العدالة المناخية الحقيقية تستدعي مواجهة إرث الاستعمار — أزمة المناخ

أعلن الاتحاد الأفريقي عام 2025 “عام العدالة للأفارقة والأشخاص من أصول أفريقية عبر التعويضاات”. وتملك محكمة إفريقيا لحقوق الإنسان والشعوب فرصة أن تجعل من هذا الشعار واقعاً ملموساً، إذ تبت حالياً في طلب رأي استشاري حول التزامات الدول المتعلقة بحقوق الإنسان في سياق تغيّر المناخ. أمامها إمكانية إصدار رأي تاريخي يؤكد الصلة بين الاستعمار والأضرار المناخية التي تعانيها شعوب القارة، وهو ما سيكون قفزة نوعية مقارنة برأي محكمة العدل الدولية ويساهم في نضال أفريقيا من أجل العدالة التعويضية.

في 30 يوليو 2025، نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً يروي كيف أن السلطات الاستعمارية الفرنسية في مدغشقر أطلقت، عمداً، طفيليات كوكسينيل معدلة وراثياً على نحو واسع شمل نحو 40 ألف هكتار من نباتات مقاومة للجفاف في إقليم أندروي بجنوب مدغشقر. بين 1924 و1929 دمرت هذه الطفيليات ما يقرب من 100 كيلومتر من الغطاء النباتي سنوياً.

لم تكن هذه خسارة بيئية هامشية. ذلك الغطاء النباتي كان يعيل شعب الأنتادروي لأجيال، موفِّراً الغذاء ويحافظ على المياه الجوفية في مواجهة جفاف مزمن. أدت إزالته إلى اختفاء خط دفاع طبيعي حيوي ضد الجفاف. وحتى بعد أكثر من قرن، تركت تلك السياسات الأنتادروي عرضة لموجات مجاعة ونزوح ووفيات متكررة كلما اشتد الجفاف.

علاوة على ذلك، فإن جفاف مدغشقر يتفاقم بفعل تغيّر مناخي من صنع الإنسان، تقوده إلى حدّ كبير دول ذات دخل مرتفع وماضي انبعاثي كبير، ومن بينها فرنسا نفسها — القوة الاستعمارية التي تركت الأنتادروي في حالة هشاشة.

حين يقود العلم وتتخلّف السياسة
الصلة العلمية بين الاستعمار وما آلت إليه هشاشة المجتمعات من تبعات مناخية مثبتة منذ زمن. في 2022 أبرزَت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ (IPCC) كيف أن الاستعمار لم يساهم فحسب في أزمة المناخ، بل إن آثاره المستمرة جعلت العديد من المجتمعات في المستعمرات السابقة أكثر عرضة لتأثيرات المناخ مثل الجفاف والفيضانات والأعاصير وارتفاع مستوى البحر.

غير أن الفعل المناخي الفعّال يحتاج أكثر من العلم؛ فهو يتطلب دعمًا سياسيًا للدول، وخصوصاً تلك التي تتحمّل مسؤولية تاريخية أكبر عن الانبعاثات، لكي تبادر بإجراءات التخفيف والتكيّف وتمويل الاستجابات. عندما يغيب هذا الدعم، لا تجد دولٌ لها مسؤولية تاريخية ضئيلة وتعاني الآن من آثار المناخ خياراً سوى اللجوء إلى محكمة عالمية لطلب توضيح ومساءلة، وفي هذه الحالة كان الخيار المحكمة الدولية. تمتلك محكمة العدل الدولية قدرة على التأثير في المسارات السياسية، وإضفاء شرعية عالمية على الأدلة العلمية، ولها سلطة أخلاقية وإقناعية غالباً ما تشكّل سلوك الدول على المسرح الدولي.

يقرأ  أخبار الحرب الروسية–الأوكرانية: ملخص الأحداث الرئيسية (اليوم ١٬٣٥٥)

وصلت فرصة تأثير المحكمة عندما حشدت فانواتو، وهي نفسها كانت مستعمرة سابقة لكل من فرنسا والمملكة المتحدة، الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس 2023 لطلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية بشأن التزامات الدول القانونية تجاه تغيّر المناخ. انضمت دول كانت مستعمرة سابقاً في أفريقيا وأماكن أخرى إلى المبادرة، مؤكدةً صراحة أن أضرار الاستعمار واللاعدالة المناخية مترابطة.

عند صدور رأي محكمة العدل الدولية في يوليو 2025، بدا غيابٌ واضح: لم يرد ذكر مصطلح “الاستعمار” في الرأي الرئيس ولا في الآراء والانطباعات المنفصلة التي أصدرها قضاة المحكمة. كما تجنّبت المحكمة سؤالاً جوهرياً: إلى أي مدى يمتد الخط الزمني للمطالبات المتعلقة بالالتزامات المناخية؟ هذا السؤال محوري لأن القوى الاستعمارية تاريخياً تدّعي أحياناً أن ممارسات الاستعمار لم تكن محرَّمة بموجب القانون الدولي حين ارتُكبت، ومن ثم ليس ثمة التزام قانوني بالتعويضات؛ وأن دورها في التسبب بتغيّر المناخ يدافعون عنه بحجج تفيد أنهم لم يكونوا على دراية بالضرر أو لم تكن هناك حدود قانونية للانبعاثات في تلك الفترة.

القانون الدولي العرفي ينسف حجة الاستعمار
ورغم صمت المحكمة على مسألة الاستعمار، خلّف الرأي بعض الضمانات للدول التي تتحمّل اليوم نتائج التداخل بين الاستعمار وتغيّر المناخ؛ إذ أكدت محكمة العدل الدولية أن التزامات الدول بشأن تغيّر المناخ ليست محصورة بالمعاهدات المناخية فحسب، بل تنبع أيضاً من قواعد القانون الدولي العرفي، التي تقضي بأن مسؤولية الدولة قد تمتد إلى الحاضر إذا استمر فعلٌ خاطئ في المسّ بحق التمتع بحقوق الإنسان، بصرف النظر عن زمن ارتكاب الفعل الأصلي.

إن استحضار القانون الدولي العرفي مهم لأنه يعيد تشكيل السؤال الذي ينبغي لأي محكمة أن تطرحه بشأن الإرث الاستعماري المناخي: ليس السؤال عمّا إذا كان يمكن مساءلة الدول عن التأثيرات المترابطة للاستعمار وتغيّر المناخ، ولا حتى إلى أي مدى يعود بنا الزمن لتعيين المسؤولية عن الانبعاثات التي تبقى في الجو لقرون؛ بل السؤال الصحيح هو: هل الأضرار المتجذرة في العصر الاستعماري، بما في ذلك تلك التي صاغت هشاشة مناخية معينة، تُفضي اليوم إلى انتهاكات لحقوق الإنسان؟

يقرأ  أوباما يحذّر: مقتل تشارلي كيرك يجرّ الولايات المتحدة إلى "أزمة سياسية"

الإجابة البسيطة هي نعم. الغازات الدفيئة التي تسخّن كوكبنا اليوم وتغذي سلسلة من انتهاكات الحقوق قد بقيت محتجزة في الغلاف الجوي لعدة أجيال. هي إرث مباشر لحرق الوقود الأحفوري الذي غذّى صعود القوى الاستعمارية الصناعية منذ منتصف القرن الثامن عشر، وللتعافي الاقتصادي بعد الحرب العالمية الأولى والثانية. في مدغشقر، أدت سياسات الإدارة الاستعمارية الفرنسية التي قضت على الغطاء النباتي المقاوم للجفاف —الذي كان يوفر للأنتادروي درعاً طبيعياً ضد الجفاف المستمر— إلى دفعهم إلى الاعتماد والعمل الرخيص ضمن اقتصاد المحاصيل النقدية الاستعماري. كل ذلك ساهم في توسيع مسارات وأسواق الاقتصاد الأوروبي التي شغّلتها حرارة الوقود الأحفوري، مفرِجَة كميات غير مسبوقة من غازات الدفيئة ومسببة تغيّر المناخ.

الإجراء الجزئي للمحكمة الدولية: فتح الباب ثم غلقه
بإقرارها أن قواعد القانون الدولي العرفي يمكن أن تؤسس مطالبات بالتعويضات المرتبطة بالمناخ، بدا أن محكمة العدل الدولية فتحت الباب أمام مطالبات مناخية مرتبطة بأضرار استعمارية. ومع ذلك، عززت المحكمة في ذات الرأي إحدى الحجج التقليدية التي لطالما استخدمها المستفيدون من الاستعمار للتملص من المسؤولية.

فقالت المحكمة إن إعادة الحقوق كاملة —من خلال الإعادة أو التعويض أو القناعة— ممكنة فقط حين يمكن إثبات “رابط سببي مباشر ومؤكّد إلى حدٍّ كافٍ” بين الفعل الخاطئ والضرر. لكن إقامة رابط حاسم ومحدد كهذا بين عدد لا يحصى من أفعال العنف الاستعماري والتأثيرات التي عمّقت هشاشة المناخ يكاد يكون مستحيلاً عمليا.

إن اشتراط وجود هذا الرابط الحاسم كشرط مسبق لتعويضات الاستعمار، من دون توضيح كيف يمكن أن يعمل ذلك عملياً في سياق الاستعمار وتداعياته المناخية، يمنح غطاءً للدول مثل فرنسا. في حالة مدغشقر، يمكن أن يجادل الجانب الفرنسي بسهولة: “لقد مر قرن منذ تدمير الغطاء النباتي المقاوم للجفاف، ولعبت عوامل مثل النمو السكاني دورها، ولم يكن فعل حرق الوقود والدمار البيئي يُعتبر انتهاكاً آنذاك. كيف تُحمّل فرنسا مسؤولية قانونية وكيف يُتوقّع منها عملياً تقدير قيمة تعويضات اليوم؟” كما لاحظ خبراء أمميون، “أكبر حاجز أمام تحقيق تعويضات عن الاستعمار والعبودية هو أن المستفيدين الرئيسيين من كلا الأمرين يفتقرون إلى الإرادة السياسية والشجاعة الأخلاقية لجعلها واقعاً.”

يقرأ  ناميبيا تنشر الجيش لمكافحة حريق في إحدى أكبر المحميات الأفريقية أخبار أزمة المناخ

هل ستردّد المحكمة الإفريقية صمت محكمة العدل الدولية أم تكسره؟
منذ مايو 2025، تراجع محكمة إفريقيا لحقوق الإنسان والشعوب طلب رأي استشاري بشأن التزامات الدول الإفريقية فيما يتعلق بحقوق الإنسان والشعوب في سياق تغيّر المناخ. هذا ليس إجراءً شكلياً فحسب؛ فالطلب يبرز العلاقة بين تغيّر المناخ والاستعمار — نقطة سيحرص الفاعلون الحقوقيون على التأكيد عليها في مذكراتهم أمام المحكمة.

هي إذن فرصة للمحكمة لتقول ما لم تقله محكمة العدل الدولية: إن الكفاح من أجل عدالة مناخية لا ينفصل عن نضال أفريقيا من أجل عدالة تعويضية. مثل هذا الموقف سيكشف معاناة من لا يزالون يتأذون من التلاقي بين أضرار الاستعمار والمناخ، أمثال الأنتادروي، وسيساهم في إضفاء روح على “عام التعويضات”، ويتسق مع قرار مفوضية حقوق الإنسان والشعوب الإفريقية لعام 2022 بشأن أجندة تعويضات أفريقيا، الذي يوفّر للمحكمة الإفريقية آلية للضغط على الدول الإفريقية لمتابعة العدالة في شأن تجارة واسترقاق الأفارقة والجرائم الاستعمارية والفصل العنصري. الاحتمالات مفتوحة؛ وقد يشجع ذلك أيضاً على عودة إلى محكمة العدل الدولية لإتاحة فرصة للمحكمة العالمية لاسترداد مصداقيتها.

الآراء الواردة في هذه المادة تعبّر عن صاحبَيها ولا تعكس بالضرورة سياسة التحرير لدى الجزيرة.

أضف تعليق