جوزيبي بينونه يُلْتَقِطُ أَنْفَاسَ العَالَمِ

في عصر أزمة المناخ هذا، حيث بات من الضروري إعادة قراءة علاقتنا مع الطبيعة والكائنات الأخرى، يتجه عالم الفن بشكل متزايد إلى تنظيم معارض تركز على القضايا البيئية والعالم ما وراء البشر. يكتسب من عمل الفنانين الذين انخرطوا في هذه الموضوعات منذ عقود أهمية خاصة؛ لأن أعمالهم تقدم رؤى عن المناخ قبل ترسخ لُغة بصرية محددة وتضيء على تطورات علمية أحدث. من أبرز هؤلاء الفنانين جوزيبي بينوني.

المعرض الفردي الذي يحمل عنوان “أفكار في الجذور” في صالة سيربنتين الجنوبية، ويضم أعمالاً تمتد من عام 1969 حتى اليوم، لا يغرق في ألفاظ العلوم الإنسانية البيئية الرنانة، ولا يحاول التقاط تعقيدات النظم الإيكولوجية والخبرة البشرية بأسلوب معرفي مطلق. بنوني يميل إلى تصوير الشجرة ككيان شعري بامتياز أكثر من كونها تجمعاً متعدّدَ الأنواع، وغالباً ما يستعمل جسده كرمز أو قائم مقام للانسانية العامة.

ما يميّز هذا الالتزام الطويل بعلاقة الجسد البشري بالنباتات هو ثقله التأملي. الغرفة المركزية في المعرض مدهشة بهدوئها وبساطتها: جدرانها مغلّفة بألواح شبكية تحوي طبقات من أوراق الغار، ورائحتها خفيفة لكنها كثيفة تملأ الفضاء مع كل شهيق وزفير. على أحد الجدران يقع تمثال معدني هجيني لرئةٍ تنبت منها فروع، يلفت الانتباه إلى التشابه التشريحي بين نمو النبات وجهاز التنفّس البشري، ويؤكّد على العلاقة المتبادلة الضرورية بين النبات والحيوان لإنتاج جو صالح للحياة — النبات يحوّل الكربون إلى أكسجين عبر التمثيل الضوئي، والحيوانات تستنشق الأكسجين وتخرج الكربون. يذكّرنا بنوني بأن الرئتين والأوراق هما فضاءان تلتقي فيهما الأنواع، مواقع للتداخل مع بيئاتنا.

على الجدار المقابل يبرز عمله “أشجار الكتاب” (2017)، حيث نحت بنوني الطبقات الخارجية للحِطَب قطعةً قطعة، كاشفاً عن قلب الشجرة والعقيدات التي كانت تنهض منها الفروع، مسجلاً ماضٍ ماديّاً في هيئة شكل. كل قطعة، وما تزال جزئياً محاطة بكتلة الخشب الأكبر، تشبه الشتلة وفي الوقت ذاته شجرتها الناضجة؛ فالنحت هنا يعمل كسجل ماديّ للزمن ومكان يتلاشى فيه الماضي والحاضر.

يقرأ  فرق الإطفاء في أوريغون تتسابق لإنقاذ إحدى أطول الأشجار في العالم

أعمال بنوني لا تقتصر على الداخل؛ فحديقة المتنزه المحيطة بالصالة تضم منحوتات مثل “الشجرة المصعوقة” (2012)، حيث صبّ شجرة بلجيكية أصابها صاعقة في البرونز. العمل ضخم وحامل لهيبة النصب العام، لكنه يفقد إلى حدّ ما هدوء اللمسة اليدوية والحضور الحسي الذي تميز به العديد من الأعمال الداخلية، حيث ينساب جلد الإنسان ولحاء الشجرة في استمرارية بصرية. يترك المعرض للمشاهد مساحة للتساؤل عما إذا كان تكريس شجرة على هيئة نصب خالدة، وسط عشرات الأشجار الأخرى في المتنزه، عملٌ ذو معنى — خصوصاً وأن نسخة بنوني، بخلاف جيرانها النباتيين، لا تقدم الكثير من الفائدة للحياة البرية المحلية.

التركيب العام للعرض يبرز قدرة بنوني على الجمع بين الشعر والبحث المادي، وبين الحاسة والتوثيق، بحيث تصبح المواد — الخشب، البرونز، والمعادن — نصوصاً تقرأ عليها طبقات الزمن والعلاقات. وفي حين تُظهر بعض القطع طابعاً مهيباً ومجرداً، تختزن أخرى حسّاً مباشراً بالعالم الحسي: رائحة، ملمس، أو صدى تنفّس.

يستمر معرض “أفكار في الجذور” في صالة سيربنتين الجنوبية (حدائق كنسينغتون، لندن) حتى 7 سبتمبر. أشرف على تنسيقه كلّ من كلود أجيل وهانز أولريش أوبريست بمشاركة أليكسا تشاو.

أضف تعليق