منحت اسرائيل الموافقة النهائية لمشروع استيطاني مثير للجدل يهدد بقطع صلة الضفة بالقدس الشرقية وتقسيم الإقليم إلى قسمين.
تجمّد العمل في منطقة E1 لعقدين من الزمن بسبب معارضة دولية شديدة، ويحذّر معارضو المشروع من أنه سيمحو أي أمل في قيام دولة فلسطينية متصلة وذات جدوى. يوم الأربعاء، صادقت لجنة تابعة لوزارة الدفاع على خطط تقضي ببناء نحو 3,400 وحدة سكنية في E1. وأعلن وزير المالية اليميني المتشدد بيتسلم (بِزاليل سموتريتش) الذين كشف عن المخططات الأسبوع الماضي أن فكرة الدولة الفلسطينية “تُمحى”.
أدانت السلطة الفلسطينية القرار ووصفت الموافقة بأنها غير قانونية وستقضي ــ بحسبها ــ على فرص حل الدولتين. وتأتي الخطوة في وقت تتزايد فيه تصريحات دولية نية بعض الدول الاعتراف بدولة فلسطينية، وهو ما دانته إسرائيل.
منذ احتلال الضفة والقدس الشرقية عام 1967، أقامت إسرائيل نحو 160 مستوطنة تؤوي ما يقدّر بنحو 700 ألف يهودي على أراضٍ يطالب الفلسطينيون بها إلى جانب غزة من أجل دولتهم المستقبلية؛ ويعيش نحو 3.3 مليون فلسطيني إلى جانب هذه التجمعات. وتُعتبر المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، وهو موقف دعمه رأي استشاري لمحكمة العدل الدولية في يوليو 2024، رغم إنكار إسرائيل لذلك.
شهدت وتيرة التوسع الاستيطاني تسارعاً ملحوظاً منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة أواخر 2022 على رأس ائتلاف يميني موالٍ للمستوطنين، ومع اندلاع حرب غزة التي أشعل شرارتها هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر 2023.
وقع مجلس التخطيط الأعلى في الإدارة المدنية على خطط بناء وحدات سكنية في E1، التي تمتد على نحو 12 كيلومتراً مربعاً بين القدس الشرقية ومستوطنة معاليه أدوميم. كما أقرّت الهيئة 342 وحدة في المستوطنة الجديدة “عصائيل” (Asael)، وهي بؤرة سابقة جنوب الضفة الغربية أقيمت دون تفويض حكومي ثم شرّعتها إسرائيل في مايو الماضي.
وصف سموتريتش، الذي يشرف على الإدارة المدنية ويعد زعيماً قومياً متطرفاً ومستوطنياً، قرار التخطيط قائلاً: “الدولة الفلسطينية تُمحى من الطاولة، ليس بالشعارات بل بالأفعال”. وأضاف: “كل مستوطنة، وكل حي، وكل وحدة سكنية هي مسمار آخر في نعش هذه الفكرة الخطيرة”. كما حث نتنياهو على “إتمام الخطوة” وضم الضفة رسمياً.
كانت إسرائيل قد ضمّت القدس الشرقية فعلياً في 1980، خطوة لم تعترف بها غالبية المجتمع الدولي. وحذر معارضو مشروع E1 من أن تنفيذه سيعزل شمال الضفة عن جنوبها ويعيق تشكّل نسيج حضري فلسطيني متصل يربط رام الله والقدس الشرقية وبيت لحم.
وحذّرت منظمة “السلام الآن” الإسرائيلية المناهضة للاستيطان: “تحت ستار الحرب، يبني سموتريتش وأتباعه المخلصون لهم مستوطنة مصيرها الإخلاء في أي تسوية. هدف E1 الوحيد هو تخريب حل سياسي والتسريع نحو دولة عنصرية ثنائية القومية تشبه الفصل العنصري”.
من جانبها، قالت وزارة الخارجية الفلسطينية إن الخطة “ستعزل القدس عن محيطها الفلسطيني وتغمرها بكتل استيطانية ضخمة” وتفرّق الضفة “إلى جيوب متباعدة تشبه السجون المفتوحة”. وادعت أن الموافقة تمثّل “تواطؤاً إسرائيلياً رسمياً في جرائم الاستيطان والضم والإبادة والتهجير القسري” — اتهامات لطالما رفضتها إسرائيل. وطالبت الوزارة بـ”تحرك دولي حقيقي، بما في ذلك فرض عقوبات، لإجبار إسرائيل على وقف مخططاتها الاستعمارية (…) واحترام الإجماع الدولي لحل القضية الفلسطينية”.
وحذّر وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي من أن خطط E1، إذا نُفذت، “ستقسم الدولة الفلسطينية إلى نصفين، وتشكل خرقاً صارخاً للقانون الدولي وتقوض حل الدولتين بشكل بالغ”. ودعا الحكومة الإسرائيلية إلى التراجع عن القرار. كما رفض الملك عبد الله الثاني ملك الأردن المخططات مؤكداً أن “حل الدولتين هو السبيل الوحيد إلى سلام عادل وشامل”. وقال متحدث باسم الحكومة الألمانية إن البناء الاستيطاني ينتهك القانون الدولي ويعيق التوصل إلى حل تفاوضي قائم على دولتين ونهاية الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية.
لم يصدر تعليق فوري من الولايات المتحدة، غير أن السفير السابق والمرشح السابق مايك هوكابي قال لإذاعة جيش إسرائيل إن “قرار تطوير E1 قرار تديره حكومة إسرائيل، ونحن لا نريد أن نقيم الجيد من السيئ”، وأضاف أن ذلك “ليس بالضرورة انتهاكاً للقانون الدولي، ومن واجبنا أيضاً الاعتراف بأن للإسرائيليين حقّاً في الحياة داخل إسرائيل”.
في رأيها الاستشاري الصادر في يوليو 2024، اعتبرت محكمة العدل الدولية أن “الوجود المستمر لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني” وأن على الدولة “أن تضع حداً لهذا الوجود غير القانوني… بأسرع ما يمكن”. وردّ رئيس الوزراء الإسرائيلي حينئذ بالقول إن المحكمة اتخذت “قرار أكاذيب” ومتمسكاً بأن “الشعب اليهودي ليس محتلاً في أرضه”.