لماذا تواجه راشيل ريفز «ثلاثية مستحيلة» بسبب موازنة المملكة المتحدة لعام ٢٠٢٥ أخبار الأعمال والاقتصاد

المملكة المتحدة تستعد للكشف عن ميزانيتها السنوية يوم الأربعاء على خلفية أوضاع مالبـية عامة متعثرة وغضب شعبي واسع تجاه حزب العمال الحاكم. تواجه وزيرة الخزانة، راشيل ريفز، مهمة شاقة لإعادة صحة المالية العامة مع المحافظة على سلسلة من التعهدات التي تقلص مجال تحرّكها بشأن الضرائب والإنفاق.

ملخص الموقف
– خبراء الاقتصاد يرون أن ريفز أمام خيارين صعبين أو حل وسط لا مفر منه، فيما وصفه أحد مراكز الأبحاث الرائدة بأنه «مأزق ثلاثي مستحيل»: رفع الضرائب، أو خفض الإنفاق، أو تعديل القواعد المالية الذاتية.
– الاقتصاد البريطاني يعاني منذ سنوات من نمو ضعيف وتضخم مرتفع وتزايد سريع في الدين العام، وفي حقبة ما بعد كوفيد كان أداء المملكة المتحدة من بين أضعف أداءات دول مجموعة السبع بعد ألمانيا.

الأرقام الأساسية
– نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.7% فقط من الربع الأخير لعام 2019 حتى الربع الأول من 2024، مقارنةً بـ8.7% في الولايات المتحدة و5.1% في كندا و4.6% في إيطاليا (بيانات حكومية).
– رغم انطلاقة قوية للاقتصاد في 2025، تباطأ النمو إلى 0.1% في الربع المنتهي في سبتمبر.
– تكاليف الاقتراض ارتفعت بشكل حاد، وسعر الفائدة على السندات الحكومية الطويلة الأجل سجل في سبتمبر أعلى مستوى له منذ نحو ثلاثين عاماً.
– في أكتوبر وحده، اقترضت الحكومة نحو 17.4 مليار جنيه لسد الفجوة بين إيرادات الضرائب والإنفاق.

التزامات الحكومة وقواعدها المالية
ريفز، التي تعهد حزبها بعدم تنفيذ تخفيضات جذرية في الإنفاق بعد سنوات من سياسات التقشف، فرضت على نفسها «قواعد مالية» تقضي بتحقيق توازن في الإنفاق الجاري وخفض الدين العام بحلول 2029-2030، مع التزام بعدم زيادة ضريبة الدخل أو ضريبة القيمة المضافة أو التأمين الوطني. في ميزانية العام الماضي، رفعت الضرائب بنحو 40 مليار جنيه إسترليني (52.6 مليار دولار) في أكبر حزمة لزيادة الإيرادات منذ عقود، واعتبرت ذلك دفعة ألم مؤقتة لتعديل أوضاع المالية العامة. ومع ذلك لا تزال الفجوة بين الإنفاق والإيرادات كبيرة بسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض.

يقرأ  المستشفيات أولاً، لا للملاعب على حساب الصحة

تقديرات العجز
قدّر «المعهد الوطني للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية» أن ريفز ستحتاج إلى نحو 41.2 مليار جنيه إضافية لتحقيق أهدافها، وهو ما يضعها أمام «مأزق ثلاثي» فعلي. تقديرات أخرى، اعتماداً على بيانات اقتصادية أحدث، تقلصت إلى نحو 20 مليار جنيه (حوالي 26.3 مليار دولار).

دوافع الضغوط السياسية والاقتصادية
أشار عدد من الخبراء لوجود تداخل بين التزامات الحكومة السياسية وسوق سندات قلق. يصف جاسبر كينتر، أستاذ الاقتصاد في جامعة أبرستويث، الميزانية بأنها «تحدٍ خاص لأن الحكومة محاصرة بين الالتزام بعدم إجراء تخفيضات حادة في الخدمات العامة وعدم رفع الضرائب على العمال وقواعد مالية فرضتها على نفسها، في ظل سوق سندات متملة». كما أن سياسات الحكومة السابقة تركت آثاراً متبقية، بما في ذلك خفض ضرائب وتأثيرات انتخابية فاشلة.

الإجراءات المتوقعة
بعد التراجع عن رفع ضريبة الدخل الذي كان سيخل بتعهدات حزب العمال، من المتوقع أن تعلن ريفز عن إجراءات أخرى لزيادة الإيرادات، بينها ضريبة على الممتلكات التي تزيد قيمتها عن 2 مليون جنيه استرليني وتجميد تعديلات حدود ضريبة الدخل. في الوقت نفسه تراجعت مكانة حزب العمال في استطلاعات الرأي أمام حزب «ريفورم يو كي» اليميني الشعبوي.

ردود الفعل من الأسواق والمستهلكين
قال كوستاس ميلاس، أستاذ الاقتصاد في جامعة ليفربول، إن الإشارات المتضاربة قبل الميزانية أدت إلى تردد المستثمرين في ضخ أموالهم حتى يتضح مسار السياسات، كما أن المستهلكين باتوا حذرين في إنفاقهم لحين معرفة الضرائب الإضافية المحتملة.

أسباب أعمق لصعوبات الاقتصاد البريطاني
– عوامل مشتركة مع اقتصادات متقدمة أخرى: انخفاض معدلات الولادة وارتفاع نفقات الرفاهية.
– لكن بريطانيا تميزت على مدى عقود بمعدل نمو منخفض لإنتاجية العمل. في 2023 احتلت المركز الرابع بين دول مجموعة السبع من حيث إنتاجية العمل (الناتج لكل ساعة عمل)، فيما ظل نمو الإنتاجية بعيداً عن ما شهده أقرانها.
– من 2007 إلى 2022 نما الناتج لكل ساعة عمل في المملكة المتحدة نحو 6% فقط، مقارنةً بـ17% في الولايات المتحدة و12% في اليابان و11% في ألمانيا (بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية).
– يُنسب جزء كبير من الفجوة الإنتاجية إلى سنوات من التقشف وقلة الاستثمار. تُظهر تحليلات بي دبليو سي لبيانات البنك الدولي أن إنفاق المملكة المتحدة على الاستثمار بين 2017 و2021 كان يعادل 18% من الناتج المحلي، مقابل 25% في اليابان و23% في فرنسا و21% في الولايات المتحدة.

يقرأ  احتلال ترامب لواشنطن العاصمة: بروفة للاستبداد— دونالد ترامب

تأثير البريكست والحلول المطلوبة
يُعتقد أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عمّق بعض هذه الاتجاهات، وقدّر مكتب مسؤولية الميزانية أن البريكست سيخفض الإنتاجية طويلة الأجل بحوالي 4%. يقول جوناثان دانيل بورتس من كلية كينغز كوليدج لندن إن البلاد بحاجة لمعالجة مشكلات هيكلية طويلة الأجل من خلال «إصلاح ضريبي محفز للنمو» وإلغاء سياسات معادية للنمو في مجالات الهجرة والجامعات. يتوقع بورتس زيادات ضريبية مهمة لكن دون إصلاح ضريبي جذري قد يحقق فرقاً كبيراً على المدى القصير.

التحديات المستقبلية للرفاهية
يؤكد مايكل بن-جاد، أستاذ الاقتصاد في جامعة سيتي سانت جورج في لندن، أن نظم التقاعد العام «مدفوعة بالدفع على حسب المعاشات» صُممت لعصر كان فيه السكان ينمو أو يبقى مستقراً، ولم تتوقع هذه الأنظمة انخفاض الخصوبة أو تمديد متوسط العمر. لذلك، يرى بن-جاد أن البلاد لن تتمكن على المدى الطويل من تفادي إصلاحات في دولة الرفاهة لإعادة التوازن المالي.

أضف تعليق