أوروبا في الخطّ الأمامي للصراع مع أساطيل الظلال الروسية

يجسِيكا باركر (مراسلة برلين) ونِد ديفيز ـ فريق “بي بي سي للتحقق”
صور: Getty Images

على امتداد بحر البلطيق الغربي، شارك مراسلو بي بي سي خفر السواحل في المواجهة المتوترة أمام ما يُعرف بـ«أسطول الظل» الروسي؛ شبكات من الناقلات التي تُستخدم للتحايل على سقف السعر المفروض على صادرات النفط الروسية.

على متن دورية خفر السواحل السويدية، سمعنا ضابط الاتصال يُنادي ناقلة نفط خاضعة لعقوبات عبر الراديو: «خفر السواحل السويدي ينادي… هل توافقون على الإجابة عن بعض الأسئلة؟ انتهى». عبر تشويش شديد، جاءت إجابات هامسة من أحد أفراد الطاقم يذكر بالتتابع بيانات التأمين وعلم السفينة وآخر ميناء وصلت منه — السويس بمصر.

«أظن أن هذه السفينة متجهة إلى روسيا لتحميل النفط»، يقول المحقق السويدي جوناتان ثولين. هذه المحادثة القصيرة تُجسّد خط المواجهة حيث تزداد قدرة الدول الساحلية على التدخّل محدودة نتيجة قواعد الملاحة الحرة وتضارب المصالح الأمنية والدبلوماسية.

بعد غزو الكرملين الشامل لأوكرانيا، فرضت دول غربية عقوبات على قطاع الطاقة الروسي، وتتهم موسكو ببعض حالات التهرب عبر استخدام ناقلات قديمة أو بملكية وتأمين غامضين. فرق وخفر سواحل وأسطوليات أوروبية باتت تلتقي بانتظام سفناً من «أسطول الظل» يُشتبه في نقلها نفطاً روسياً، وبعضها تثار حوله اتهامات بأعمال تخريب تحت الماء، إطلاق طائرات بلا طيار بشكل غير قانوني أو تزوير بيانات تحديد المواقع.

كما كشفت تحقيقات بي بي سي، ثمة ازدياد في السفن التي تبحر دون علم وطني ساري، مما يجعلها فعلياً بلا جنسية وبلا تأمين قانوني مناسب. وهذه ظاهرة مقلقة، لا سيما وأن كثيراً من هذه الناقلات «أوانٍ صدئة عائمة» كما تصفها ميشيل فيزي بوكمَن، محلِّلة استخبارات بحرية بارزة في شركة Windward AI؛ ففي حال وقوع حادث بيئي بقيمة مليارات الدولارات، «حظّك سيئ جدا في العثور على جهة تتحمّل التكلفة».

يقرأ  نيسان تستعرض مساعدها الرقمي المدمَج «أوتو دي جي» المحسّن

أظهرت قواعد البيانات الدولية زيادة حادة في السفن ذات الأعلام المزيفة أو المفقودة، إذ تضاعف عددها هذا العام إلى أكثر من 450 سفينة، معظمها ناقلات، بحسب قاعدة بيانات المنظمة البحرية الدولية (IMO). وتتبع بي بي سي سفينة محدَّدة أضاءت لنا جوانب من حياة السفينة الظليّة الغامضة؛ الناقلة التي أُطلق عليها اسم Unity.

رئيس البحرية الإستونية، العميد إيفو فيرك، يقول إن السفن تتنقل بوقاحة ذهاباً وإياباً في مياه بلاده لتتردد على محطات نفط روسية كبرى. وقد لاحظت إستونيا هذا العام عشرات مروريات من هذا النوع بعدما كانت لا ترى سوى واحدة أو اثنتين سابقاً. «الارتفاع في الأرقام مقلق»، يقول في مكتبه المطل على خليج فنلندا، الممر الضيق المؤدي إلى محطات التسويق الروسية الكبرى في أوست-لوغا وبريمورسك. «لا يخشون الإعلان عن ذلك».

تعقّبنا Unity عبر بيانات الملاحة؛ فالسفينة عبَرت القناة الإنجليزية أربع مرات خلال الاثني عشر شهراً الماضية، في رحلات بينها وبين مرافئ روسية والهند — أحد العملاء الرئيسيين الذين لم يلتزموا بسقف السعر. بنيت السفينة عام 2009 وحملت أسماء عدة وأعلاماً متعددة (سنغافورة، مارشال آيلندز، بنما، روسيا، غامبيا، وغير ذلك)، لكنها تحتفظ دائماً برقم IMO فريد يربط تاريخها. في آب/أغسطس، بثت بياناتها أنها ترفع علم ليسوتو، لكن المنظمة البحرية الدولية اعتبرت ذلك «غير صحيح»، فليسوتو، وفقاً للمنظمة، دولة محاطة ببرٍ ولا تملك سجلاً بحرياً معترفاً.

حاولت بي بي سي التواصل مع المالك المسجل لUnity، شركة مقرها دبي اسمها FMTC Ship Charter LLC، لكن الاتصالات لم تَقْبَل رداً. وتُشير تقديرات Windward AI إلى أن ملاك نحو 60% من أسطول الظل يظلون مجهولين أو غامضين. الهياكل المالِكة المعتمة والتغييرات المتكررة في الأسماء والأعلام أصبحت شبه بصمة لهذا الأسطول كآلية للتهرب من الرقابة.

يقرأ  مزاعم مقتل تشارلي كيركتكشف الوجه الدموي والمنهار للسياسة الأمريكية

بعد أن طُرِد عدد من السفن من سجلات مرموقة وتوجّهت إلى سجلات أقلّ صِلةً أو جودةً، وصلت بعض الناقلات إلى مرحلة «لم تعد تكترث أصلًا» كما تقول ميشيل فيزي بوكمَن. مسار Unity الأخير أوضح ذلك: أبحرت عبر بحر الشمال في أواخر أكتوبر ثم دخلت البلطيق مروراً بالسويد وإستونيا، وحين راقبناها كانت متجهة نحو روسيا. وبحلول السادس من نوفمبر رسَت قبالة ميناء أوست-لوغا الروسي، ولا تزال هناك وقت نشر هذا التقرير. رغم إدراجها على قوائم السفن الخاضعة لعقوبات المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي هذا العام، تواصل Unity نشاطها وسط أعطال تقنية واحتجازات سابقة بسبب رواتب غير مدفوعة.

الوقائع تُشير إلى أن جزءاً كبيراً من صادرات النفط الروسية يُنقل بواسطة ناقلات «ظل» إما خاضعة للعقوبات أو مشتبه بها؛ فحسب تحليل مركز البحوث للطاقة والهواء النظيف، فإن هذه الناقلات تمثل نحو 62% من صادرات خام روسيا، مع الصين والهند كأكبر مشترٍ للخام، تليهما تركيا والاتحاد الأوروبي. ومع تصريحات سياسيين عن تشديد الإجراءات، يشير ضباط البحرية وخفر السواحل إلى أن قدرة الدولة على التحرك تتلاشى كلما ابتعدت في عرض البحر.

يُعد مبدأ المرور البريء ركيزةً في القانون البحري، لكن السفن عديمة الجنسية تقنياً لا تستحق هذا الحق. دول مثل فرنسا وفنلندا وإستونيا احتجزت سفناً عندما وُجد سبب جنائي للقيام بذلك، لكن مثل هذه العمليات تبقى استثنائية نظراً لتعقيدها ومخاطر التصعيد. «مع الوجود الروسي قرب حدودنا، خطر التصعيد كبير جداً ليتكرر الأمر بصفة اعتيادية»، يقول العميد فيرك.

الإستونيون اكتسبوا خبرة من سبق؛ عندما حاولوا اعتراض ناقلة بلا علم في مايو، أرسلت روسيا طائرة مقاتلة لفترة قصيرة واحتفظت بوجود بحري مستمر تقريباً في خليج فنلندا منذ ذلك الحين. ويضيف مسؤول في حلف الناتو، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: «كل يوم في البلطيق هناك نشاط مريب… لكننا لا نريد أن نكون رعاة بسطاء يقفزون على السفن. مجرد المراقبة لها أثر رادع».

يقرأ  المشتبه به في قضية مادلين ماكان يرفض إجراء مقابلة مع شرطة العاصمة

على جسر سفينة خفر السواحل السويدية انتهت مكالمة الراديو مع الناقلة الخاضعة للعقوبات بعد نحو خمس دقائق. «شكراً لتعاونكم»، قال الضابط بينما واصلت الناقلة طريقها نحو روسيا. بحسب المحقق جوناتان ثولين، قد تبدو هذه الإجراءات محدودة، لكن «يجب رؤيتها في منظور أوسع: هذه المعلومات تُستخدم في منظوماتنا للمراقبة البحرية».

ومع تكثيف أوروبا للفحوصات والرقابة البحرية، تُشير ميشيل فيزي بوكمَن إلى مشهدٍ أشد قسوة: «ترى أمام عينك تَفكك النظام الدولي القائم على القواعد من خلال أساليب التهرب التي تتبعها هذه السفن». هناك الكثير معروض للخطر — بيئياً وأمنياً — وفي meantime الأسطول المظلم يزداد ظلمة. (ملاحظة: هناك محاولات تواصل مع السفارة الروسية في لندن؛ ورد متحدث باسمها بأن العقوبات الغربية على روسيا «غير شرعية» وتَضْرِبُ المبادئ الراسخة للتجارة العالمية، وأن وُسم السفن بأنها «أسطول ظل» تمييزي ومضلِّل، وأن حالات الأعلام غير الصحيحة غالباً ما تكون ناجمة عن تأخيرات إدارية يمكن حلّها بسهولة.)

تغطية إضافية: أدريان موراي، مايكل ستاينينجر وعلي زيدي.

أضف تعليق