«لا أقصد حصر عملي في تصوير الأطفال»، يقول واتانابي، «لكن في مخيلتي أرى الأطفال يتحركون داخل اللوحة. إذا استطعت أن أفتح ذلك الفضاء وأحوّله، فسيتغير العمل من جسم يُراد الإعجاب به إلى مساحة فاعلة تشبه الاداة. مجرد دخول بناتي إلى فضاء مرسوم من قبل آخرين لا يبدل الفضاء ظاهرياً، ومع ذلك يحدث تغيير لسبب يظل مراوغاً يصعب لفظه. هل هنّ بمثابة الأبواب الوحيدة المفتوحة داخل المكان؟ هذا ما يملأني فرحاً».
تتبدى لدى واتانابي سعادة غامرة أيضاً حين يتحدث عن الأعمال الغربية التي ينسخها. يفتنه خصوصاً بحث الأساتذة القدامى عن التقاط تباينات النور والظل. ويشير إلى فرق كبير بين تقاليد الرسم في اليابان والغرب عموماً هو الميل إلى التحديد بخطوط خارجية.
«بما أن اليابانيين استخدموا الفرش منذ القدم»، يشرح، «فقد التقطوا الأشياء والبشر في حدودٍ محددة. ولحق ذلك ما يشبه تعبير الأوكييو-إي: تقنية وضع ألوان مسطحة داخل الخطوط».
كان هدفي السعي إلى طلاءٍ نقيّ يخلو من كل الضجيج القادم من اللوحة الأصلية.
مع الوقت وتحسن التدريب ازدادت قدرته على تقليد أساليب الأساتذة القدامى، لكن ذلك التطور تعزز أيضاً بعد أن بدأ يوثق ويحتضن ذلك الاختلاف الجوهرِي. فالتحديد بالأطراف والألوان المسطحة كانا لفترة فخّاً أقصاه عن محاكاة أساليب الرسامين الأوروبيين بدقة.
من بين كل اللوحات التي أنسخها، كانت لوحة بيتر بول روبنز «النزول عن الصليب» الأكثر إنعاشاً بالنسبة إليه. إذ وضع ذلك المشهد الديناميكي المائل في قلب غابةٍ من هِنري روسو. حضور عمل روبنز يلعب على صفة بدائية في منظَر روسو الطبيعي؛ ما هو جامح وغامض يتحول إلى مولدٍ لإحساسٍ يجد المشاهد فيه قناةً للتعلّق.
«الواقعية تذكرني بنظرية حركة على أرض رمادية وبفراغ نيوتوني خالٍ. عندما أفكر في ميخائيل أنجلو، أتخيل أجساداً مفرطة كاريكاتورياً. بوتيتشيلّي كلّها إعدادٌ مسرحي. تلك ’النزول عن الصليب‘ كانت إنتاجاً استادياً، وفي الحقيقة لم تكن عملاً جيّداً جداً. لكنني شعرت بالرضا حين نفذتها لأنني أظنّ أنني اقتربت قليلاً من طريقة روبنز في الرسم. أريد أن أعيد المحاولة، لكن بمقاس أكبر» يقول واتانابي.
من سمات لوحاته الأخيرة كذلك حجمها الضخم، فالمستوى التفصيلي يفرض مدة عمل تمتد غالباً من شهرين إلى ثلاثة أشهر لكل عمل. (يمزح واتانابي بأن العناية بالتفاصيل تتطلب الآن اهتماماً أكبر مما كانت عليه، بعد أن بدأ يرتدي نظارات للقراءة).
تبدأ التحضيرات بتحديد كيفية تكبير أو تصغير العمل الأصلي الذي سيستعين به. يسهم تدافع الرسومات التخطيطية في بلورة تلك العملية. لا تصلح أجهزة العرض الضوئية للعمل لأنها قد تشوّه الصورة الأصلية عبر العدسة. حين تحقق الرسومات النتائج المرجوة، يدهن واتانابي طبقة رقيقة من الجِيسو مع كربونات الكالسيوم على القماش بالمِلعقة. يُوضع اللون الأساسي ثلاث مرات بالأكريليك، ثم تُستَخدم خطوط تقريبية لتتبين المشهد والشخصيات. تُرشّ التفاصيل الخشنة بالزيت، ويستعين بمروحة لتنعيم أثر الفرشاة. تُضاف التفاصيل لاحقاً بعد تتبعها أولاً ثم التنفيذ بالزيت.
جزء كبير من الشهور المخصصة لهذه اللوحات يُقضى في الرسومات التمهيدية. «من الصعب تغيير الصورة عندما تتخطى مرحلة التخطيط»، يقول واتانابي. ورغم أهميتها البالغة في سير عمله، يهدر الفنان المخططات بعد أن تنجز غايتها.
نشأ واتانابي محاطاً بكتب الفن وزيارات المتحف. كانت والدته، التي تمارس الرسم هاويةً وخريجة مدرسة للفنون، دليله في تلك الرحلات. لم تكن الفنون شغفاً أساسياً في ذلك الوقت، إلى أن أنجز لوحة زيتية نال عنها إشادة والدته الفنية ففتحت له باب الاهتمام.
لم تقَدّم المدارس الإعدادية والثانوية المحلية كثيراً من الأنشطة اللامنهجية المرتبطة بالفن. كانت حصص الفن المتاحة «عديمة المعنى»، وكانت حصة الموسيقى أقل ما تكون منفذاً إبداعياً وأكثر ما تشكّله في ذاكرته «ذكرى مُرّة».
«أنا ممن تعلّموا بأنفسهم. لم تكن مدرستي الثانوية فيها مدرس فنون، ولم أدرس الفن في الجامعة. تعلمت من كتب التقنية التي احتفظت بها أمي، ولكن دروسها كانت محدودة» يقول.
مع ذلك، ظلّ نداء الرسم يتصاعد داخله. تزوج، وأنجب أطفالاً، وعرف أنه بحاجة لكسب الرزق. خاطر بفنه ونظم معرضاً شخصياً في طوكيو. في تلك الفترة كتب مسرحية قدمها أصدقاء في مسرح محلي. مبيعات ذلك المعرض الأول والعائدات من المسرحية موّلت له معرضاً آخر في جينزا.
ثم هبّ هبوط اقتصادي في طوكيو فبدأ الدخل الفني يجف. انقلبت الأحوال بعد أن فاز بمسابقة فنية كبرى منحته عشرة ملايين ين (نحو 90,000 دولار). جلب هذا الفوز انتباهاً من أسواق الفن ومزادات مثل كريستيز في هونغ كونغ.
نُشر هذا المقال أصلاً في العدد 54 من مجلة Hi‑Fructose، الذي نفدَ من الطبع. للحصول على عددنا الأخير اشترك في مجلتنا.