دراسة هندية — الموسيقى تُسهم في تعافي المرضى أثناء التخدير

تحت أضواء مشرقة في غرفة عمليات بالعاصمة دلهي، ترقد امرأة بلا حراك بينما يستعد الجراحون لاستئصال مرارتها.

هي تحت تأثير تخدير عام: فاقدة الوعي، عاجزة عن الإحساس، ومكمّدة بالحُبوب التي تغرقها في نومٍ عميق، تحجب الذاكرة، تخفّف الألم وتشلّ العضلات مؤقتًا.

ومع ذلك، وسط أزيز أجهزة المراقبة وإيقاع فريق الجراحة، تتسلّل إلى أذنيها عبر سماعات رأس نغمات فلوت هادئة.

رغم أن الأدوية تسكت كثيرًا من نشاط الدماغ، فإن المسار السمعي يبقى جزئيًا مت فعّالاً؛ وعندما تستفيق ستعود إليها الواعية أسرع وبوضوح أكبر لأن الأطباء استعملوا جرعات أقل من أدوية مثل البروبوفول والمسكنات الأفيونية مقارنة بمن لم يسمعوا موسيقى، بحسب دراسة جديدة من كلية مولانا آزاد الطبية ونشرت في مجلة Music and Medicine.

تركّز الدراسة على مرضى خضعوا لاستئصال المرارة بالمنظار — العملية القياسية ذات الشقوق الصغيرة، القصيرة عادة والتي تتطلّب استيقاظًا سريعًا و”صافياً” بعد الجراحة.

لفهم سبب لجوء الباحثين إلى الموسيقى، لا بد من تفكيك ممارسة التخدير الحديثة. كما تشرح الدكتورة فرح حسين، أخصائية تخدير وكاتبة الدراسة ومعالجة موسيقية معتمدة: “هدفنا هو تسريع خروج المريض من المستشفى بعد الجراحة. يجب أن يستيقظ المريض صافي الذهن، متيقظًا وواعيًا، ويفضل دون ألم. مع تحكّم أفضل بالألم ينخفض استجابة الجسم للتوتر.”

تحقيق ذلك يتطلب مزجًا مدروسًا لخمس أو ستة عقاقير تعمل معًا لإبقاء المريض نائمًا، منع الألم، طمس الذاكرة وإرخاء العضلات.

في عمليات مثل استئصال المرارة بالمنظار، يكمل أطباء التخدير غالبًا هذا النظام بعَقدات إقليمية — حقن موجّهة بالموجات فوق الصوتية تخدّر أعصاب جدار البطن. كما تقول الدكتورة تانفي غويل، الباحثة الرئيسية: “التخدير العام مع العقد هو المعيار، ونحن نطبقه منذ عقود.”

الجسم لا يرحب بالجراحة بسهولة؛ حتى تحت التخدير، يتفاعل: يرتفع معدل القلب، وتندفع الهرمونات، ويصعد ضغط الدم. ومنع هذا الانفجار وإدارته هدف مركزي في الرعاية الجراحية الحديثة، إذ أن استجابة الإجهاد قد تبطئ الشفاء وتفاقم الالتهاب.

يقرأ  ترامب يتهم فنزويلا بإرسال مخدرات وأفراد عصابات— تصاعد التوترات بين البلدين

يبدأ التوتر قبل أول شقّ بفعل التنبيب — إدخال أنبوب تنفّس في القصبة الهوائية. يستخدم أخصائي التخدير خلال هذه الخطوة المنظار الحنجري لرفع اللسان والأنسجة الرخوة عند قاعدة الحلق، للحصول على رؤية واضحة للحبال الصوتية وتوجيه الأنبوب إلى القصبة. هذه خطوة روتينية في التخدير العام تضمن مجرى هواء مفتوحًا وتحكّمًا دقيقًا في التنفّس أثناء فقدان الوعي.

تصف الدكتورة سونيا وادهوان، مديرة قسم التخدير والعناية المركزة ومشرفة الدراسة، هذه المرحلة بأنها “أكثر ما يثير استجابة التوتر خلال التخدير العام”. وبرغم أن المريض لا يتذكّر شيئًا، فإن جسده يردّ بتغيّرات في نبض القلب وضغط الدم وهرمونات الإجهاد.

ومع تطور الأدوية، اختفت أقنعة الإيثر التقليدية وحلّت محلّها عوامل وريدية، وعلى رأسها البروبوفول، المشهور عالميًا في سياق وفاة مايكل جاكسون لكنه مفضّل في غرف العمليات لسرعته ونقاء التعافي. كما تلاحظ الدكتورة غويل: “يبدأ مفعول البروبوفول خلال نحو 12 ثانية. نفضله للعمليات القصيرة لأنه يتجنّب الإحساس بـ’الرتق’ الذي تسببه الغازات الاستنشاقية.”

تساءل فريق البحث عمّا إذا كانت الموسيقى تُقلّل كمية البروبوفول والفنتانيل (مسكّن أفيوني) اللازمة. تقليل الجرعات يعني استيقاظًا أسرع، مؤشرات حيوية أكثر ثباتًا وآثارًا جانبية أقل.

صمموا تجربة: بعد تجربة أولية شملت ثمانية مرضى، نفّذوا تجربة لمدة 11 شهرًا شملت 56 بالغًا تتراوح أعمارهم بين 20 و45 تقريبًا، عيّنتهم الصدفة إلى مجموعتين. جميعهم تلقّوا نفس بروتوكول الخمس أدوية: مضاد غثيان، مهدئ، فنتانيل، بروبوفول ومرخّي عضلات. ارتدى الجميع سماعات عازلة للضوضاء — لكن مجموعة واحدة فقط سمعت موسيقى.

“طلبنا من المرضى الاختيار بين قطعتين هادئتين آليتين — فلوت ناعمة أو بيانو”، تقول الدكتورة حسين. “هناك مناطق في العقل اللاواعي تبقى نشطة. وحتى لو لم يتذكّر المريض الموسيقى صراحة، فإن الوعي الضمني قد يحدث تأثيرات مفيدة.”

يقرأ  قوات أمريكية تقتل شخصين بضربةاستهدفت زورقاً يشتبه في استخدامه لتهريب المخدرات في المحيط الهادئ

النتائج كانت لافتة: المرضى الذين تعرضوا للموسيقى احتاجوا جرعات أقل من البروبوفول والفنتانيل. مرّوا بفترات انتعاش أكثر سلاسة، سجّلوا مستويات كورتيزول أقل — أي هرمونات توتر أدنى — وتحكّمًا أفضل بضغط الدم أثناء العملية. كما كتب الباحثون: “لأن القدرة على السمع تظلّ قائمة تحت التخدير، فإن الموسيقى قد تشكّل الحالة الداخلية للدماغ.”

بوضوح تبدّدت بعض عواصف الجسم الداخلية. تقول الدكتورة وادهوان: “المسار السمعي يظل نشطًا حتى عندما تكون فاقدًا للوعي. قد لا تتذكّر الموسيقى، لكن الدماغ يسجّلها.”

فكرة أن العقل وراء حجاب التخدير ليس صامتًا تمامًا تثير فضول العلماء منذ زمن؛ فحالات نادرة للتذكّر أثناء العملية تُظهر أن المرضى يستعيدون شظايا من محادثات غرفة العمليات. فإذا كان الدماغ قادرًا على التقاط وتخزين تجارب ضاغطة خلال الجراحة — حتى حين يكون المريض فاقدًا للوعي — فقد يكون قادرًا أيضًا على تسجيل تجارب إيجابية أو مريحة مثل الموسيقى، حتى دون ذاكرة واعية.

“لا نزال في المراحل الأولى من استكشاف كيف يستجيب اللاوعي لتدخّلات غير دوائية مثل الموسيقى”، تضيف الدكتورة حسين. “إنها وسيلة لمدّ طابع إنساني إلى غرفة العمليات.”

العلاج بالموسيقى ليس بجديد في الطب؛ فقد استُخدم طويلاً في الطب النفسي، تأهيل السكتة الدماغية والرعاية التلطيفية. لكن دخوله إلى عالم التخدير الميكانيكي والتقني يدلّ على تحوّل هادئ.

إذا كان مثل هذا التدخّل البسيط قادرًا على تقليل استعمال الادوية وتسريع التعافي — حتى ولو بشكل متواضع — فقد يعيد تشكيل نظرة المستشفيات إلى الرفاه الجراحي.

بينما يتحضّر فريق البحث لدراسة لاحقة حول التخدير المدعوم بالموسيقى، تهمس البيانات الحالية بحقيقة واحدة: حتى عندما يكون الجسد ساكنًا والعقل نائمًا، قد تبدأ الشفاء مع بضع نغمات رقيقة.

يقرأ  تجارة الأعضاء البشرية في الولايات المتحدة — قانونية تمامًا

أضف تعليق