة لسياسات حسينة، مؤكدين أن التقدّم الاقتصادي أفاد في المقام الأول الأشخاص المقربين منها.
صور غيتي
يلوّح بنغاليون بالعلم الوطني في 5 أغسطس 2025 احتفالاً بمرور عام على إطاحة الشيخ حسينة من السلطة.