الهند تحقق هدف مزج 20% إيثانول مع البنزين قبل موعده وتعلن توفيراً كبيراً في الانبعاثات والعملات الصعبة
تقول الحكومة الهندية إن سياسة مزج الإيثانول أدت إلى خفض 69.8 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون منذ عام 2014، كما ساهمت في توفير 1.36 تريليون روبية من العملة الصعبة. ويُنظر إلى هذه الخطوة رسمياً على أنها تحول جذري في الحد من الانبعاثات وتقليل واردات النفط.
تقول دراسات وطنية، منها تحليل لمجلس الطاقة والبيئة والمياه في دلهي، إن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من النقل البري في الهند مرشّحة للتقارب إلى الضعف تقريباً بحلول 2050، مما يجعل التحول إلى وقود مخلوط بالإيثانول ضرورياً لتقليص الانبعاثات على المدى الطويل، وفق تصريحات خبراء للطاقة الخضراء.
ومع ذلك، ثار قلق بين مالكي المركبات وخبراء السياسات الغذائية حول تأثيرات المزج على كفاءة استهلاك الوقود والأمن الغذائي. فقد أوضح محرر مجلة أوتو كار إنديا أن الإيثانول يمتلك كثافة طاقة أقل من البنزين وهو أكثر تآكلاً، ما يؤدي إلى انخفاض المسافة المقطوعة لكل لتر ويعرّض أجزاءً معينة من المحرك لمخاطر أكبر من البلى والتلف. وأضاف أن بعض الشركات المصنعة، مثل هوندا، اعتمدت منذ 2009 مواد متوافقة مع E20، بينما كثير من السيارات القديمة على الطرق الهندية لا تتوافق مع هذا المعيار.
لا توجد حتى الآن بيانات رسمية شاملة عن أثر وقود E20 على المحركات، لكن المستهلكين يشاركون بانتظام قصصاً وتجارب على مواقع التواصل الاجتماعي عن تدهور استهلاك الوقود بعد استعمال المزج. كما أن كثيراً من بوليصات التأمين القياسية في الهند لا تغطي الأضرار الناجمة عن استخدام وقود غير متوافق، بحسب مسؤول في منصة التأمين الإلكترونية بوليسبازار الذي طلب عدم ذكر اسمه. وذكر أن المستهلكين قد يضطرون لشراء ملحقات للتأمين، لكن حتى تلك المطالبات قد تُرفض أو تُخفض استناداً إلى البنود الدقيقة في الوثيقة.
وزارة البترول الفدرالية وصفت هذه المخاوف بأنها “غير مبرّرة إلى حد كبير”. وذكرت في منشور على منصة X أن ضبط أعطال المحرك واستخدام مواد متوافقة مع E20 يمكن أن يحدّ من هبوط الكفاءة، ونصحت باستبدال بعض المكوّنات في السيارات القديمة، مؤكدة أن ذلك إجراء غير مكلف ويمكن القيام به بسهولة خلال خدمات الصيانة الروتينية، ببساطه.
في خطوة لتقليل الأثر على المالكين، تدرس شركات تصنيع سيارات وقطع غيار تقديم مجموعات ترقية لتبديل المكونات الحساسة إلى أخرى متوافقة. على سبيل المثال، من المتوقع أن تعرض ماروتي سوزوكي مجموعة مواد متوافقة مع E20 قد تكلف حتى 6,000 روبية، تشمل استبدال خطوط الوقود والأختام والحشيات. وشجعت شركة باجاج مالكي الدراجات النارية على استخدام منظف وقود بتكلفة تقديرية تقارب 100 روبية للخزان الكامل.
غير أن بعض المستخدمين غير مقتنعين. أحد مالكي سيارات ماروتي في نيودلهي أعرب عن استيائه لعدم توفر خيار بنزين بمزيج أقل من E20 في محطات الوقود، متسائلاً: لماذا يجبرونني على شراء وقود يسفر عن مسافة أقل ثم أنفق مالاً إضافياً لتعديل المواد؟
من جانب آخر، أثارت زيادة الاعتماد على الإيثانول مخاوف لدى باحثي المناخ وخبراء السياسات الغذائية. فالإيثانول يُنتَج من محاصيل مثل قصب السكر والذرة، وتوسيع استخدامه يعني تحويل محصول زراعي لاستهلاك الغذاء إلى صناعة الوقود. بحسب تقديرات الحكومة، ستحتاج الهند إلى 10 مليارات لتر من الإيثانول لتلبية متطلبات E20 في 2025، وفق تقديرات مراكز بحثية، وستتضاعف الحاجة إلى نحو 20 مليار لتر بحلول 2050. حالياً يُنتج من قصب السكر حوالي 40% من إيثانول الهند، وهو محصول ذو عائد عالٍ لكنه يستهلك كميات كبيرة من المياه.
أدى هذا التحول جزئياً إلى أن تصبح الهند في 2024 مستورداً صافياً للذرة لأول مرة منذ عقود، بعدما استُخدمت كميات كبيرة من المحصول لصناعة الإيثانول. وأشار باحثون إلى أن تحويل المحاصيل أثر بشدة على قطاع الدواجن الذي بات يتحمل تكاليف أعلى لشراء الذرة كعلف. كما صادقت مؤسسة الغذاء الهندية على تخصيص غير مسبوق قدره 5.2 مليون طن من الأرز لإنتاج الإيثانول هذا العام، على الرغم من أن هذه المخزونات مخصّصة لتوزيع الحصص المدعومة للفقراء.
وحذر خبراء زراعيون من أن السياسة قد تؤدي إلى “كارثة زراعية خلال بضعة أعوام”، مشيرين إلى أن استخدام الغذاء لتغذية السيارات يمثل مشكلة أخلاقية وواقعية في بلد يعاني من شرائح واسعة من الجوع. ولتحقيق هدف توازن إمدادات الإيثانول بنسبة 50-50 بين الذرة وقصب السكر، قد تضطر الهند إلى إضافة نحو ثمانية ملايين هكتار لمزارع الذرة بحلول 2030، ما لم يحدث تحسّن جذري في غلة المحصول.
تؤكد الباحثات أن استبدال زراعة الأرز أو القمح بالذرة قد يكون ممكناً إذا تحوّل الفائض من هذه الحبوب، لكن ذلك لا يغني عن الحاجة لزراعة محاصيل أخرى مثل الزيوت والبقول لضمان توازن سلة الغذاء. ورأت بعض الأصوات أن الاستمرار في مزيج E10 كان خياراً أكثر حكمة على المدى المتوسط.
على الرغم من هذه الانتقادات، أعلنت الهند نيتها التدرج إلى نسب أعلى من المزج مستقبلاً، مع خطط للارتقاء تدريجياً إلى E25 ثم E27 وE30 في مراحل مدروسة، وفق تصريحات وزير البترول هارديب بوري.
في الختام، تبدو مبادرة مزج الإيثانول محورية في استراتيجية الهند للحد من الانبعاثات وتقليل الواردات النفطية، لكنها تثير توازنات دقيقة بين المنافع البيئية والتكاليف الاقتصادية والصحية والاجتماعية الناتجة عن تحويل المحاصيل الغذائية إلى وقود.