غياب ترامب يفتح الباب أمام الصين لتبوؤ موقع القيادة في قمة العشرين أخبار الأعمال والاقتصاد

قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاطعة قمة مجموعة العشرين في جنوب إفريقيا هذا العام منح الصين فرصة واضحة لتوسيع نفوذها المتنامي في القارة الافريقية وتقديم نفسها بديلاً يُنظر إليه على أنه أقل ميلاً للانفرادية مقارنة بالولايات المتحدة.

واشنطن أعلنت أنها لن تحضر القمة التي تستمر يومين وتبدأ السبت، مستندة إلى مزاعم فقدت مصداقيتها على نطاق واسع بأن الدولة المضيفة—التي كانت تُحكم حتى 1994 بأقلية بيضاء في ظل نظام الأبارتايد—تُسيء معاملة البيض. وقد ردّ رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا على اتهام ترامب بأن استضافة القمة في جوهانسبورغ «فضيحة كاملة»، قائلاً إن سياسات المقاطعة لا تجدي نفعاً وإن الولايات المتحدة تتخلى عن الدور المهم الذي كان من المفترض أن تلعبه كأكبر اقتصاد في العالم.

وبينما بدا أن ترامب تراجع جزئياً بحلول صباح الجمعة بعدما ترددت شائعات حول احتمال إرسال مسؤول أمريكي إلى جوهانسبورغ، فإن الخلاف منح بكين هامش تحرك دبلوماسياً. شي جينبينغ، البالغ من العمر 72 عاماً، أرسل رئيس الوزراء لي تشيانغ لتمثيله على الساحة الدولية، في سياق تقليص الرئيس الصيني لزياراته الخارجية وتكليفه مبعوثه الأعلى بمهام تمثيلية.

«غياب الولايات المتحدة يمنح الصين فرصة لتوسيع تأثيرها العالمي»، هكذا علق تشي تشيون زو، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة باكنيل، مضيفاً أن دول الاتحاد الأوروبي والصين ستتصدران اهتمامات القمة في غياب واشنطن، وأن دولاً أخرى ستبحث عن قيادة منهما.

ومع ذلك، يرى محلّلون أن غياب ترامب لن يعني تلقائياً نهاية النظام الذي تقوده الولايات المتحدة، لكنه سيُسلط الضوء بشكل أكبر على مواقف وبواعث بكين. جينغ جو، اقتصادية سياسية بمعهد دراسات التنمية في المملكة المتحدة، أوضحت أن عدم حضور الولايات المتحدة «لا يجعل الصين تلقائياً القائد الجديد، لكنه يخلق مساحة مرئية لبكين لتعرض نفسها كشريك أكثر استقراراً وموثوقية في إدارة الشؤون الدولية».

يقرأ  موسم التسلق الخريفي في الهيمالايا: كيف انقلب إلى مأساة قاتلة

الصين تسعى إلى إبراز نفسها كمدافعة عن تعددية الأطراف ومسؤولة في السلوك الدولي، وتستفيد من ذلك لربط مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية بمطالب ومشروعات الدول النامية، لا سيما في إفريقيا. هذا العام ستكون القمة رئاسية لأول مرة لرئيس من القارة الأفريقية وستُعقد على أرضها، كما سيشارك الاتحاد الأفريقي كعضو كامل. ومن المتوقع أن تدفع جنوب إفريقيا التي تتولى الرئاسة باتجاه توافق وإجراءات بشأن أولويات القارة مثل تخفيف الديون، والنمو الاقتصادي، وتغير المناخ، والتحول إلى الطاقة النظيفة—محاور تبدو متوافقة بطبيعة الحال مع مصالح الصين التجارية والاستراتيجية.

الصين، الشريك التجاري الأكبر لأفريقيا، تطرح نفسها قائداً محتملاً في مجال الطاقة النظيفة ولها مجال واسع للعمل مع دول القارة في ذلك. القارة، بما تمتلكه من ثروات معدنية وسوق سكانية نامية واقتصادات سريعة النمو، توفر فرصاً كبيرة للشركات الصينية. زيارة لي تشيانغ إلى زامبيا هذا الأسبوع، الأولى لرئيس وزراء صيني خلال 28 عاماً، تؤشر إلى هذه الديناميكية؛ فزامبيا، الغنية بالنحاس، تعتبر بكين أكبر دائن رسمي لها بقيمة 5.7 مليار دولار. كما أبرمت الصين اتفاقاً بقيمة 1.4 مليار دولار في سبتمبر لإعادة تأهيل سكة حديد تازارا لتطوير الربط السككي-البحري بين تنزانيا وزامبيا.

«الاقتصاد الصيني والاقتصاد الأفريقي تكامليان؛ كلاهما يستفيد من التجارة»، قال تشي تشيون زو، مؤكداً أن قمة العشرين تشكل منصة مهمة لبكين لعرض نفوذها والسعي لشراكات جديدة. الطلب المتزايد في إفريقيا على الطاقة وسيطرة الصين على قطاع التصنيع يجعلان الطرفين مناسبين لبعضهما—وهو توجه يتجسّد عملياً: تقرير صادر عن مركز أبحاث الطاقة Ember أشار إلى أن واردات إفريقيا من الألواح الشمسية الصينية ارتفعت بنسبة 60% خلال الاثني عشر شهراً المنتهية في يونيو 2025.

تتطلع بكين للاستفادة من هذا التقارب مع إفريقيا عبر رسالة ثلاثية على قمة العشرين، بحسب جينغ جو: أولاً التأكيد على الاستقرار وأهمية القواعد واللوائح العالمية؛ ثانياً ربط قمة العشرين بالجنوب العالمي وتسليط الضوء على قضايا التنمية والتحول الأخضر؛ وثالثاً تقديم قيادتها القائمَة على قضايا محددة مثل الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي والحوكمة، لتبرز كحلّال للمشكلات بدلاً من كونها قوة مقلقلة للنظام القائم.

يقرأ  ليرن داشخطط وتكاليف نظام إدارة التعلم — ٢٠٢٥

غياب مسؤولين أمريكيين عن قمة هذا العام—بعد تخلفهم أيضاً عن قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC) في كوريا وعن مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP30) في البرازيل—يشكل «فرصة أخرى للصين»، على حد تعبير روزماري فوت، أستاذة السياسة والعلاقات الدولية بجامعة أكسفورد. وأضافت أن بكين قادرة مجدداً على المقارنة بين التزامها المعلن بتعددية الأطراف والسلوك المسؤول كقوة كبرى، وبين ما تبدو عليه سياسة أمريكية أحادية تركز على مصالحها الضيقة بدلاً من السلع العامة الدولية.

بذلك، تعمل الصين على توسيع نفوذها في إفريقيا كقوة موازنة للهيمنة التي تقودها الولايات المتحدة، مستثمرة الفراغ السياسي والدبلوماسي لعرض نموذج للشراكة والاستقرار والفرص الاقتصادية. في تناقض حاد مع قرار ترامب بإنهاء حقبة الإعفاء الجمركي عن أفريقيا وفرض رسوم تراوحت بين 15 و30 في المئة على 22 دولة، أعلن شي قبل أسابيع في قمة آبيك عن سياسة إلغاء كامل الرسوم الجمركية على جميع الدول الأفريقية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع بكين.

في تلك المناسبة شدد شي على التزام الصين بـ«التنمية المشتركة والازدهار المشترك مع جميع الدول»، مؤكدًا أن هدف بلاده هو دعم مزيد من الدول النامية في تحقيق التحديث وفتح آفاق جديدة للتنميه ولبناء فرص جديدة للنمو العالمي.

وبالمثل، استغل لي، رئيس الوزراء الصيني، الذكرى الثمانين للأمم المتحدة في الجمعية العامة التي انعقدت في سبتمبر ليبرز حاجة العمل الجماعي الأقوى لمواجهة تغيّر المناخ والتكنولوجيات الناشئة، داعيًا إلى تضامن أوسع «لرفع الجميع معًا، لأن الانقسام يسحب الجميع نحو الأسفل».

جاءت مواقفهما متباينة بوضوح مع خطاب ترامب في الجمعية العامة، الذي وصف تغيّر المناخ بأنه «أكبر عملية نصب» واعتبر مصادر الطاقة المتجددة «مزحة» و«مثيرة للشفقة».

وقالت فوت إن الأنظار ستتجه الآن إلى بكين بينما تحاول أن تتخذ موقفًا تسوينيًا مماثلًا — وفي ذلك تمييز لنفسها عن الولايات المتحدة — عند قمة العشرين، مضيفة أن تحديد ما إذا كانت بكين ستمارس تأثيرًا كبيرًا على جدول أعمال القمة يبقى أمرًا أصعب في القياس.

يقرأ  إسرائيل:قائد إيراني متورِّط في مخططات هجومٍ أُحْبِطت في أوروبا

أضف تعليق