«في “الأرض النازفة” — كانوبا هانسكا لوغر يربط الماضي بمستقبلٍ تخيّلي» — كولوسال

عند دخول الزائرين إلى معرض كانوبا هانسكا لوغر الجديد «Dripping Earth» في متخف جوسلن للفنون، يشعرون، بمعنى ما، وكأنهم تحت الماء. تطفو فوق رؤوسهم إطارات قوارب الثور التقليدية، إشارة إلى السفن الصغيرة التي استخدمتْها بعض قبائل السهول تاريخياً، وتوطّننا ضمن سياق موقع جوسلن في اوامها على نهر ميزوري، ومجموعة المتحف الفنية، وخلفية لوغر العرقية من الماندان والهيداتسا والأراكارا واللاكوتا.

لوغر معروف بتقاطعاته الفنية المتعدّدة التي تستكشف نسبه في السهول الشمالية عبر الطين، والنحت، والأداء، والنسيج، والفيديو، وغيرها. في «Dripping Earth» استقى الفنان إلهامه من مصدر يربط بين مقتنيات جوسلن ومشاهداته الفنية في شبابه: أعمال الفنان السويسري كارل بودمر (1809–1893).

بين عامي 1832 و1834 رافق بودمر عالم الطبيعة الألماني الأمير ماكسيميليان فون فيد في رحلة استكشافية لأمريكا الشمالية. خدم بودمر كموثق رسمي بصرياً، موثِّقاً المناظر الطبيعية والشعوب التي قابلوها في العديد من الرسومات والألوان المائية، التي أُعيد إنتاج كثير منها لاحقاً في أوروبا كحجر مطبعي (ليثوغرافيا). تشكّل بورتريهاته، التي كثيراً ما تبرز الأزياء الاحتفالية، سجلاً قيماً لهوية الشعوب الأصلية في تلك الحقبة.

مدفوعاً بطبيعة التحف — وكيف يمكن أن يتحوّل عمل بودمر، مثلاً، إلى تحفة عن تحفة داخل سياق الطباعة وإعادة الإنتاج — يتأمل لوغر في كيفية نقل السرديات واستقبالها. عندما تُرجمت لوحات بودمر إلى ليثوغرافيا في القرن التاسع عشر، نَفَذَ صانعو الطبعات تغييرات «تصحيحية» على ما اعتبروه أخطاء أو نواقص، غيّروا تشوهات تشريحية أو تفاصيل مفقودة. لكن في حالات عديدة لم تكن تلك «التصويبات» انعكاساً للواقع، كما تكشف الألوان المائية الأصلية.

يهتم لوغر بكيف أن ما يُطبع يصبح بمرور الزمن ثابتاً، أحياناً مشوّهاً أو جامداً. من جهة أخرى، تبقى التقاليد الشفوية لدى قبائل السهول الشمالية في تحوّل دائم. في «Dripping Earth» يركّز الفنان على هذه السيولة ضمن سياق أوسع لطريقة رواية التاريخ الأميركي.

يقرأ  الفنانات اللائياكتشفن حريتهن في الشيخوخة

قال الفنان في حديث افتتاحي عن المعرض: «كشخص أصلي نشأ في أمريكا الشمالية، تذهب إلى المدرسة، تتعلّم تاريخ البلاد، وتواجه قصة معارضة». سِلسلة لوغر المستمرة «Future Ancestral Technologies» تشكّل وسيلة لطيّ الزمن — جمع الماضي والمستقبل معاً بطريقة تعيد النظر في كيفية عرض الثقافة المادية والبصرية للسكان الأصليين في المتاحف — ليس كشيء عتيق، بدائي أو مظلم، بل كفنٍ حاضر ومتطوّر باستمرار.

في هذا العرض قام لوغر بتوسيع مقياس عمله، فجاءت بعض أعماله الأكبر حتى الآن. يتربّع تمثال ضخم من الفولاذ والطين الأسود فوق عدد من الأواني الخزفية والأدوات الخشبية المنحوتة وتركيبات وسائط متعددة. عمل اجتماعي التزامني يتألف من أعمدة فولاذية مع خرز طيني مصنوع يدوياً يستحضر مِعْداداً ثلاثي الأبعاد على شكل بوفالو، يصوّر بيانات عن عودة الجاموس البري إلى السهول. تستضيف ورش عمل قليلة بدعم المتحف الزوار لصنع خرزاتهم الطينية التي تُضاف بعد ذلك إلى التمثال ليكتمل شكل الحيوان تدريجياً.

في قلب «Dripping Earth» تظهر رقصات لوغر من سلسلة «Midéegaadi» بملابس كروشيه وقفازات مبطّنة وزينات رأس تذكّر بالجاموس. جاءت مجموعة مطبوعة محدودة جديدة تجمع بين هذه الأشكال الملونة — المصحوبة بنقاط بن-داي التي تلمح إلى فعل الطباعة نفسه — مع مناظر طبيعية رسمها بودمر حول منطقة نهر ميزوري.

من اللافت أن بودمر رسم أيضاً مناظر طبيعية، غير أن خلفيات بورتريهاته عادةً تُركت فارغة. يتعمق لوغر في كيف أن معظم لوحات المناظر الطبيعية في القرن التاسع عشر لأراضٍ «بكر» حذفت ببساطة وجود الشعوب الأصلية التي كانت تقطنها بالفعل. «أوه، لكننا كنا هناك!» يقول لوغر. تُشبه لوحات بودمر المناظر الطبيعية بالعكس تقريباً، فتركيزها ينحصر في الأشخاص. في مجموعة مطبوعة جديدة من Midéegaadi، يُدرج لوغر مناظر بودمر في الخلفية.

يقرأ  الولايات المتحدة تفرض عقوبات على المورد الرئيسي للنفط في صربيا الخاضع لسيطرة روسيا

الجدير بالذكر أن كثيراً من التكوينات الأرضية التي وثّقها الفنان السويسري باتت الآن مغمورة بمياه نهر ميزوري بعد بناء سدود كبرى. ومع ذلك، يرى لوغر أن هذه ليست خسارة بحتة بل استعادة لعناصرٍ خلَقها النهر نفسه؛ استرجاعٌ أكثر من كونه فقداناً. يعود ذلك بنا إلى شعور التجوال في فضاء مائيّ لا زماني، يمثل الماضي والحاضر والمستقبل معاً — مستقبل تكهّني يفيض بالماضي.

ظهرت رقصات Midéegaadi لِلوغر عدة مرات في عام 2025، منها تركيب ضخم لبرنامج الفن العام «Midnight Moment» في تايمز سكوير، حيث احتل العمل المرئي أكثر من 90 شاشة LED عملاقة في تقاطع مانهاتن طوال شهر أبريل، وعُرض لثلاث دقائق بدءاً من الساعة 11:57 مساءً.

في الشهر الماضي ظهر أحد شخصيات العمل تحت عنوان «Midéegaadi – Fire» في معرض رقمي جماعي غير مُوافَق عليه بعنوان ENCODED في الجناح الأميركي لمتحف المتروبوليتان، حيث رَقَصَت الشخصية عبر لوحة توماس كول «View on the Catskills – Early Autumn» (1836–37) في أداء واقع معزّز.

يستمر عرض «Dripping Earth» حتى 8 مارس 2026 في اوامها، ويُعرَض ENCODED حتى 21 ديسمبر في مدينة نيويورك. يمكن الاطلاع على مزيد من التفاصيل عبر موقع الفنان وحساباته على إنستغرام.

أضف تعليق