وزارة الدفاع الأمريكية فتحت تحقيقاً مع السيناتور مارك كيلي بعد ظهور فيديو دعى فيه هو وآخرون من الديمقراطيين الجنود إلى رفض «الأوامر غير القانونية». الفيديو، الذي نُشر الأسبوع الماضي، ظهر فيه ستة نواب ديمقراطيين سبق أن خدموا في القوات المسلحة أو في أجهزة المخابرات: مارك كيلي، والنائبان كريس دلوزيو وكريسي هولاهان (من بنسلفانيا)، والنائبة ماجي جودلاندر من نيوهامبشير، والنائب جايسون كراو من كولورادو، والسيناتورة إيليسا سلوتكين من ميشغن.
سلوتكين أكدت في منشور على منصة X مرفقاً بالفيديو أنها تريد «التحدّث مباشرةً مع أعضاء القوات المسلحة ومجتمع المخابرات»، وأضافت: «الشعب الأمريكي يحتاجكم لتدافعوا عن قوانيننا ودستورنا. لا تستسلموا للسفينة».
في الفيديو حذّر النواب من أن الثقة التي يضعها المواطنون في الجيش وأجهزة المخابرات «مهدّدة»، وقالوا إن الإدارة الحالية تضع بين المحترفين العسكريين والاستخباراتيين والمواطنين الأميركيين تناقضاً. وذكروا أن «كما فعلنا نحن، أقسمتم على حماية والدفاع عن هذا الدستور. التهديدات لدستورنا ليست قادمة من الخارج فقط بل هنا في الداخل»، وتابعوا: «قوانيننا واضحة: يمكنكم رفض الأوامر غير القانونية».
ردّ البنتاغون بالإعلان عن فتح تحقيق في مزاعم انتهاك كيلي للقوانين العسكرية — وهو إجراء استثنائي ضد شخص تقاعد من الخدمة. وبيّن البيان أن هناك «ادعاءات خطيرة بسوء سلوك» قد تكون أثّرت على «الولاء والمعنويات والنظام والانضباط في القوات المسلحة»، وأن مراجعة شاملة أُطلقت لتقرير الخطوات التالية، التي قد تتضمن استدعاء كيلي إلى الخدمة الفعلية لمحاكمة عسكرية أو اتخاذ إجراءات إدارية، مع التزام بضمان الإجراءات القانونية والحياد.
يشير دليل محاكم العسكريّة الأميركي (US Manual for Courts‑Martial) إلى أن الأمر العسكري يُفترض قانونيته، وأن عصيان أمر يُعد محلّ مخاطرة للمُرتبِط، لكن هذا الافتراض لا ينطبق إذا كان الأمر مخالفاً للدستور أو للقانون الأميركي، أو صادرًا عن ضابط بلا سلطة، أو كان «غير قانوني بشكل صارخ» كأمر بارتكاب جريمة.
من هو مارك كيلي؟
السيناتور عن ولاية أريزونا هو ضابط بحري سابق وطيار قاد طلعات قتالية في حرب الخليج الأولى، ثم صار رائد فضاء في 2001 وأجرى أربع رحلات مكوك فضائي خلال عشر سنوات، اثنتان منها كقائد. تقاعد عام 2011 برتبة كابتن، وهو رتبة تسبق الأدميرال الخلفي مباشرةً. دخل الساحة السياسية بترشحه لملء مقعد السيناتور جون ماكين المتوفى، وفاز في 2020 واستُعيد انتخابه لولاية كاملة بعد ذلك باثنتين. في مجلس الشيوخ ركّز عمله على قضايا الأمن القومي والشؤون العسكرية.
هل كان كلام كيلي صحيحاً بشأن «الأوامر غير القانونية»؟
يقول بروس فاين، محامٍ مختص بالقانون الدستوري والدولي وعمل سابقاً كنائب مساعد لوزير العدل في عهد رونالد ريغان، إن كيلي «كان يردّد ببساطة ما تقوله القوانين». وأوضح أن عضو القوات المسلحة «مطلوب منه عصيان أمر ظاهر الوضوح كونه غير قانوني»، وأنه «لا يوجد دفاع قائم على مجرد اتباع الأوامر»—مستشهداً بمحاكمة الملازم ويليام كالي الذي أدين بجرائم حرب لقتل مدنيين في مياي لاي عام 1968 عندما رُفض دفاعه بأنه كان ينفذ أوامر.
ما مضمون تحقيق البنتاغون؟
في بيانه على X قال البنتاغون إنه تلقى «ادعاءات خطيرة بسوء السلوك» ضد كيلي وإن الفيديو قد يكون أخلّ بـ«الولاء والمعنويات والنظام والانضباط» داخل القوات، ولذلك بُدِئت مراجعة لتحديد إجراءات لاحقة قد تشمل الاستدعاء للخدمة الفعلية للمثول أمام محكمة عسكرية أو إجراءات إدارية أخرى. وأضاف البيان تذكيراً بأن على جميع العسكريين واجباً قانونياً بموجب قانون العدالة العسكري (UCMJ) بطاعة الأوامر القانونية، وأن الأوامر تُعتبر قانونية ما لم تُثبت عكس ذلك، وأن الفلسفة الشخصية للفرد لا تبرر عصيان أمراً قانونياً.
ردود رسمية وشخصية
كتب وزير الدفاع بيت هيغسِث على X أن النواب الستة كانوا «خطرين وسفّهاء وكاذبون»، ووصفهم بـ«السدّيين» (seditious) واعتبر أن تشجيع الجنود على تجاهل أوامر قادتهم يقوّض النظام والانضباط ويزرع الشك والارتباك ويعرّض المقاتلين للخطر، مضيفاً أن كيلي وحده من يخضع لسلطة وزارة الدفاع. وقال أيضاً إن «سلوك كيلي يلطّخ سمعة القوات المسلحة وسيتعامل معه بالشكل المناسب».
من جهته، رد كيلي على الإجراءات ببوست على X مؤكداً أنه أقسم الولاء للدستور عام 1986، وأنه أحفظه طوال 25 سنة خدمة وكل يوم منذ تقاعده، وأنه لن يسمح للتخويف بأن يسكته، وأنه ضحّى كثيراً من أجل بلده. استعرض تجاربه بالقول إنه شهد قنبلة صاروخية تنفجر بجانب طائرته، وتعرّض لإطلاق نار مضاد للطائرات، وانطلق إلى المدار—كلها من أجل بلاده—وأضاف أنه لم يكن يتوقع أن يرى رئيساً يدعو لإعدامه، وأن وضع الدستور صار أسوأ بفعل ذلك.
وردّ الرئيس السابق دونالد ترامب عبر منصته أنّ الفيديو «سيئ وخطير على البلاد» واصفاً ما ورد فيه بأنه «سلوك خائن من خائنين!!!».
الخلاصة
التقاطع بين حرية التعبير السياسية والتزامات الخدمة العسكرية يضع مسألة رفض الأوامر غير القانونية في مركز جدل قانوني وأخلاقي معقد؛ والقضية الآن تخضع لتحقيق عسكري قد يحدد حدود المسؤولية القانونية لشخصٍ تقاعد بعد خدمة طويلة وحافلة. في منشور منفصل، أضاف ترامب أن ما حدث كان «سلوكًا تحريضيًا يستوجب الإعدام».
لكن بعد يومٍ واحدٍ من تلك التصريحات، قال ترامب لقناة فوكس نيوز إنه لم يكن يهدد بالموت، وإن الديمقراطيين «في ورطة خطيرة».
عندما سُئِلت فاين عن مدى ما يمكن لإدارة ترامب أن تفعله عمليًا ضد كيلي، أجابت أنه بإمكانهم «مضايقة كيلي عبر تحقيق ملفّق أو توجيه تهم زائفة».
لماذا تركز إدارة ترامب على هذا؟
الغضب من الفيديو يأتي في وقتٍ تنفذ فيه القوات العسكرية الأمريكية ضربات ضد سفنٍ زعمت الإدارة أنها تُقلّ مخدرات. وقد أسفرت هذه الضربات عن مقتل ما لا يقل عن ثلاثة وثمانين شخصًا في المحيط الهادئ والبحر الكاريبي.
وفي نهاية تشرين الأول/أكتوبر، طالب الديمقراطيون في اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ وزارة العدل بتسليم جميع الآراء القانونية المتعلقة بمشروعية تلك الضربات. وكتبوا في رسالةٍ إلى المدعية العامة بام بوندي — اطلعت عليها وكالة رويترز — أن «إعدام المشتبه بارتكابهم جرائم بشكل موجز محظور بمقتضى القانونين الوطني والدولي في زمن السلم والحرب».
إلا أن مذكرة صادرة عن وزارة العدل قبل أسبوعين أفادت بأن أفراد القوات المسلحة لا يمكن محاكمتهم على جرائم القتل المرتبطة بتلك الضربات. ونقلت منصة The Hill، نقلاً عن متحدث باسم الوزارة، قولها إن «الضربات نُفذت بما يتوافق مع أحكام قوانين النزاع المسلح، وبذلك فهي أوامر قانونية. والمنتسبون العسكريون ملزمون قانونًا بالامتثال للأوامر القانونية، ومن ثم لا يخضعون للملاحقة لاتباعهم أوامر قانونية».