رغم وقفَي إطلاق النار في غزة ولبنان، الحرب لم تنتهِ بالنسبة لنتنياهو

هجمات متجددة على لبنان وغزة

في يوم الثلاثاء استهدفت إسرائيل أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان. صاروخان أُطلقا من قواتها أوديا بحياة ما لا يقل عن 13 شخصاً، بينما أسفر هجوم بطائرة مسيّرة في مدينة بنت جبيل عن مقتل شخص آخر. في اليوم التالي استهدفت الغارات الجوية قرى في جنوب ال�منطقه.

وفي غزة، تواصل الضربات الجوية والهجمات بالطائرات المسيّرة استمراً متواصلاً؛ قُتل شخص واحد على الأقل يوم الأربعاء جراء غارات استهدفت رفح وخان يونس.

جاءت هذه الهجمات على الرغم من اتفاقات وقف إطلاق النار في كل من لبنان وغزة، والإعلان الكبير الذي أدلى به الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن الشرق الأوسط بات الآن في حالة سلام. لكن، من منظور رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، فإن الحرب لم تنتهِ بعد.

في كلمة ألقاها أمام الكنيست في العاشر من نوفمبر، أي بعد شهر بالضبط على دخوله حيز التنفيذ ظاهرياً في غزة، قال نتنياهو إن «الحرب لم تنتهِ»، وادعى أن أعداء إسرائيل يعيدون تسليح أنفسهم. وكان وقف إطلاق النار من المفترض أن يضع نهاية لأكثر من عامين من الحرب الإسرائيلية على غزة، إلا أن الهجمات لم تتوقف: فقد قتلت إسرائيل منذ ذلك الحين أكثر من 280 فلسطينياً، بينما تُظهر الإحصاءات أن أكثر من 100 مدنياً لبناني قُتلوا خلال العام الماضي على الرغم من وقف إطلاق النار بين الطرفين في 27 نوفمبر 2024، كما تتواصل الاعتداءات أيضاً في الضفة الغربية المحتلة.

إسرائيل تواصل الهجوم

تصريحات نتنياهو لم تكن مفاجِئة بالنظر إلى نمط الهجمات المستمرة ضد المدنيين في المنطقة. ويُشير محللون إلى أن السلوك كان متوقعاً حتى قبل توقيع اتفاقات وقف النار. كما قال الباحث اللبناني–الفلسطيني إيليا أيوب لقناة الجزيرة: «لم تكن هناك أدلة تُشير إلى أن الإسرائيليين سيحترمون وقف النار في غزة أو لبنان». وأضاف أيوب أن نتنياهو «يعتمد على غياب المساءلة الدولية، ولا سيما بدعم من الولايات المتحدة، للاستمرار في حربه على المدنيين».

يقرأ  الحرب الروسية–الأوكرانية: قائمة الأحداث الرئيسية — اليوم ١٢٩٠ | أخبار الحرب

في 13 أكتوبر 2025، اجتمع ترامب مع ممثلين سياسيين من أكثر من عشرين دولة في شرم الشيخ ليعلن عن «السلام في غزة والمنطقة الأوسع». لكن بعد أقل من شهر، استمرت الاعتداءات على غزة ولبنان بوتيرة شبه يومية. وفي 19 نوفمبر ارتفع عدد القتلى الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر إلى نحو 69,513 قتيلاً، حسب الأرقام المتداولة.

اتسع نطاق الضغوط على إسرائيل خلال الأشهر الماضية مع تصدّي منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية وكبار الباحثين العالميين لتوصيف ما يحدث في غزة بأنه «إبادة جماعية»، إلا أن قمة شرم الشيخ والإعلان العلني عن وقف إطلاق النار خففا من حدة هذه الضغوط إلى حد ما. على الأرض، لا يستطيع سكان المناطق المستهدَفة في غزة ولبنان العودة إلى حياتهم أو إعادة بناء منازلهم: فقد استهدفت إسرائيل معدات إعادة الإعمار، وفي حالة غزة أوقفت جزءاً كبيراً من المعونات الموعودة لأهالي القطاع.

«طالما يتوقع نتنياهو الإفلات من العقاب، فلا سبب للاعتقاد بأن أحداً في لبنان أو فلسطين آمن من إسرائيل»، قال أيوب.

لماذا لم تنتهِ الحرب؟

تعكس تصريحات نتنياهو عزمه إبقاء إسرائيل في حالة حرب دائمة، وهو ما يتجلى، بحسب الباحثة الفلسطينية ريدا أبو راس، في تعطيله المتكرر ومماطلته لمفاوضات وقف إطلاق النار السابقة. كانت الاحتجاجات داخل إسرائيل تطالب أحياناً بإنهاء الحرب، لكن تركيزها الأكبر كان على قضية صفقة لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين في غزة؛ وقد أُفرج عن جميع المحتجزين الأحياء بينما لا تزال حركات تتحدث عن البحث عن رفات ثلاثة مختطفين.

يبرر نتنياهو استمرار الحرب بقول إن «من يسعون للإضرار بنا يعيدون التسليح ولم يتخلّوا عن هدفهم في تدميرنا». ومع إقرار الدمار الواسع الذي لحق بغزة، يؤكد نتنياهو أن هدف تفكيك حماس لم يُنجز بعد. كما تُبدِي وسائل الإعلام والمسؤولون الإسرائيليون مخاوف من أن حزب الله يعيد ترتيب صفوفه، رغم تقديرات بعض المحللين بعدم توفر قدرة هجومية لدى الحزب تماثل سابقاتها.

يقرأ  كيم جونغ أون يغادر إلى الصين على متن قطار مدرّع

المحلّلون يشكّكون في مبررات نتنياهو لاستمرار الحرب ويرون أن الأهداف التي يعلنها كانت عمداً غير قابلة للتحقيق لكي يبقي الصراع مستمراً ويتجنب المساءلة الداخلية والدولية. تقول أبو راس: «مستقبله السياسي معلق؛ شركاؤه في الائتلاف اليميني المتطرّف يطالبون باستئناف الحرب، إذ يرون فيها فرصة تاريخية لتقديم رؤيتهم بشأن التطهير العرقي لفلسطين». وتضيف: «يود نتنياهو أن يبيع لقاعدته وشركائه رواية أن الحرب لم تنتهِ».

في إسرائيل، يخضع نتنياهو لمحاكمات في ثلاث قضايا فساد، وقد تأخرت المحاكمات مراراً بسبب حالة الحرب، مع تبرير المحاكم ذلك بالأولويات المتعلقة بالأمن القومي. ويقول مختصون في الأمن الدولي إن إبقاء إسرائيل في حالة حرب مستمرة يخدم نتنياهو من جهتين: يؤجل محاكماته ويتيح لشركائه اليمينيين دفع أجندتهم داخل المؤسسات الإسرائيلية. كما يخشى نتنياهو تحقيقات حول إخفاقات منع عملية 7 أكتوبر 2023 التي نفذتها حماس وفصائل فلسطينية أخرى، لكن لديه أيضاً حسابات استراتيجية طويلة الأمد؛ إذ عمل طوال مسيرته على ترحيل الفلسطينيين وتوسيع الاستيطان، ورأت أبو راس أن الحرب مثّلت فرصة لتسريع هذه الأهداف.

على الصعيد الدولي، أصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرة توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يواف غالانت بتهم جرائم حرب في غزة. ويصف أيوب اتفاقات وقف إطلاق النار بأنها «حملات لتضليل الرأي العام تهدف إلى تأجيل المساءلة إلى أجل غير مسمى». وفي هذا الإطار، تظهر تصريحات نتنياهو أن شروط وقف النار لا تُطبق بصورة شاملة، وأن «الاستراتيجية الإسرائيلية واضحة: أنتم تتوقفون، ونحن نطلق النار». «وإذا ردّ أي فاعل بإطلاق النار، فإن الإسرائيليين ببساطة يزيدون من تكثيف ما يفعلونه بالفعل.»

تبدو هذه الهجمات مُهيأة للاستمرار مع انحسار اهتمام المجتمع الدولي عن غزة. ورغم أن الهدن في لبنان وغزة قد خففت من شدة وتواتر الاعتداءات، فإن العنف لا يزال مستمراً في كلا المكانين وفي الضفة الغربية المحتلة.

يقرأ  عمال من أمريكا اللاتينية في بولندا يروون حالات إساءة واستغلال

مثل هذه الظروف ستبقى، وفقاً للمحللين، حتى تتم مواجهة الأسباب الجذرية.

«على الأطراف الدولية — حكومات، منظمات مجتمع مدني وإعلام — أن تستمر في ممارسة الضغوط على حكومتي إسرائيل والولايات المتحدة»، قال أبو راس.

«سوف نواجه حتماً تصعيدات جديدة ما لم تُفكك الأسباب الجذرية، وهي نظام الفصل العنصري الإسرائيلي والاحتلال العسكري.»

أضف تعليق