البابا ليو الرابع عشر يشرع في أول رحلة خارجية منذ توليه الكرسي البابوي. على مدى ستة أيّام سيلتقي أولاً تركيا لإحياء ذكرى مسيحية تاريخية، ثم يتوجّه إلى لبنان بعد أيامٍ قليلة على الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت عاصمة البلاد.
كانت الزيارات إلى البلدين مخطّطة أصلاً من قبل البابا الراحل فرانسيس، لكن ثيمة الرحلة — بناء الجسور — صارت منذ لحظة ظهوره على شرفة بازيليك سانت بيتر شعاراً شخصياً للبابا ليو منذ انتخابه في مايو.
في نصف العام الأول من بابويته بدا متأنياً، بل حذراً في مواقفه. ومع ذلك فإن قدراته الدبلوماسية ستكون محط مراقبة ودراسة أثناء هذه الجولة.
أهمّ محطات الزيارة ستكون في بلدة إزنيق التركية، موقع المدينة القديمة نيقية. سيجتمع البابا ليو وزعماء من تقاليد مسيحية مختلفة لإحياء ذكرى مجمعٍ عُقد هناك قبل نحو 1700 عام. في عام 325 م أكد أكثر من مئتين من الأساقفة في ذلك المجمع عقيدة أن يسوع هو ابن الله، وهو ما أفضى فيما بعد إلى صياغة ما عُرف بقول نيقية الاعتقادي.
لقد انقسمت بعد ذلك فروع المسيحية بين الشرق والغرب بشكل دراماتيكي، لكن هذه الزيارة تحمل رسائل تضامن ومصادَحة تهدف إلى التئام الشروخ وبناء تفاهم أوسع.
في تركيا سيزور البابا أيضاً الجامع الأزرق، على خطى سلفيه المباشرين، البابا فرانسيس والبابا بنديكتوس السادس عشر. وسيعقد لقاءات مع زعماء دينيين آخرين في لفتة للحوار بين الأديان قبل أن يتوجّه إلى المحطّة الثانية من الرحلة.
أكد الفاتيكان أن برامج زيارة لبنان لم تتغير على الرغم من الضربات الجوية الإسرائيلية التي طالت بيرووتt في وقت سابق من الأسبوع.
سيلتقي البابا مزيداً من قيادات الأديان ويستمع إلى أصوات الشباب في لبنان، ما يمنح دفعة لجزءٍ كبير من المجتمع اللبناني يقدّر بنحو الثلث وهم من المسيحيين.
في اليوم الختامي سيحتفل البابا ليو بالقداس على الواجهة البحرية في بيروت عند موقع انفجار مرفأ 2020، راجياً على أرواح أكثر من 200 قتيل وعلى جرحى يقارب عددهم سبعة آلاف.
خلال الأشهر الماضية، وعلى رغم أنه تطرّق إلى قضايا تهمه شخصياً مثل كرامة المهاجرين، لم يكن البابا بنفس الصراحة السياسية التي اتصف بها سلفه أحياناً.
سار على هذا الخط الدقيق بحيث وجد التقدميون والمحافظون داخل الكنيسة الكاثوليكية أنفسهم في مناسبات متعددة يرون أنه يميل إلى مواقف تدعم مدارس فكرية متباينة.
ولهذا السبب أيضاً اعتُقد أن الكرادلة من ميول مختلفة تراصّوا حوله أثناء المجمع الانتخابي.
كان البابا فرانسيس يُنظر إليه كرؤيوي لم يمانع في كثير من الأحيان كسر الإجماع، ما ترك خلفه كنيسة مشتتة إلى حد ما. أما البابا ليو فاتباع حتى الآن نهجاً مختلفاً، محافظاً على بعض المبادئ التقدمية لسابقه بينما يستمع بعناية لآراء التقليديين.
دعا مراراً إلى إنهاء الحروب، لكن بنبرة تختلف عن نبرة فرانسيس الذي كان يتواصل يومياً مع كنيسة العائلة المقدسة في غزة ليعبر عن تضامنه.
في لقاءاته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومع قيادات مدنية لبنانية قد يعبّر البابا ليو عن رؤيته للأوضاع والصراعات في المنطقة.
من المعتاد أن يعقد البابا مؤتمراً صحفياً على متن رحلة العودة إلى روما مع الصحفيين المرافقين، وقد نسمع خلاصة انطباعاته في نهاية هذه الجولة.
ما سيلاحَظ أيضاً في هذه الزيارة هو نبرة البابا التي تحمل لكنة شيكاغووية في بعض خطاباته.
على الرغم من إتقانه لعدة لغات، فقد استعمل البابا ليو الإيطالية في معظم خطاباته العلنية حتى الآن، لكن الفاتيكان أكد أنه سيتحدّث الإنكليزية خلال المحطة التركية، مع بعض العبارات بالفرنسية أثناء وجوده في لبنان.