من يقف وراء مقتل الشابة الشيشانية التي فرّت من روسيا طلباً لحياةٍ حرةٍ؟

عندما هربت أيشات بايمورادوفا، البالغة من العمر 23 عاماً، من منزلها العام الماضي، اعتقدت أنّها ستنال أخيراً فرصة أن تعيش كما تريد. قادمة من الشيشان، الجمهورية المسلمة المحافظة شمال القوقاز، قطعت شعرها قصيراً، خففت عن رأسها الحجاب، حلقَت جزءاً من حاجبها ونشرت صور سيلفي صريحة على إنستغرام. قالت لأصدقائها الجدد إنّها صارت تتنفس.

في تشرين الأول/أكتوبر عُثِر على جثّتها في شقّة مستأجرة بأرمينيا المجاورة. تقول الشرطة إنّها قُتلت. شاهد شهود شخصين يغادران المبنى الذي وُجدت فيه، من بينهما امرأة تعرفت عليها أيشات قبل فترة وجيزة من وفاتها؛ وأفيد أنّ كلاهما سافرا إلى روسيا بعد ذلك بوقت قصير. الروس لا يحتاجون جواز سفر لدخول أرمينيا، يكفيهم بطاقة الهوية الداخلية، ما يجعل تلك الطريق ممراً سهلاً للراغبين في الفرار.

تُوصَف الشيشان لدى منظمات حقوق الإنسان غالباً كدولة داخل الدولة: مكان تهيمن فيه السلطة الشخصية، وتطغى الولاء لزعيمها الطويل الأمد على القوانين والمؤسسات الرسمية. وثّقت منظمات حقوقية على مدى سنوات حالات اختفاء قسري، وتعذيب، واغتيالات خارج نطاق القضاء، بالإضافة إلى اضطهاد منظّم لمن يختلفون في الرأي. وتنفي السلطات الشيشانية باستمرار هذه الادعاءات، ووصفتها بأنها اختلاقات تهدف إلى الإساءة إلى سمعة الإقليم.

أصبح مصير أيشات مميزاً بكونها أول امرأة شيشانية معروفة تُقتل في ظروف مريبة بعد فرارها من روسيا. مثل كثيرات ممّن هربن، شكت من الخضوع لرقابة عائلية صارمة: إجبارها على زواج لم تختاره، المراقبة، المنع من الخروج من المنزل أو استخدام هاتفها. لم تتمكّن بي بي سي من التواصل مع أسرتها للتعقيب.

وصلت أيشات إلى أرمينيا نهاية 2024 بمساعدة منظمة SK‑SOS، وهي مجموعة طوارئ تدعم من يواجهون خطرًا في شمال القوقاز. اشتكت علناً من قواعد النوع الاجتماعي المحافظة ومن السيطرة الخانقة التي تفرضها القيم السائدة على النساء في الشيشان. عملت أولاً في بلدة صغيرة ثم انتقلت إلى يريفان بحثاً عن وظيفة أفضل وفرص أوسع.

يقرأ  رئيس وزراء إسبانيا يدعو لاستبعاد إسرائيل من الرياضة الدولية

على غرار معظم الفارين، يتجنّب كثيرون الظهور العلني: يستخدمون أسماء مستعارة، يخفون وجوههم، يرفضون لقاء أشخاص جدد. اختارت أيشات مساراً مختلفاً؛ أرادت حياة طبيعية وثقة بالناس، كما قال صديق طلب عدم الكشف عن هويته. حاولت أسرتها إقناعها بالعودة، وعندما لم تنجح المحاولات، نبذوها بحسب SK‑SOS. ونفى عمّها لأي وسائل الإعلام المحلية أيّة علاقة للأسرة بوفاتها.

في ليلة مقتلها كانت أيشات برفقة امرأة التقتها عبر الإنترنت تزعم أنّها من داغستان. يقول من عرفوا أيشات إنّ هذه المرأة تواصلت معها أولاً على وسائل التواصل، ثم سافرت إلى أرمينيا ودعتها إلى حفلات. رصدت كاميرات المراقبة رجلاً يرافقها وهو يغادر المبنى الذي وُجدت فيه الجثة؛ أُشير عبر قناة تيليغرام روسية شعبية إلى أنّه من أصول شيشانية، وحدد تحقيق صحفي (Agentstvo) هويته باعتباره قريباً لرجل أعمال مقرّب من رمضان قديروف.

نفت السلطات الشيشانية أي صلة بوفاة بايمورادوفا ووصفت مثل هذه التلميحات بأنها “هجوم معلوماتي إرهابي”. وانتقد مسؤولوها أيضاً المجموعات التي تساعد النساء الهاربات، متّهمين إياها بـ”تدمير التقاليد الأسرية”. من جانبها، أعلنت السلطات الأرمينية أنها تحقق مع شخصين لم يُكشف عن اسميهما، لكنها لم تفِد بمزيد من التفاصيل.

يقول مايكل دينيس، خبير السياسات الشيشانية بجامعة تكساس، إنّ رمضان قديروف حساس للغاية تجاه الانتقادات الموجّهة إلى الشيشان من الخارج: وجود الشتات بحدّ ذاته إشارة إلى أنّ ثمة أمراً خاطئاً في الإقليم؛ إنه من قبيل الكبرياء الشخصي والصورة السياسية. منذ أوائل الألفية، قصد طالبو اللجوء من الشيشان أوروبا هرباً من الحرب ثم من حكم قاديروف القمعي. لكن تغيّر سياسات الهجرة في الاتحاد الأوروبي وقيود التأشيرات على الروس بسبب حرب أوكرانيا أغلق تقريباً أمامهم ذلك المسار.

بقيت القوقاز الجنوبيّة، حيث يسافر الروس بلا تأشيرة، أسهل طرق الفرار، لكنها ليست الأكثر أمناً. في تموز/يوليو، عُثر على لورا أفطورخانوفا (24 عاماً) في مأوى بجورجيا، ووصل إليها رجال من أقاربها الذين حاولوا إجبارها على العودة إلى روسيا؛ وبعد تحقيقات الشرطة تمكنت من البقاء بأمان في جورجيا.

يقرأ  مئات الآلاف يتظاهرون في مسيرات مؤيدة لفلسطين عبر أنحاء أوروبا أخبار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

مقتل أيشات أيقظ رعباً دفيناً لدى نساء شيشانيات أخريات فَرَّنَ من بلادهنّ؛ فقد أخبرتنا بعضهنّ أنّهن تجنّبن حتى قبل مقتلها حضور فعاليات المجتمع وتجنّبن التحدّث بالشيشانية علناً وقيّدن وجودهنّ على وسائل التواصل الاجتماعي. والآن يخشين أنّ ذلك قد لا يكون كافياً للحماية من من يريد العقاب.

تقول واحدة من الهاربات المقيمات في غرب أوروبا، وطلبت إخفاء اسمها ومكانها: “الخوف الذي كنته طوال حياتي—المترسّخ في حمضي النووي—استيقظ من جديد بعنف”. وأضافت: “الأمر يشبه شلل النوم: يظهر وحش فأبقى جامدة، أصارع بنظري عيونه. إنه الخوف من القتل.” وتختتم بصوت خافت: “يمكنك أن تفرّ، لكنك لا تشعر أبداً بأنك حرة حقّاً.”

أضف تعليق