خطة سلام روسية–أوكرانية: ما الصيغة الأحدث بعد محادثات واشنطن–كييف؟ — أخبار القرم

يرسل الرئيس الأميركي دونالد ترامب المبعوث الخاص ستيف ويتكوف إلى موسكو الأسبوع المقبل، فيما من المتوقع أن يلتقي وزير الجيش دانييل دريسكول بمسؤولين أوكرانيين خلال الأيام المقبلة، في سياق تكثيف واشنطن جهودها الدبلوماسية لوضع حد للنزاع الذي يكاد يقترب من عامه الرابع.

خُضِعَت خطة ترامب الأولية المكوّنة من 28 نقطة لتعديلات بعد أن اعتبرها قادة أوروبيون بمثابة استسلام لمطالب موسكو، التي كانت تتضمن إبقاء الأراضي الأوكرانية المحتلّة تحت سيطرة روسيا.

على متن «اير فورس ون» قال ترامب للصحفيين إن «الأمور تتقدم» إزاء خطة سلام محدثة يبدو أنها منحت أوكرانيا بعض مطاليبها، مضيفًا أن كييف «سعيدة» بذلك.

تسربت تفاصيل خطة السلام الجدلية المكونة من 28 نقطة الأسبوع الماضي بعدما سربها مسؤول أوكراني لوسائل الإعلام الدولية؛ وقد وُضعت الخطة بمشاركة محدودة من الجانب الأوكراني. واقترحت الخطة تنازلات كبيرة، من بينها التنازل الكامل عن منطقة دونباس الشرقية، تقليص القدرات العسكرية لأوكرانيا، والتخلي التام عن أي خطط للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. قابلت الخطة رفضًا قويًا في أوكرانيا والاتحاد الأوروبي، حيث رأى المعارضون أنها تكافئ موسكو على غزو جارها الأصغر.

في الوقت نفسه، أثار تسريب تسجيل صوتي يُظهر ويتكوف وهو يقدّم نصائح لدبلوماسي روسي حول كيفية تسويق اتفاق ما اضطرابات وانتقادات واسعة في أوروبا.

تتكشّف الآن تفاصيل خطة سلام مُعاد صياغتها من 19 نقطة. فيما يلي ما نعرفه من تغيرات ممكنة استنادًا إلى تصريحات مسؤولين أميركيين وأوكرانيين:

المبعوث الخاص ستيف ويتكوف، وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، وزير الجيش دانييل دريسكول، وممثلون أميركيون آخرون ظهروا مع رئيس مكتب رئاسة أوكرانيا أندري يرماك وأعضاء الوفد الأوكراني قبل محادثات مغلقة لإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا في بعثة الولايات المتحدة في جنيف، 23 نوفمبر 2025.

ما كانت عليه الخطة الأولى؟
الخطة المقترحة ذات الـ28 نقطة نُشرت بعد أن سربها مسؤول أوكراني لوسائل الإعلام. أفادت تقارير أميركية أنها أُعدّت بواسطة جاريد كوشنر—صهر ترامب ومستشاره—وبمساعدة ويتكوف، بعد أن التقيا سابقًا بالدبلوماسي الروسي البارز كيريل ديميترييف والمستشار الأمني الأوكراني رستيم عمرُوف، ثم طُرحت على ترامب للموافقة النهائية.

ومن بين بنود الخطة: إقامة مناطق لخفض التصعيد ومناطق عازلة، ضمانات أمنية تقدمها الولايات المتحدة مقابل تكاليف تتحمّلها أوكرانيا، وتعهد روسي بعدم شن أي عدوان إضافي ضد أوكرانيا وجيرانها.

كما اقترحت أن تُقنن موسكو سياسة عدم اعتداء تجاه أوروبا، وأن يتم تبادل المدنيين وأسرى الحرب بين الطرفين، ومنح عفو للأطراف المتحاربة، ووقف محاولات موسكو عرقلة استخدام نهر دنيبرو لنقل الحبوب إلى البحر الأسود.

ومع ذلك، كان البند 21 مثار جدل بالغ، إذ اقترح تنازل أجزاء من شرق أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمّتها روسيا، ومنطقتا لوهانسك ودونيتسك اللتان تشكلان دلتا دونباس الخصبة، إضافة إلى منطقتي خيرسون وزابوريجيا، لصالح روسيا. كما قيّدت الخطة عدد القوات الأوكرانية إلى 600,000 عنصر وطلبت تضمين حظر الانضمام إلى الناتو في دستور كييف.

يقرأ  محكمة كولومبية تصدر حكماً بسجن ١٢ ضابطًا سابقًا — أخبار فارك

ما كان رد الفعل؟
في أوكرانيا، انتقد المواطنون الغاضبون الخطة واعتبروها منحازة لموسكو، فيما سارعت السلطات إلى التواصل مع المفاوضين الأميركيين لطلب تعديلها أو استبدالها.

كما رفضه حلفاء أوكرانيا الأوروبيون الذين وجدوا أنفسهم مُهمّشين إلى حد كبير في محاولة التفاوض؛ وقد أعلن كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا—المعروفون معًا بصيغة E3—خطة سلام بديلة اقترحوا فيها أن تُبقى لأوكرانيا حرية الانضمام إلى الناتو وفق آليات التوافق داخل الحلف، كما اقترح الشركاء الأوروبيون تحديد سقف للقوات الأوكرانية عند 800,000 عنصر.

حذّرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من أن الخطة التي تقودها الولايات المتحدة قد تترك أوكرانيا أكثر عرضة للعدوان الروسي، وقالت على هامش قمة مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا إن الاتحاد الأوروبي لن يدعم تنازلات إقليمية قسرية ولن يقبل اتفاقًا لا يعبّر عن «محورية الاتحاد الأوروبي» في ضمان سلام كييف — مع أن الخطة نفسها تمنع انضمام أوكرانيا إلى الناتو فقط ولا تمنعها من الاتحاد الأوروبي.

«أي خطة سلام جديرة بالثقة ومستدامة يجب أن توقف القتل وتُنهي الحرب أولًا، من دون أن تزرع بذور نزاع مستقبلي»، قالت رئيسة المفوضية.

وأعادت فون دير لاين التأكيد أمام البرلمان الأوروبي بأن أي اتفاق سلام يجب أن يضمن الأمن الأوروبي من دون فتح الباب أمام «تقسيم» دول أو تغيير الحدود «بالقوة».

رفضت أوكرانيا منذ زمن طويل المطالب الروسية المتكررة بخصوص أراضيها، معتبرة أن مثل هذه التنازلات غير دستورية وتستلزم إجراء استفتاء. ومع استمرار البلد المكلوم بتحمّل خسائر بشرية ومادية فادحة بسبب القصف الروسي، يرفض كثير من الأوكرانيين فكرة ما يشبه الاستسلام بعد أربع سنوات من الحرب المدمّرة.

مبنى سكني يحترق بعد هجوم روسي على زابوريجيا، الأربعاء 26 نوفمبر 2025.

ما هي المقترحات الجديدة؟
ظهرت هذا الأسبوع مسودة لخطة سلام جديدة من 19 نقطة بعد يومين من المحادثات بين مسؤولين أميركيين وأوكرانيين في جنيف اختتمت يوم الأحد. قاد الوفد الأوكراني مدير مكتب الرئيس فولوديمير زيلينسكي أندري يرماك والدبلوماسي رستيم عمرُوف، فيما ضم الوفد الأميركي وزير الخارجية ماركو روبيو، ودريسكول، وكوشنر، وويتكوف.

قال مكتب رئاسة أوكرانيا في بيان إنه لم يكشف عن تفاصيل، وإن المحادثات كانت «بناءة» وأن القرارات النهائية بشأن الصيغة المعدّلة ستُتخذ من قبل رئيسي البلدين.

يقرأ  بعد عامين على السابع من أكتوبر: هل بات الجيش الإسرائيلي أكثر استعدادًا لصد غزو آخر؟

اعلن سيرهي كيسليتسيا، النائب الأول لوزير الخارجية الأوكراني الذي شارك في محادثات جنيف، لصحيفة فايننشال تايمز أن الاجتماع كان «مكثفًا» وكاد أن ينهار قبل أن يبدأ، لكن المسودة الناتجة تركت انطباعًا «إيجابيًا» لدى الجانبين، مع إبقاء أكثر القضايا حساسية — المسائل الإقليمية ومستقبل أوكرانيا في الناتو — لقرار ترامب وزيلينسكي.

«طورنا مجموعة متينة من نقاط الالتقاء وقضايا قليلة يمكننا التوصل فيها إلى تسوية»، قال كيسليتسيا. قال إن «قليلًا جدًا مما في النسخة الأصلية بقي على حاله».

أشار المسؤول إلى أن الولايات المتحدة بدت مستعدة لإزالة الحد الأقصى لعدد أفراد الجيش الأوكراني عند 600,000 عنونًا، موضحًا أن «العدد الذي ورد في النسخة المسربة — أياً كان من كتبها — لم يعد مطروحًا على الطاولة»، حسبما قال كيسليتسيا لصحيفة فاينانشال تايمز.

وأضاف أن بنودًا كانت تقضي بمنح عفو شامل عن جرائم حرب محتملة أعيدت صياغتها لتأخذ في الاعتبار «مظالم من تكبدوا معاناة بسبب الحرب».

من جهة أخرى، قال مسؤول بالبيت الأبيض لم يُكشف عن اسمه إن تغييرات أُدخلت أيضًا على القيود التي حملها اتفاق سلام سابق بشأن تمركز قوات الناتو في اوكرانيا، بحسب نيويورك تايمز. وقد زعمت روسيا سابقًا — بلا دلائل — أن قوات ناتو تقاتل في أوكرانيا.

ماذا قد تريد روسيا؟
شدد كيسليتسيا للفاينانشال تايمز على مدى استعداد الوفد الأمريكي للاستماع إلى الموقف الأوكراني ومراجعة جميع القضايا نقطة بنقطة. ومع ذلك، وبغياب روسيا عن طاولة المفاوضات، لا توجد ضمانات بأن الرئيس فلاديمير بوتن سيقبل بالاتفاق.

وقال ماركو روبيو في محادثات جنيف يوم الأحد: «من الواضح أن للروس كلمة هنا أيضًا»، معترفًا بصعوبة الحصول على موافقة موسكو.

تبقى نقاط خلافية محتملة تتعلق بالتنازل عن الأراضي. فقد أعلنت روسيا، بعد غزوها لأوكرانيا، ضمها من جانب واحد محافظات دونيتسك وخيرسون ولوهانسك وزابوروجيا الغنية بالموارد الزراعية والمعدنية، وظلت تسيطر على أجزاء كبيرة من تلك الأراضي منذ ذلك الحين. أما في 2014 فقد ضمت روسيا شبه جزيرة القرم بالقوة.

سعى بوتن لتحقيق أهداف أقصى طوال الحرب وتمسك بمطالبه منذ 2022، بما في ذلك المطالبة بالسيطرة الكاملة على المناطق الخمس. ولم يطرأ تغيير يذكر على موقف الكرملين رغم محاولات التفاوض التي قادها ترامب، الذي استضاف بوتن في قمة بألاسكا لم تسفر عن اتفاقات في أغسطس الماضي.

كما يظل موضوع عضوية أوكرانيا في الناتو قضية تعترضها موسكو بشدة.

فيما يخص رفع سقف أعداد الجيش الأوكراني، لم يتضح بعد ما إذا كانت موسكو ستوافق على رقم أعلى. ففي محادثات السلام الأولية عام 2022 اقترحت روسيا ألا يزيد عدد القوات الأوكرانية عن 100,000 جندي، وهو رقم أقل بكثير من الـ600,000 التي وردت في خطة السلام الأمريكية الأولى.

يقرأ  ترامب: أعتقد أن بوتين سيتوصل إلى اتفاق بشأن أوكرانيا— أخبار حرب روسيا وأوكرانيا

ما التالي؟
سيضطر الآن الرئيسان ترامب وزيلينسكي إلى اللقاء لتحديد الجوانب النهائية للاتفاق الجديد. كان ترامب قد وضع مهلة أولية يوم الخميس ليوافق أوكرانيا رسميًا على الاتفاق، لكنه أعلن لاحقًا يوم الثلاثاء أنه لم يعد هناك مواعيد نهائية صارمة.

لا يزال موعد اللقاء غير واضح مع استعداد الولايات المتحدة لعطلة عيد الشكر يوم الخميس. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت للصحفيين يوم الثلاثاء إنه «لا توجد خطط في هذه اللحظة» لعقد اجتماع.

وخلال مؤتمر فيديو لما يسمى «ائتلاف الراغبين» — مجموعة من 30 دولة تدعم اوكرانيا — قال الرئيس زيلينسكي يوم الثلاثاء إن كييف جاهزة «للمضي قدمًا» بالإطار الجديد، رغم أنه ما زال يتعين عليه تناول «نقاط حساسة».

ومن المهم أن تحصل واشنطن الآن أيضًا على موافقة موسكو على المسودة المنقحة.

علق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يوم الثلاثاء بأن موسكو لم تطلع على المسودة بعد، وحذر من أنه يجب أن تعكس «روح ونص» محادثات ترامب وبوتن في ألاسكا، مضيفًا أنه إذا شُطِبت بنود رئيسية «فسيكون الموقف مختلفًا جذريًا بالنسبة لروسيا». وفي تلك المحادثات جدد بوتن مطالب روسيا المعلنة.

كتب ترامب في منشور على شبكته الاجتماعية “تراث” أنه يتطلع لتحقيق السلام. وأضاف أنه «في أمل إتمام خطة السلام هذه، وجهت مبعوثي الخاص ستيف ويتكوف للقاء الرئيس بوتن في موسكو، وفي الوقت نفسه سيلتقي وزير الجيش دان دريسكول مع الأوكرانيين».

وعبّر ترامب عن أمله في اللقاء قريبًا مع زيلينسكي وبوتن، «لكن فقط عندما يكون الاتفاق على إنهاء هذه الحرب نهائيًا أو في مراحله الأخيرة».

إلى ذلك، التقى وزير الجيش الأمريكي دريسكول مع مسؤولين روس في أبوظبي يوم الثلاثاء في محاولة ظاهرة لنقل الاتفاق الجديد إلى موسكو قبل زيارة ويتكوف الأسبوع المقبل. ولم يُعلَن ما نوقش بالتفصيل، لكن متحدثًا باسم دريسكول أخبر الصحفيين أن «المحادثات تسير على نحو جيد، ونحن متفائلون».

من جانبه قال يوري أوشاكوف مساعد الكرملين إن خطة السلام لم تُبحث في اللقاءات مع المسؤولين الأمريكيين في أبوظبي.

من موسكو، أفادت يوليا شابوفالوفا مراسلة الجزيرة بوجود قدر كبير من «عدم اليقين» داخل الكرملين في الوقت الراهن، وأن الجانب الروسي غير راضٍ عن التعديلات التي أُدخلت على خطة السلام لما تلمحه من تنازلات تجاه روسيا.

أضف تعليق