يحُثّ وزير النقل الأمريكي شون دافي المسافرين الجويين على الاهتمام بالمظهر والسلوك المدني، في محاولةٍ تصطدم بمشاعر العامة في وقتٍ يرى فيه كثيرون أن تجربة السفر بالطائرة أصبحت أكثر إحباطاً من أي وقت مضى.
قبل موسم عيد الشكر المتوقع أن يكون الأشد ازدحاماً خلال خمسة عشر عاماً، أطلق دافي الأسبوع الماضي حملة تحت عنوان «عصر السفر الذهبي يبدأ بك»، مستحضِراً صور خمسينيات وستينيات القرن الماضي للدعوة إلى العودة إلى اللياقة والذوق في المطارات وعلى متن الطائرات.
غير أن قلة أعداد مراقبي الحركة الجوية وتكرار تأخُّر الرحلات دفعا مستخدمي وسائل التواصل وخبراء الطيران للقول إن الرسالة تفوّت جوهر المشكلة. يحتوي إعلان مرئي للحملة على تضادٍ صارخ: لقطات قديمة لموظفين مبتسمين وركابٍ منظمين مقابل مقاطع حديثة يلتقطها الجمهور لخصومات ومشادات على الطائرات، وركوع الأقدام على المقاعد وسلوكيات مخلّة أخرى.
يقول دافي في الإعلان: «الآداب لا تتوقف عند بوابة الصعود. الأمور ليست كما كانت. دعونا نُعيد اللياقة والاحترام. اسأل نفسك: هل تساعد امرأة حامل على وضع حقيبتها في الحجرة العلوية؟ هل تلبس بما يليق؟»
تتوقّع إدارة الطيران الفيدرالية أن يكون هذا الأسبوع الأكثر ازدحاماً لمسافري عيد الشكر منذ 15 عاماً — مع أكثر من 52,000 رحلةً في 25 نوفمبر وحده — مما يعكس ضغط حركة جوية مكثفة على البنية التحتية. ومع ذلك، يقول خبراء الصناعة إن دعوة دافي إلى تحسين المظهر لن تُغير كثيراً من أجواء السفر.
سكوت كيز، خبير الرحلات ومؤسس موقع عروض الرحلات Going.com، قال للـBBC إن فكرة مطالبة الناس «بأن يكونوا ألطف» جذابة على الورق لكنها عديمة الفاعلية عملياً، مضيفاً إنه «قد تسأل الحائط أن يبدأ بطباعة النقود» لتوضيح سخرية القول. وأكد أن قلة قليلة من الناس يصلون إلى المطار بنية إثارة الشجار، لكن حين يبلغ الغضب حدَّ الانفجار ويتحوّل إلى مشاجرة مع مضيف أو راكب آخر، فإن كلمات دافي لن تكون ذات أثر في تهدئة النفوس.
يرى كيز أن المشكلة الأعمق تكمن في تفشّي فقدان ضبط النفس والغضب العام في المجتمع، وهي ظاهرة ليست محصورة بالمناخات الجوية أو بالولايات المتحدة وحدها.
منذ أن بدأ الوزير بنشر رسائل عن الحملة على منصة X، امتلأت تعليقات منشوراته بآلاف الردود المنتقدة. كتب أحد المستخدمين: «إذا أردتم منا أن نكون محترمين في المطار فاكفوا عن معاملتنا كقطع ماشية. ألغوا فحوص الـTSA المهينة والتي لا تُنجز شيئاً، واضبطوا مسافات المقاعد بدل أن تعطونا بضع إنشات فقط.» وعلق مستخدم آخر: «شغّلوا الطائرات في مواعيدها ثم سنتأنق لنقضي الليلة في المطار.» كما تساءل آخر ببساطة: «أيمكنني استعادة مساحة ساقي؟»
وأشار مستخدم يمتلك ما يقرب من نصف مليون متابع إلى أن دافي محقّ إلى حدٍّ ما، لكن تدهور ملبس المسافرين انعكاسٌ لكيفية معاملة شركات الطيران لهم: «الصعود في طوابير كأننا ماشية، مقاعد ضيقة جداً، وكل مشروب بثمنه، وبصراحة تجربة بائسة».
ويشدّد هنري هارتفيلدت، محلل صناعة السفر ورئيس مجموعة Atmosphere Research، على أن اللباس وحده لا يصنع الفارق الأخلاقي: «يمكن أن تكون ببدلة رسمية وتتصرف بوقاحة، وبالمقابل قد يرتدي آخر سروال رياضي ويكون ألطف الناس. الملابس لا تصنع الشخصية بالضرورة.»
وأشار عدد من المعلّقين إلى أن سبب ارتدائهم ملابسٍ مريحة هو تزايد ضيق مقصورات الطائرات وتوقُّع تأخيرات طويلة، وهو ما يفرض عملياً ارتداء ما يتيح البقاء لساعات ممتدة في الظروف نفسها. وردّ أحدهم: «أعدوا الطائرات للعمل في مواعيدها، وسنسترد أناقة لباسنا.» آخر اختصر المطالب بسؤال واحد موجع: «أيمكنني استعادة مساحة ساقي؟»
يتفق هارتفيلدت ومعهم على أن على شركات الطيران جزءاً من المسؤولية؛ إذ إن جعل “مقصورات الدرجة الاقتصادية غير مريحة جسدياً وبائسة” يهيّئ الركاب لمزاج سيئ قبل أن يبدأوا رحلتهم. ومع نقص طواقم المضيفين، وتقلّص الخدمات على متن الطائرة، واعتماد نموذج “ادفع مقابل ما تريد”، يصبح من الصعب توقع ابتسامات عند انحدار الركاب على جسر الصعود إلى الطائرة.
رغم ذلك، أشاد بعض المعلّقين برسالة الوزير الجوهرية عن الاحترام واللطف؛ فكتب أحدهم: «سأقوم بدوري الصغير لنشر اللياقة في حياتي اليومية.»
تقول وزارة النقل إن هدف الحملة لا يقتصر على استعادة كلمات مؤدبة مثل “من فضلك” و”شكراً” فحسب، بل يمتد إلى الحد من الحوادث العنيفة والمخلّة بالنظام على الطائرات وفي المطارات. وتذكر الوكالة أنه منذ 2019 شهدت حالات التفلت على متن الرحلات ارتفاعاً بنحو 400%، وأنه منذ 2021 سجّلت الوزارة 13,800 حادثة تصرف غير منضبط، وأن واحداً من كل خمسة مضيفين تعرض لحادث جسدي بحسب ما ورد في تقاريرها.
غير أن بعض الخبراء يعارضون الفكرة القائلة بأن جودة السفر الجوي تراجعت بشكل ملموس. دان باب، مؤرخ الطيران وأستاذ في جامعة نيفادا، قال للـBBC إن الارتفاع العددي في حالات الوقاحة لا يبدو ذا أهمية إحصائياً عندما نأخذ في الحسبان الزيادة الكبيرة في عدد الرحلات والمسافرين مقارنة بالعقود السابقة، مما يصعّب إجراء مقارنة مباشرة.
كما أشار كيز إلى أن السفر الجوي في حقب سابقة كان يرافقه مشكلات جسيمة اختفت اليوم: كان الطيران أقل أماناً مع حالات تحطم وعمليات اختطاف أكثر، والتذاكر كانت أغلى بكثير نسبةً إلى الدخل، والحوامات كانت مليئة بالدخان، والمضيفات يتعرضن لتمييز جنسي ومتطلبات جسدية صارمة.
يرى كيز أن إدارة الطيران ووزارة النقل بإمكانهما أن يخففا من توتر المسافرين أكثر فعلياً عبر الضغط على شركات الطيران لتقليل التأخيرات والإلغاءات. ويقترح باب أيضاً سلسلة حلول عملية: إتاحة مساحة جسدية أكبر للمسافرين من حيث حجم المقعد ومساحة الساق، تضمين وجبة ضمن سعر التذكرة، الحد من استهلاك الكحول، تيسير إجراءات الأمن لتقليل إجهاد المسافرين، تسهيل مواقف السيارات في المطارات، وتوسيع مساحات الصعود عند البوابات.
وفي الختام، يظل التشديد على ضرورة تشجيع الركاب على التحلي بالاخلاق والاحترام تجاه طواقم الطائرة وبعضهم البعض كجزء من حلّ أوسع لا يقتصر على الملابس وحدها.