مأساة على السواحل الليبية
أُفِيدَ الأسبوع الماضي بغرق 42 من المهاجرن بعد انطلاق زورقهم من سواحل ليبيا، بينهم ما لا يقل عن 29 لاجئًا سودانيًا فرّوا من الحرب الأهلية الكارثية التي اندلعت بين قوات الدعم السريع والجيش النظامي (القوات المسلحة السودانية).
حجم النزوح
منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، تحوّل الصراع في السودان إلى أكبر أزمة نزوح في العالم. نزح نحو 13 مليون شخص عن منازلهم، وأكثر من أربعة ملايين فرّوا إلى البلدان المجاورة مثل تشاد ومصر وليبيا. وتفيد مفوضية شؤون اللاجئين بأن أكثر من 86,000 مواطن سوداني مسجلون في ليبيا كطالبين لجوء أو لاجئين — زيادة تقارب 60,000 مقارنة بما قبل الحرب.
لماذا يسعون إلى أوروبا؟
مع تزايد أعداد السودانيين الوافدين إلى ليبيا، يتجه كثيرون إلى محاولة عبور البحر متجهين إلى أوروبا كوجهة نهائية. سجّلت وكالة الاتحاد الأوروبي لشؤون اللاجئين نحو 10,000 طلب لجوء قدمها سودانيون بين أبريل 2023 ويناير 2024 — ما يقارب ضعف الأرقام المسجَّلة في العام السابق. لا تزال أرقام 2025 غير مكتملة، لكن المؤشرات على الأرض تُشير إلى استمرار ارتفاع المحاولات.
سعيد، وهو لاجئ سوداني من الخرطوم وصل ليبيا هذا العام، قال لصحفيين: «آمُل أن أتمكن قريبًا من اجتياز البحر إلى أوربا. ربّما ييسّرها الله.» (اقتباس ينمّ عن يأس وأمل في آنٍ معًا.)
معاملة طالبي اللجوء في أوروبا
حُظِي قلة فقط من طالبي اللجوء السودانيين بحماية قانونية حتى الآن، بينما رُفِضت طلبات كثيرين أو ما زالوا ينتظرون البتّ في ملفاتهم. الحياة في أوروبا لم تكن سهلة لغالبية الشباب السودانيين؛ بعض الدول الأوروبية استعملت قوانين مكافحة التهريب لتجريم الشباب المتورطين في «القيادة» أو تسيير القوارب المكتظة التي يركبونها. في اليونان يواجه أكثر من 200 قاصر وشاب سوداني تتراوح أعمارهم بين 15 و21 عامًا تهم تهريب، وحُكِم على بعضهم بأحكام سجن طويلة قد تصل إلى مؤبد، ما دفع محاميهم إلى استئناف الأحكام.
يوضّح خبراء الهجرة أن الشباب الضعفاء غالبًا ما يوافقون على تسيير القوارب مقابل خصم من كلفة الرحلة، فالمهربون يطلبون آلاف الدولارات من طالبي اللجوء الذين لا يملكون سوى القليل.
مسؤولية أوروبا؟
نشأت قوات الدعم السريع من ميليشيات «الجنجويد» المرتبطة بالحكومة والتي وجّهت حملة قاسية في دارفور قبل عقدين، واتُّهِمت هذه الميليشيات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وربما تجاوزت حدود ذلك إلى جرائم إبادة جماعية بحسب كثير من الباحثين ومنظمات حقوقية. في 2013 أعاد النظام في الخرطوم هيكلة عدد من هذه الميليشيات لتصبح قوات الدعم السريع، التي سعَت لاقتناء شرعية دولية وظهرت كطرفٍ محتمل في جهود الاتحاد الأوروبي لإدارة تدفّقات الهجرة عبر الساحل وهورن أفريقيا.
في 2014 أطلق الاتحاد الأوروبي مبادرة «مسار الخرطوم» لتعزيز التعاون مع دول شرق أفريقيا لمكافحة الهجرة غير النظامية، وتم ضخ ما يقارب 200 مليون دولار للسودان خلال خمس سنوات لهذا الغرض. أبحاث أجراها خبراء مثل سليمان بالدّو تُشير إلى أن جزءًا من هذه الأموال رُكّز على تقوية القضاء وأجهزة الأمن، وقد يكون جزءٌ منها أُعيد توجيهه بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى قوات الدعم السريع — وهو ما نفى الاتحاد الأوروبي تمويله بشكل مباشر.
بعد مذبحة الثالث من يونيو 2019 التي قُتل فيها أكثر من 120 متظاهرًا مؤيدًا للديمقراطية في الخرطوم على يد قوات الأمن بما فيها قوات الدعم السريع، علّق الاتحاد الأوروبي كل أشكال التعاون في مجال الهجرة. رأى محللون مثل أليكس دي وال أن رد فعل الاتحاد آنذاك كان «قريبًا من اعتراف ضمني» بأن بعض الأطراف المستفيدة سياسيًا وماليًا قد انتفعوا من مسار الخرطوم.