إسرائيل باتت الآن في قلب الصراع داخل الحزب الجمهوري — دونالد ترامب

عندما تخلّى دونالد ترامب عن تأييده لمارجوري تايلور غرين، النائبة الجمهورية المتطرّفة من جورجيا التي برزت كواحدة من أكثر حلفائه ولاء، في الخامس عشر من نوفمبر، اعتبر كثيرون ذلك مجرد عرض مسرحي سياسي آخر. لكن تلك اللحظة تعكس أمراً أعمق بكثير من شجار شخصي؛ إنها تكشف عن حرب أهلية متعمّقة داخل الحزب الجمهوري حول من سيرث قيادة الحركة المحافظة بعد ترامب، وما المقصود فعلاً بشعار «أمريكا أولاً».

الصراع بعد ترامب: MAGA مقابل «أمريكا أولاً»
مسيرة مارجوري تايلور غرين تعكس مسار الحركة التي ساهمت في بنائها. صعدت إلى الواجهة كواحدة من أشد داعمي ترامب، رمزٌ لشعبوية MAGA وغضب من النخبة. لكن مع نضوج الحركة أعادت بناء صورتها لتتخذ من «أمريكا أولاً» منصّة لترسيخ موقعها خارج ظلّ شخصية ترامب. انفصالها عن ترامب ليس مجرد تنافس سياسي؛ إنه تجسيد لصراع إيديولوجي عميق بين فصيلين ناشئين: المواليين لترامب داخل MAGA الذين يعتبرون ترامب زعيماً لا غنى عنّه، وبين قوميين من فصيل «أمريكا أولاً» يسعون للاستفادة من الإرث الشعبوي لترامب لكن باتّباع سياسة خارجية أكثر استقلالية وعدم تدخل.

جناح MAGA، المدفوع بالقومية المسيحية والاستياء الثقافي، لا يزال مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالمؤسسة الموالية لإسرائيل التي هيمنت على السياسة الجمهورية لعقود. قياداته، ومن ضمنهم شخصيات بارزة، يقدّمون دعم إسرائيل ليس فقط كحليف استراتيجي بل كقضية مقدّسة، يمزجون في خطابهم الدين بالجيوسياسة، ويرون بقاء إسرائيل جزءاً محورياً من رؤيتهم للنبوءات المسيحية والحضارة الغربية. أما معسكر «أمريكا أولاً» فيشكو من هذه الفرضيات؛ شخصيات مثل تاكر كارلسون وستيف بانون — ومؤخراً غرين نفسها — تدعو إلى إنهاء دور الولايات المتحدة كشرطي للعالم. هم يرون أن الحروب الأبدية والانخراطات الخارجية استنزفت موارد أمريكا ونقضت مصداقيتها الأخلاقية. بالنسبة إليهم، تؤييد إسرائيل بلا شروط يتعارض مع مبدأ القوميين الأساسي القائل بأن مصلحة أمريكا يجب أن تأتي أولاً. هذا الخلاف يهزّ أسس الحزب الجمهوري؛ لم يعد الجدل بين «الصقور» و«الحمائم» فحسب، بل بين من يعتبرون القوة الأمريكية أداة للهيمنة العالمية ومن ينظرون إليها كعبء يجب التقليل منه.

يقرأ  كيف غيّرت الإبادة في غزة ديناميكية العلاقات الأمريكية–الإسرائيلية؟— دونالد ترامب

إسرائيل كخط التصدّع
على مدى عقود كانت الدعم لإسرائيل القضية التي جمعت الجمهوريين والديمقراطيين، محمية بلوبّي قوي وإجماع عابر للأحزاب. لكنّ الحرب على غزة والغضب الإنساني المتنامي بدآ يقوضان ذلك الإجماع، وبالأخص على اليمين. ينظر تيار «أمريكا أولاً» إلى إسرائيل كمثال آخر على تحالفات واشنطن المكلفة والمنحازة؛ يجادلون بأن إرسال مليارات الدولارات لإسرائيل بينما تنهار البنية التحتية الأمريكية يتناقض مع المنطق الذي دفعهم لمعارضة تمويل أوكرانيا. موقفهم لا ينبع بالضرورة من تعاطف مع الفلسطينيين بقدر ما ينبع من شكّ تجاه ما يسمّون «المؤسسة السياسيات الخارجية» — شبكة من المقاولين الدفاعيين والمراكز البحثية واللوبيات التي تكسب من الحروب الدائمة.

في المقابل، يرى المحافظون المنتمون إلى MAGA أن دعم إسرائيل جزء من هويتهم السياسية. للقادة الإنجيليين والصهاينة المسيحيين تأثير هائل في الأوساط الجمهورية، ويقدّمون دعم إسرائيل كمسألة إيمانية. رسائلهم للمقترعين عاطفية وأخلاقية أكثر منها استراتيجية: الوقوف مع إسرائيل يعني الوقوف مع الله. هذا التصارع الإيديولوجي أصبح علنياً أكثر فأكثر؛ عندما يشكك أشخاص كغرين أو كارلسون في التحالف الأمريكي–الإسرائيلي، يتعرضون لاتهامات من زملائهم المحافظين بالخيانة. وتصريح غرين الأخير بوصف هجوم إسرائيل على غزة بـ«الإبادة الجماعية» — الذي ندّده لوبيّيو الدعم لإسرائيل بوصفه «خيانة للقيم الأمريكية» — يبيّن مدى دخول مثل هذه الانتقادات ذات يوم المستبعدة الآن إلى الخطاب الجمهوري السائد. رسالتهم تجد صدى لدى جيل أصغر وأكثر تشككاً من الناخبين الجمهوريين المتعبين من الحروب العالمية والمساعدات الخارجية. ووفق نتائج مفصّلة من استطلاع بيو في مارس 2025، ارتفعت النظرة السلبية لإسرائيل بين الجمهوريين دون الخمسين من 35% في 2022 إلى 50% في 2025 — تحوّل دراماتيكي بواقع 15 نقطة، ما يمثل تحوّلاً تاريخياً في حزب كان يُعرّف يوماً بولائه غير المشروط للدولة الإسرائيلية.

يقرأ  مجلة جوكستبوزفي زمن الظلام — بشرى سارّةماثيو كيرك في «دي بور»، لوس أنجلوس

نهاية الإجماع الجمهوري بشأن السياسة الخارجية
الحزب الجمهوري لم يعد يقوده العالم الفكري النيوقِيَمْ، الذي سيطر في عهد جورج دبليو بوش. تلك العقيدة، التي برّرت الحروب اللامتناهية باسم الديمقراطية والأمن، فقدت شرعيتها لدى القاعدة المحافظة. صعود ترامب عام 2016 كان أول تمرد كبير ضدها. لكن بينما هاجم ترامب خطابياً «الحروب الأبدية»، بقي مخلصاً شخصياً لإسرائيل وللقاعدة الصهيونية المسيحية، وقراره نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان عزّزا مكانته لدى المحافظين المؤيدين لإسرائيل. وفي الوقت نفسه كانت تلك القرارات تكشف تناقضات قوميته: «أمريكا أولاً» كلامياً، لكنه ظل مرتبطاً بمصالح اللوبيات نفسها عملياً.

الآن، مع تراجع نفوذ ترامب، تبرز تلك التناقضات إلى العلن. شخصيات مثل غرين وبانون ترى نفسها الجيل القادم من القيادة القومية، عازمين على فصل «أمريكا أولاً» عن عبادة الشخصية وقيود الالتزامات العالمية التي ميزت الإدارات الجمهورية السابقة. هذا الصراع يعيد تشكيل هوية الحزب بالفعل؛ معسكر MAGA يتمسّك بجاذبية ترامب والقاعدة الإنجيليّة، بينما يسعى قوميو «أمريكا أولاً» إلى تأصيل الحركة في معارضة التدخّل، حماية اقتصادية، وشكّ في نفوذ إسرائيل في واشنطن. لعقود كان المرشحون الجمهوريون يتبارون في إثبات من الأكثر ولاءً لإسرائيل؛ في عصر ما بعد ترامب قد يتبارون في إثبات من الأقل تبعية لها.

ما يعنيه ذلك للشرق الأوسط
هذا الانقسام الجمهوري بشأن إسرائيل يحمل معه مخاطرة وفرصة للبلدان في الشرق الأوسط. المخاطرة تكمن في عدم التنبؤ: قد تتأرجح الولايات المتحدة بين الانعزالية والعدوانية اعتماداً على من يهيمن على البيت الأبيض. أما الفرصة فتكمن في تزايد أعداد المحافظين الأمريكيين الذين بدأوا يشكّون في المساعدات العسكرية غير المشروطة لإسرائيل. هذه اللحظة توفر نافذة استراتيجية للعرب والمسلمين، سواء داخل المنطقة أو في الشتات، للتواصل مع أصوات جديدة على اليمين الأمريكي. تاريخياً، كان التواصل مع الجمهوريين محصوراً بالدبلوماسية الرسمية أو اللوبيات التي تركز على الأمن والتبادل التجاري. الآن ثمة فرصة لتشكيل الحوار حول القيم والمصالح المشتركة. الانخراط مع حركة «أمريكا أولاً» لا يعني بالضرورة تأييد أجندتها القومية الأوسع؛ بل يعني الاعتراف بأن شريحة من اليمين الأمريكي تتساءل أخيراً عن منطق المساعدات العسكرية والانخراط اللامتناهي في الشرق الأوسط. هذا الشك يمكن أن يتلاقى، ولو مؤقتاً، مع الدعوات للعدالة والسلام في فلسطين. على الدول والمجتمع المدني والمدافعين أن يستغلوا هذه الفرصة للتواصل المباشر مع الأطراف الناشئة، وإبراز كيف أن إنهاء الدعم غير المشروط لإسرائيل سيفيد ليس الفلسطينيين فحسب، بل أيضاً دافعي الضرائب الأمريكيين والاستقرار العالمي. خطاب يركّز على المصالح المشتركة، تقليل الصراعات، إنهاء الحروب التي لا تنتهي، وتعزيز دبلوماسية عادلة قد يجد صدى لدى ناخبين عبر خطوط أيديولوجية مختلفة، كما أنه سيمكن فتح قنوات جديدة للحوار وحتّى تفاهمات على مستوى السياسات.

يقرأ  حكم بالسجن تسعة أيام على رجل اندفع نحو أريانا غراندي في سنغافورة

لحظة استراتيجية للتغيير
الانقسام الجمهوري حول إسرائيل ليس مجرد صراع على السلطة داخل الحزب؛ إنه انعكاس لإعادة تفكير أوسع في الدور العالمي لأمريكا. بينما تنحسر الولايات المتحدة إلى الداخل، بدأت الأساطير التي دعمت سياساتها الخارجية لعقود تنهار. بالنسبة للشرق الأوسط، هذه لحظة تاريخية: الإجماع العابر للأحزاب الذي ناول الحماية لإسرائيل لسنين يضعف، والانشقاقات تظهر أولاً داخل الحزب الجمهوري حيث تعيد القومية والشك في الالتزامات الخارجية ترتيب الأولويات السياسية. إذا تمكن العرب والمسلمون وأنصار الفلسطينيين من فهم هذه التحوّلات والتعامل معها بذكاء، فبإمكانهم الدفع بالسياسة الأمريكية نحو مقاربة أكثر توازناً وعدلاً إزاء المنطقة. الصراع بين MAGA و«أمريكا أولاً» قد يحدّد ليس فقط مستقبل الحزب الجمهوري بل أيضاً مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية. السؤال هو ما إذا كان الشرق الأوسط سيبقى مراقباً سلبياً لهذا التحول — أم سيعمل على استثماره للدفع نحو السلام والعدالة وتقرير المصير في المنطقة.

الملاحظات الختامية
الآراء المعبر عنها في هذا النص هي آراء الكاتب وحده ولا تعكس بالضرورة سياسة التحرير في قناة الجزيرة.

أضف تعليق