استقبل رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان استقبالاً حاراً في البيت الأبيض، في زيارة عزّزت الانطباع بعمق العلاقات المتنامية بين الرياض وواشنطن.
حفل رسمي استثنائي
مدّت إدارة البيت الأبيض سجادة حمراء رسمية للأمير محمد، ورافق مراسم الاستقبال استعراض لفرق موسيقية، وفرسان حاملين للأعلام، وطلعات جوية عسكرية. جاء العرض الفخم ليعكس تبنّي ترامب لرؤية اقتصادية جديدة للمنطقة ترتكز على الاستثمارات والشراكات الأميركية مع الحلفاء، وعلى رأسهم الممكلة العربية السعودية.
اللقاء في المكتب البيضاوي
بعد وصول ولي العهد عبر الممر الجنوبي، أجاب هو وترامب على أسئلة الصحافيين في المكتب البيضاوي، وتطرّقا إلى فرص الأعمال، وقضايا السلام، والذكاء الاصطناعي، وصناعة التكنولوجيا. بدا أن التحديات الإنسانية الإقليمية، ومن بينها الأزمة في غزة، تراجعت نسبياً على هامش هذا اللقاء العام. وفيما يلي أبرز ما تضمنه الاجتماع:
محادثات إيجابية بشأن علاقة السعودية وإسرائيل
في الأشهر الأخيرة كرّر ترامب رغبته في انضمام السعودية إلى ما يعرف باتفاقيات أبراهام، التي أرست علاقات رسمية بين إسرائيل وعدة دول عربية. يوم الثلاثاء أشار الطرفان إلى إمكانية إحراز تقدم بهذا الشأن دون تقديم تفاصيل أو جدول زمني لصفقة محتملة. ومع ذلك أعاد ولي العهد التأكيد على رغبة الرياض في إحراز تقدم يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية كجزء من أي اتفاق مستقبلي، مؤكداً أهمية المسار الواضح نحو حل الدولتين.
اتفاق دفاعي وبيع مقاتلات
عند سؤاله عن وجود اتفاق دفاعي بين البلدين، قال ترامب إن الأمر “قارب على الانجاز” وأشار إلى أنهم توصلوا إلى تفاهمات أساسية. التفاصيل لا تزال غير واضحة، لكن الرياض تسعى إلى ميثاق دفاع متبادل مع واشنطن يشبه إلى حد بعيد المادة الخامسة في حلف الناتو، بحيث يقدم الدعم الأميركي للمملكة في حال تعرضت لهجوم. كما أكد ترامب نيته الموافقة على بيع مقاتلات F‑35 إلى السعودية، مشدداً على أن الطائرات لن تُحَجَّم للحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري — وهو تحول عن سياسة “الميزة العسكرية النوعية”. وقال إن الطرفين يستحقان الحصول على أحدث المعدات.
إيران وإمكانية التوصل إلى اتفاق
أشاد ترامب مجدداً بنجاح الضربات الأميركية السابقة على منشآت نووية إيرانية، لكنه تبنّى لاحقاً نبرة أكثر لينا بالقول إن طهران تسعى لحل دبلوماسي مع واشنطن، وأن الولايات المتحدة منفتحة على محادثات قد تفضي إلى اتفاق يعالج البرنامج النووي الإيراني. ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن أن ولي العهد تسلّم قبل الزيارة رسالة خطية من الرئيس الإيراني، ولا تتوفر تفاصيل عن محتواها. وقال الأمير محمد إن السعودية ستبذل جهودها لدعم التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وطهران، معتبرًا أن ذلك يصبّ في مصلحة مستقبل إيران والاستقرار الإقليمي.
الاستثمارات المحتملة
افتتح الزعيمان تصريحاتهما العامة بشكر ترامب على وعود الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة، وأشار إلى مبالغ تقدر بمئات المليارات من الدولارات. قال ترامب: “أود أن أشكركم لأنكم وافقتم على استثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة”، مع تلميحات إلى أن الرقم قد يصل في نهاية المطاف إلى تريليون دولار، بينما تبقى تفاصيل الصفقات ومجالاتها وموعد تنفيذها غير محددة رسمياً. وقال ترامب إن صديقه قد يصل استثماره إلى تريليون دولار، لكنه أضاف أنه سيحتاج للعمل معه وإقناعه لبلوغ هذا المبلغ.
وأضاف أن الأموال السعودية ستوفّر وظائف وموارد للشركات الأميركية ولقطاع الاستثمار في وول ستريت.
من جهته قال ولي العهد محمد بن سلمان إن الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة قد ترتفع إلى تريليون دولار.
وأشار إلى أن الاتفاقيات الموقعة اليوم في مجالات عدة — التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والمواد النادرة والمواد المغناطيسية وغيرها — ستفتح أمام المستثمرين كثيراً من الفرص.
وأضاف أن الولايات المتحدة أصبحت البلد الأكثر جاذبية عالمياً، وأن المملكة ترغب في أن تكون جزءاً من دعائم التقنيات الناشئة هناك.
مديح وابتسامات
استقبلا ترامب ومحمد بن سلمان بعضهما بابتسامات ومجاملات منذ لحظة وصول ولي العهد إلى البيت الأبيض.
في لحظة ما أمسك ترامب يد الأمير محمد واحتفظ بها أثناء انتقاده سلفه جو بايدن لقيامه بتحية بالقبضة فقط عندما زار الرياض خلال جائحة كوفيد عام 2021. قال ترامب إنه أمسك اليد وأنه «لا يهمني إطلاقاً أين كانت تلك اليد».
وصف الرئيس الأميركي ولي العهد بأنه «رائع» و«لامع»، واصفاً إياه بأنه رجل يحظى باحترام بالغ في المكتب البيضاوي وصديق مقرب له منذ زمن طويل. وقال إنه فخور جداً بما أنجزه وما حققه «مذهل» فيما يخص حقوق الإنسان وغيرها من الأمور — ممتاذ إنجازات، على حد تعبيره.
كما وبّخ ترامب مراسلة من قناة إيه بي سي لتوجيهها سؤالاً لولي العهد اعتبره تحدياً غير لائق يؤذي ضيفه. وعندما أعادت نفسها فيما بعد وسألته عن سبب رفضه إطلاق ملفات الحكومة المتعلقة بالمتهم الجنسي جيفري إبستين، طالب ترامب بسحب ترخيص البث عن إيه بي سي.
وصرّح بأن المراسلة بدأت بسؤال موجه إلى رجل يحظى باحترام كبير، واصفاً السؤال بأنه فظّ وغير مطيع وسيء للغاية، وأنه كان من الممكن طرحه بطريقة لطيفة. واتهم شخصاً ما في إيه بي سي بدفعها لذلك، وأضاف أنها «شخص سيئ وصحفية سيئة».
وفي الوقت نفسه الذي كان يستقبل فيه ترامب ولي العهد، أقرّ مجلس النواب الأميركي مشروع قانون يهدف لإلزام نشر ملفات إبستين.