مطابخ الطعام في قطاع غزة لا تزال تفتقد مستلزمات أساسية رغم سريان الهدنة

مطبخ منظمة Anera في الزوايدة وسط غزة ليس مجرد مكان لإعداد الطعام، بل شريان حياة يخدم آلاف المحتاجين يومياً. هذه واحدة من أكثر من خمس وثلاثين مطبخًا تعمل في القطاع وتجهز نحو ٢١٠٬٠٠٠ وجبة ساخنة يومياً.

ثُقل روائح الثوم يمتزج بدخان الحطب، وتغلي أواني معدنية ضخمة مصطفة على مواقد تقليدية. يضيف الطهاة صلصات الطماطم المعلبة والفلفل، ويُمنح كل قدر من التتبيل بسخاء قبل التحريك بملاعق عملاقة؛ مشهد يوحى بأن الطبخ هنا صناعة جماعية دقيقة تهدف إلى إطعام جموع جائعة لا إلى الترف الغذائي.

افتتحت منظمة Anera هذا المطبخ بعد بداية الهدنة قبل ستة أسابيع، ولها أيضاً مطبخ في المواصي بجنوب القطاع، حيث شهدت فرق إعلامية زيارات ميدانية قبل أسابيع. في بداية الحصار، قبل تخفيف بعض القيود، كانت المخزونات تتلاشى، أما الآن فالوضع تحسّن نسبياً بفضل دخول كميات أكبر من المواد الغذائية، لكن النقص في المكوّنات الأساسية لا يزال ملحًّا.

يقول سامي مطر، قائد الفريق في Anera، إن المنظمة تقدم وجبة ساخنة لأكثر من ٢٠٠٠٠ شخص يومياً، وإن عدد القدور التي تُستخدم تضاعف من نحو ١٥ سابقاً إلى نحو ١٢٠ قدرًا في اليوم، لتشمل أكثر من ثلاثين مخيماً للنازحين داخلياً وتخدم أكثر من ٤٠٠٠ أسرة مقابل ٩٠٠ أسرة قبل ستة أشهر.

على الرغم من توافر المزيد من المواد الأساسية بفضل شريكها الأميركي World Central Kitchen، إلا أن المطابخ لا تزال محرومة من مصادر البروتين الحيوية مثل اللحوم والدجاج، التي لا تسمح إدارتها كمعونات إنسانية. معظم اللحوم الطازجة تصل عبر قنوات تجارية بأسعار تفوق قدرة المنظمات على الشراء محلياً، ولذلك نادراً ما تُقدّم وجبات تحتوي لَحماً — وفي الفترة الأخيرة قدّمت المنظمة وجبة واحدة مع لحوم معلبة فقط.

يقرأ  متحف تيت يقتني ثلاث أعمال فنية في معرض فرايز لندن ٢٠٢٥

المأكولات التي تُوزّع حالياً تظل بسيطة: أرز، مكرونة، عدس، مع محاولة إدخال خضروات مثل الفلفل الحلو والبصل والبطاطا لتحسين الطعم والقيمة الغذائية. ومن أبرز الأطباق المحببة للأطفال هي السباغيتي مع خضروات معلبة وصلصة طماطم؛ مشاهد الفرح البسيط لدى الأطفال وهم يأكلون بأيديهم تعكس مدى الحاجة إلى هذه الوجبات.

تطورت وسائل التوزيع؛ فبعد أن كانت أواني الطعام تُنقل بالعربات والخيول قبل عدة أشهر، باتت تُنقل الآن بصهاريج وشاحنات صغيرة مع دخول كميات محدودة من الوقود. ومع ذلك، تظل حاجات المطابخ كبيرة: أوانٍ وأدوات طهي، عبوات تعبئة، وعبوات غاز طهي لتنظيف أفضل وسهولة أكبر في العمليات.

تشير الأمم المتحدة إلى أن عدد الوجبات اليومية الموزعة عبر شبكة المطابخ في غزة بلغ نحو ١٫٤ مليون وجبة في الأسبوع الأخير، ارتفاعاً من أقل من مليون قبل شهر، بينما يبلغ عدد سكان القطاع أكثر من مليوني نسمة. وتعتمد القوائم على قوائم مستفيدين مفحوصة في مخيمات الخيام، وغالبيتهم من سكان شمال غزة الذين دمرت منازلهم وفقدوا أقرباءهم ومصادر دخلهم.

تروي عيدة صلحو من غزة المدينة أنّها تعيش مع ستة أطفال في خيمة مستعارة: «نعيش على المطبخ المجتمعي، التكية. يأتون بالطعام والماء والخبز، وفي أحسن الأحوال هناك خبز مرة واحدة في الأسبوع أو كل أربعة أيام». وتعرضت خيمتهم للانهيار أثناء الأمطار الأخيرة، لكنها تؤكد أن الهدنة لم تُحسن ظروفهم الجوهرية رغم توقف القتال.

تطالب الوكالات الإنسانية بفتح المعابر الخمسة بالكامل؛ تعمل حالياً ثلاث معابر فقط، كما تطالب بتسهيل عمل منظمات إنسانية معتبرة تُواجه مشكلات تسجيل لدى السلطات، وهو ما يعيق استيراد الإمدادات مباشرةً من تلك المنظمات.

يقول البرنامج الغذائي العالمي إن ربع الأسر في غزة يكتفي بوجبة واحدة يومياً، وإن أسعار السلع الأساسية مثل الخضروات وزيت دوّار الشمس والدقيق انخفضت نسبياً في الأسواق المحلية لكنها ما تزال أعلى بكثير مما كانت عليه قبل الحرب بعامين. وفي استطلاعات، أفاد ثلثا الأسر بصعوبات في شراء الطعام، وغالباً بسبب انعدام السيولة النقدية.

يقرأ  الولايات المتحدة تطالب الصين بإطلاق سراح ٣٠ من قادة الكنيسة السرية المؤثرة

قصص الأفراد تقطر مرارة؛ عبد الكريم عبد الهادي، أب لسبعة أطفال من جباليا، يقول إنه «دخل السنة الثالثة من الحرب بلا مال ولا ذهب ولا ممتلكات، نحن محطمون تماماً». فقد ابنًا وأُتلفت بناهم، ويعيشون ظروفاً كارثية يومياً.

مع بداية الطقوس الباردة والرطبة، تزداد الحاجة إلى الغذاء والوقود والملابس والاحتماء. العاملون الإغاثيون، ومن بينهم سامي مطر، يصفون المحادثات مع العائلات بأنها قلب مُنكسر: لا يقوى الناس على رؤية مستقبل واضح للعودة إلى بيوتهم، وهم قلقون على دفء أولادهم وإطعامهم.

بعد موافقة مجلس الأمن على خطة أميركية مرفوعة هذه الأيّام، يبقى الشك في استمرارية الهدنة. لكن الأمل البسيط والإنساني يظل قائماً وفق ما يقول مطر: أن يعيش الناس في مكان آمن ومستقر، وأن يستطيع الأب أو الأم طهي وجبة ساخنة لأطفالهم بمحبة وكرامة.

المكرونة لا تزال الخيار الشعبي بين الأطفال والبالغين على حد سواء، وصوت الفرح البسيط لدى صغار السن عند رؤيتها يذكّر بأن الغذاء هنا لا يطعم الجسد فقط، بل يغذي الأمل أيضاً.

أضف تعليق