دير البلح، غزة — كل صباح بالنسبة لإسراء أبو ريالة وزوجها محمد يتحول إلى معركة يومية لإيجاد طعامٍ مناسب لابناتهما الخمس، أصغرهن ثلاث توائم ولدن أثناء الحرب.
وقف الاتفاق الهش لوقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ قبل حوالي شهر، دون أن يحدث فارقاً يذكر في حياة الأسرة اليومية، كما أخبرتنا إسراء (31 عاماً) ومحمد (33 عاماً).
تعبير إسراء عن الرعب لا يخفيه: «كانت الحرب كابوساً»، وهي تُطعم صغيراتها في منزل والديها بدير البلح، مضيفة: «لكن أصعب شيء بلا منازع كان العثور على الطعام والحليب واللوازم لثلاث رضّع». علمت إسراء أنها حامل بتوائم قبل شهرين من اندلاع الحرب. تمتلئ ملامحها ابتسامة مريرة وهي تقول: «كنا نخطط لطفل ثالث، ليس لثلاثة دفعة واحدة»، وتتبادل النظرات مع زوجها.
المخاوف آنذاك بشأن الدخل والإيجار وكيفية تربية ثلاثة أطفال رضّع تبدو الآن وكأنها نعمة مقارنة بما عانوه أثناء الحمل والولادة.
قلق دائم
تقول إسراء إن توائمها، الذين باتوا الآن في عمر 19 شهراً، لم يروَ حتى شكلاً للبيضة — ناهيك عن طعمها. أكلن الدجاج مراتٍ قليلة، وذلك فقط عندما يتشارك أفراد العائلة الممتدة الوجبات.
راهن الزوجان كثيراً على وقف إطلاق النار الذي يُفترض أنه أنهى الحرب على غزة، والذي نصّ على دخول المساعدات الغذائية إلى القطاع المحاصر. لكن ما دخل في الواقع لم يكن ذا قيمة غذائية كافية. يصف محمد الأسواق بأنها «ممتلئة ببضائع تجارية» كالبيسكويت والشوكولاتة والحلوى والمكسرات والأطعمة المعلبة، مع ندرة الفواكه والخضار التي تصل بأسعار باهظة لا يستطيع الكثيرون تحمّلها. ويسأل بمرارة: «لكن ماذا عن الجودة؟ ماذا عن الطعام الصحيح؟ والأسعار جنونية».
تضيف إسراء: «أين البيض؟ أين اللحوم والدواجن؟ أين الألبان الطازجة والجبن؟ كل ما يتعلق بصحة الأطفال أو تغذيتهم أو ضروراتهم يكاد لا يوجد، وإذا وُجد فبكميات زهيدة تختفي فوراً».
يصف العاملون الإنسانيون الحالة التي فُرضت على غزة منذ إطلاق إسرائيل ما وُصفته بعض الجهات بأنها حرب إبادة جماعية بأنها «تجويع منظّم» — سياسة تهدف إلى إضعاف السكان جسدياً ونفسياً حتى تنهار المجتمعات من الداخل.
قال د. خليل الدقران، المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، لقناة الجزيرة إن إسرائيل لم تلتزم بالبروتوكولات الإنسانية التي تتطلب إدخال الغذاء والمساعدات الطبية إلى القطاع، وإن الكميات الداخلة حالياً لا تغطي سوى «15 إلى 20 بالمئة من الاحتياجات الحقيقية». وأضاف أن ما تسمح إسرائيل بدخوله غالباً سلع غير أساسية مثل رقائق البطاطس والنودلز السريعة التحضير التي تفتقر إلى العناصر الغذائية الحيوية. الأسواق خالية من اللحوم والدواجن ومنتجات الألبان والبيض ومعظم مصادر البروتين والدهون، ويصف ذلك بأنه «تجويع منظّم وواضح».
إسراء تغذي كيراز وكفاح وجمانة [صورة/الجزيرة]
تقول إسراء إن بناتها يحصلن الآن على كمية أكبر من الطعام، لكنها ما زالت قلقة بسبب النقص الحاد في الأغذية المغذية. «أنا قلقة على صحتي أيضاً»، تقول. «أجريت تحاليل الشهر الماضي، وأخبرني المتخصّص أنني في مراحل مبكرة من سوء التغذية.» اصبح هذا الواقع بفرضياته القاسية يرافقها يومياً.
ولادة مبكرة
تتذكر الطفلة طُلين (عشر سنوات) مرور الدبابات والجنود الإسرائيليين وهي تسير مع والديها ويداهما مرفوعتان تحملان أعلاماً بيضاء. هربت هي وأختها جنى (ست سنوات) مع والديهما من مأوى نزوح إلى آخر لأسابيع قبل أن يفرّوا جنوباً سيراً على الأقدام عبر ما سمّته إسرائيل «الممر الآمن». حاولت الأسرة البقاء شمالاً، وغادرت منزلها في مخيم الشاطئ إلى مدرسة تابعة للأونروا في النصـر، لكن دبابات إسرائيل واصلت التقدم واضطروا للمزيد من النزوح.
في نوفمبر 2023 اتجهوا جنوباً إلى منزل والدي إسراء في دير البلح، حيث أكملت إسراء بقية حملها ووضعته وهي تكافح الجوع وخوف القصف. مكثوا هناك حتى وقف إطلاق النار في يناير، ثم عادوا إلى غزة المدينة ليواجهوا مجاعة ناجمة عن منع دخول المساعدات.
في 28 مارس 2024، قبل أسبوعين من موعد القيصرية المقرر، استيقظت على آلام المخاض بينما الحرب كانت تحتدم والقصف شديد بالقرب من النصيرات. كانت الحركة ليلاً محفوفة بالمخاطر، واضطروا للاتصال بسيارة الإسعاف مرات عديدة وهم يخبرونها أن الحالة توائم. نُقلت إسراء إلى مستشفى العهدة لإجراء قيصرية طارئة.
وُلدت بناتها: كيراز وكفاح وجمانة؛ إحداهن وزنها 2 كيلوغرام، واثنتان تزن كل منهما 1.9 كيلوغرام — أوزان ضمن المتوسط الصحي للتوائم. «أن تنجبي أطفالاً أصحاء في وسط حرب شعرت أنه معجزة»، هكذا وصفت إسراء المشهد.
يقول د. الدقران إن معظم الحوامل والمرضعات يواجهن فقر دم حاداً ناجماً عن نقص الغذاء والمكملات، والكثير منهن يلدن مبكراً أو يفقدن حملهن. وبمجرد عودتها إلى البيت، بدأت المعاناة الحقيقية للعثور على حليب الأطفال والحفاظات والملابس للمولودات. كانت التوائم بحاجة تقريباً إلى علبة حليب يومياً، واضطرت الأم المرهقة بشدة إلى الإرضاع الطبيعي لتكمل النقص، حتى انهارت صحتها. «كان جسمي منهكاً وجائعاً»، تقول إسراء. «كنت أبكي مع بكائهن من الجوع. كانوا يقولون نَنَّا — الصوت نفسه طوال الليل والنهار. ما زال صوتهن في أذني».
انحدر الزوجان في حالة نفسية صعبة. «كنت أهرب إلى الشارع من صراخ أطفالي، أمشي بلا هدف وأبكي لساعات»، تحكي إسراء.
أضرار قد تكون دائمة
يحذر د. الدقران من أن غزة تعاني من سوء تغذية مزمن طوال فترة الحرب، ويؤكد أن حتى لو سمح اليوم بدخول المواد الغذائية الأساسية فإن الأضرار التي لحقت بالأطفال، لا سيما الرضع، قد تترك تبعات جسدية ومعرفية طويلة الأمد. تستمر معاناة إسراء اليومية وهي تقسم لقمة واحدة إلى ثلاث حصص لتسكت توائمها قليلاً: «هذه للواحدة، وهذه للثانية، وهذه للثالثة… لكن سرعان ما يعود البكاء. هم لا يفهمون». يبدوا أن الكفاح سيطول، والآثار قد تبقى ممتدة الأمد. «هم جائعون فحسب.»
يبقى اسراء ومحمد ممتنين لما لديهم من القليل، لكنّ الزوجة لا تستطيع إخفاء انكسار قلبها تجاه تولين وجنى، اللتين تقول إنهما تعرَّضا للجوع ومع ذلك حرصتا على مساعدتها في رعاية الرضّع.
الأمنية الوحيدة للعائلة الآن بسيطة: أن ترى لمحة من حياة طبيعية مجدداً، كما تقول الزوجة.
«فتح المعابر. طعام. مستلزمات. مساعدات.»
«لقد اكتفينا. لقد رأينا ما يكفي.»