نوربرتو بارديس — بي بي سي نيوز موندو
أعلنت الولايات المتحدة تصنيف «كارتل دي لوس سولس» — المجموعة التي تتهمها بأنها تُدار من قبل الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو وشخصيات رفيعة المستوى في حكومته — كمنظمة إرهابية أجنبية. ويمنح هذا التصنيف أجهزة إنفاذ القانون والجهات العسكرية الأميركية صلاحيات أوسع لاستهداف هذه الشبكة ومحاولة تفكيكها.
تأتي هذه الخطوة في سياق تصاعد الضغوط الأميركية على مادورو خلال الأشهر الأخيرة، خصوصاً بعد إعطاء إعلان فوز الانتخابات العام الماضي طابعاً من «عدم الشرعية» لدى واشنطن ودوائر غربية عديدة التي اعتبرتها مزورة. لكنّ وزارة الخارجية الفنزويلية رفضت القرار «رفضاً قاطعاً، وحازماً، ومطلقاً»، ووصفت الاتهامات بأنها «كذبة جديدة وسخيفة».
من جانبها، وزارة داخلية فنزويلا ووزير العدل ديوسدادو كابيّلو — الذي طالته اتهامات بأنه أحد الأعضاء الرفيعي المستوى المرتبطين بالكارتل — اعتبروا التنظيم «اختراعاً»، واتهموا المسؤولين الأميركيين باستخدام هذه الادعاءات ذريعةً لاستهداف خصومهم السياسيين. وقد كرر ديوسدادو كلامه بأن «كل من يزعجهم يُسجل عندهم كرئيس لكارتل دي لوس سولس». كما أن غوستافو بترو، رئيس كولومبيا اليساري، نفى وجود الكارتل واعتبره «حجة خيالية من اليمين المتطرف للإطاحة بحكومات لا تطيعه».
على الضفة الأخرى، تؤكد وزارة الخارجية الأميركية أن كارتل دي لوس سولس ليس مجرد ادعاء بل ظاهرة أثّرت في مؤسسات الدولة الفنزويلية، «مُفسِدةً الجيش والاستخبارات والسلطة التشريعية والقضاء». والخبراء الذين استشارتهم بي بي سي يميلون إلى أن الحقيقة تقبع في منتصف الطريق بين هذه الروايات: ثَمّة شبكة مصالح فساد واسعة، لكنها لا تشبه بالضرورة منظمة مُهيكلة مركزياً كما تُصوَّر أحياناً.
مصطلح «كارتل دي لوس سولس» ظهر أولاً في أواخر ثمانينيات وبدايات التسعينيات، حين ربطت وسائل الإعلام المحلية اتهامات تهريب مخدرات بضباط كبار في الحرس الوطني، واشتُقّ الاسم من شارات الشمس المرسومة على أكتاف الرتب العليا. وفقاً لمايك لا سوزا، خبير الجريمة المنظمة في الأمريكتين ونائب مدير المحتوى في «إنسايت كرايم»، أصبح المصطلح يُستخدم لاحقاً لكل المسؤولين الفنزويليين الذين وُرِطوا في تهم تهريب المخدرات، بغض النظر عمّا إذا كانوا جزءاً من كيان موحّد أم لا.
يُضيف خبير آخر من جامعة UNAM المكسيكية، راوول بنيتيز-ماناو، أن نشاطات هذه الشبكة اشتعلت كرد فعل للتطوّرات في كولومبيا؛ فمع انهيار كارتل ميديين ونجاح حملات مكافحة المخدرات، احتاج تجار المخدرات إلى طرق بديلة، وفُتح خلال تلك الفترة ممر عبر فنزويلا. وتطوّر الوضع أكثر خلال سنوات حكم هوغو تشافيز عندما قطعت فنزويلا علاقات التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، فاختفى جزء من إشراف إدارة مكافحة المخدرات الأميركية (DEA)، وسمح ذلك لبعض الضباط بالانخراط في شراكات مع مهربي المخدرات.
كما لعبت علاقات التشافيز المتعاطفة مع جماعات المتمردين في كولومبيا، التي كانت تموّل نفسها عبر تهريب الكوكايين، دوراً في تحويل بعض خطوط التهريب عبر الأراضي الفنزويلية؛ فبعض الجماعات نقلت عملياتها إلى داخل فنزويلا مستفيدةً من ما اعتبرته «ملاذاً آمناً» بسبب المواقف الإيديولوجية المتقاربة. ووفقاً لويس تبر، عميل سابق في الـDEA عمل في فنزويلا، فإن عناصر عديدة من مؤسسات الدولة — من عناصر شرطة الشارع إلى طيران الجيش — أصبحوا شركاء في شبكات التهريب، ما أدى في فترات إلى تدفق مئات الأطنان من الكوكايين إلى الولايات المتحدة.
يختلف كارتل دي لوس سولس عن شبكات المخدرات التقليدية بغياب هيكلية مركزية موحّدة؛ فهو، كما يؤكد لا سوزا، أقرب إلى «نظام فساد منتشر» منه إلى تنظيم هرمي متقن. وقد غذّى الأزمة الاقتصادية المستمرة في فنزويلا هذا النظام: فالعجز في رواتب الأجهزة الأمنية دفع البعض إلى قبول رشاوى وصفقات للمحافظة على ولاءهم وامتيازاتهم، وفق الخبير نفسه.
ويشير بنيتيز-ماناو إلى أن الضباط من المستويات المتوسطة والدنيا الذين يسيطرون على نقاط الدخول والخروج الحيوية — مثل المطارات والموانئ — هم قلب هذا النظام لأن مواقعهم تمنحهم القدرة على تسهيل حركة المخدرات. ومع ذلك، تصرّ السلطات الأميركية على أن امتدادات الظاهرة تصل إلى أعلى المراتب في حكومة مادورو، بما في ذلك الرئيس نفسه؛ ففي 2020 اتهمت وزارة العدل الأميركية مادورو وأربعة عشر آخرين بالتآمر مع جماعات مسلحة كولومبية لشحن كميات من الكوكايين نحو الولايات المتحدة، وسُمِّي من بين المتهمين وزير الدفاع فلاديمير بادرينو ورئيس المحكمة العليا السابق مايكل مورينو. في لائحة الاتهام، زعم المدّعون الفيدراليون الأميركيون أن “كارتيل دي لوس سولوس” قد أُدير وتزعّم منذ عام 1999 على الأقل من قبل نيكولاس مادورو، ووزير الداخلية ديوسدادو كابيّلو، ورئيس المخابرات العسكرية السابق هوغو كارفاخال، والجنرال السابق كليفر ألكالا.
ويقول المحققون إن معلومات مقدَّمة من مسؤولين عسكريين فنزويليين رفيعي المستوى — من بينهم كارفاخال وألكالا — تؤكد هذه الادعاءات.
قدّم ليامسي سالازار، رئيس الأمن السابق للرئيس الراحل هوغو تشافيز، معلومات للسلطات الأميركية عن “كارتيل دي لوس سوليس” في وقت مبكر يعود إلى عام 2014. وقد غادر سالازار فنزويلا بمساعدة إدارة مكافحة المخدرات الأميركية (DEA)، وأفاد أن وزير الداخلية كابيّلو كان يقود هذا الكارتيل.
ونفى كابيّلو هذه الاتهامات، واعتبرها جزءاً من “مؤامرة دولية”.
ومع ذلك، واصلت الاتهامات قدومها من مسؤوليين فنزويليين سابقين. ففي عام 2020 سلّم الجنرال ألكالا نفسه لوكلاء الـDEA بعد خلافه مع حكومة مادورو، واعترف بتقديم دعمٍ لقيادة فارك وعمليات تهريب الكوكايين الخاصة بها.
وفي وقتٍ سابق من هذا العام، اعترف أيضاً رئيس المخابرات السابق هوغو كارفاخال — الذي غادر فنزويلا بعد افتراقه مع مادورو — بذنبٍ أمام محكمة أميركية بتهم تتعلق بتهريب المخدرات والإرهاب المرتبط بالمخدرات.
وخلال المحاكمة قال ادّعاء فدرالي عن كارفاخال، المعروف بلقبه “إل بيويو” (El Pollo): «على مدى سنوات، استُخدمت الكوكايين كسلاح؛ إذ غُمّرت مدينة نيويورك ومدن أميركية أخرى بهذه السموم».
كما عرضت الولايات المتحدة مكافآتٍ مقابل معلومات تؤدي إلى توقيف مادورو وكابيّلو، وقد رفعت مؤخراً قيمة المكافآت إلى 50 مليون دولار (نحو 38 مليون جنيه إسترليني) و25 مليون دولار على التوالي.
وتواصلت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) مع الحكومة الفنزويلية للتعليق على الاتهامات الأميركية، لكنها لم تتلقَّ رداً قبل نشر المادة.
من جهتها، كانت حكومة مادورو ترفض منذ زمن طويل اتهامات الاتجار بالمخدرات، ووصفتها بأنها محاولة أميركية لتبرير الإطاحة بمادورو. وفي بيان صدر يوم الاثنين وصفت وزارة الخارجية الفنزويلية توصيف “كارتيل دي لوس سوليس” كمنظمة إرهابية بأنه “اختراع ساذج”. وأكدت الوزارة أن الكارتيل “غير موجود” وأن هذه الخطوة ما هي إلا “كذبة دنيئة لتبرير تدخلٍ غير شرعي وغير قانوني ضد فنزويلا”.