تسجيلات صوتية تدين، مطلب من العسكريين لممارسة رقابة مستقلة، وزعيم خارجي قوي يحاول جر الناخبين إلى اليمين — هذه ثلاث فضائح فقط من بين عدة أحداث جعلت انتخابات الرئاسة في هندوراس يوم الأحد واحدة من أكثر الاقتراعات مراقبةً في تاريخ البلاد.
نتائج استطلاعية غامضة
——————————–
جزء كبير من حالة عدم اليقين يرتبط بتقلبات الاستطلاعات. لا يملك أي من المرشحين الخمسة تقدماً حاسماً، لكن هناك ثلاثة مرشحين يُنظر إليهم كمتنافسين مباشرين: ريشي مونكادا مرشحة حزب ليبر التقدمي، سلفادور نصرالله عن الحزب الليبرالي الوسطي ــ ونسري “تيتو” أسفورا عن الحزب الوطني المحافظ. نتائج الاستطلاعات تقفز ذهاباً وإياباً؛ ففي أحد الاستطلاعات حصلت مونكادا على 25% مقابل 31% لأسفورا و40% لنصرالله، بينما أظهر استطلاع آخر تقدماً لمونكادا بنسبة تتجاوز 44%، مع تراجع نصرالله إلى نحو 19.6% وأسفورا إلى 14.8%، واستطلاعات أخرى عرضت تعادلاً واقعياً بين الثلاثة.
التهديدات والاتهامات
——————————–
حتى قبل فتح صناديق الاقتراع، تبادلت الأقطاب الكبرى الاتهامات بالتزوير والتلاعب. الرئيسة المنتهية ولايتها شيومارا كاسترو وصفت الوضع بأنه «مؤامرة إجرامية تستهدف تنفيذ انقلاب انتخابي». من جانبه اتهم أسفورا حزب ليبر الحاكم بممارسة «ضغوط» و«إساءة» ضد موظفي العملية الانتخابية، وهدد بتحريك أنصاره إلى الشارع للدفاع عن الانتخابات والديمقراطية. وفي المقابل، اتهمت مونكادا خلال أحد التجمعات بوجود «شراكات غير مشروعة» بين أحزاب متنافسة لسرقة الأصوات، مؤكدة أنها ستتخذ ما يلزم للدفاع عن حق كل هندوراسي في التصويت.
صراع داخل المجلس الانتخابي
——————————–
أحد أكثر ملفات الفضيحة حدة انفجر أواخر أكتوبر عندما قدم ممثل حزب ليبر تسجيلات صوتية إلى النيابة العامة تزعم احتواءها على محادثة بين زميلته في المجلس الانتخابي الوطني كوزيت لوبيز ومسؤول عسكري مجهول. في التسجيل، تُنسب إلى لوبيز أقوال تشير إلى خطط لتخريب العملية الانتخابية عبر «تحوير صوت الشعب» ودعوة محتملة للمقاطعة، ومع عبارة مفادها أن «الجيش يقف إلى جانبنا». أكد النائب العام جوهيل زلايا أن التسجيل حقيقي وفتح تحقيقاً يُثير الجدل، بينما رفض النائب البرلماني توماس زامبرانو — الظاهر اسمه في التسجيل أيضاً — صحة الصوت، وادّعى أنه «مفبرك تماماً ومُعالج بتقنيات الذكاء الاصطناعي». هو وأسفورا دافعا عن لوبيز ووصفا التحقيق بأنه حملة لتقويض سلطتها.
وكان توتر آخر داخل السلطة الانتخابية ناجماً عن مطالبة قائد القوات المسلحه آنذاك، روosevelt هرنانديز، بالسماح للجيش بإجراء عدٍّ مستقل لنتائج الاقتراع، وهو مطلب اعتُبر تدخلاً سافراً في العملية الانتخابية. رفضت رئيسة المجلس الانتخابي آنا باولا هول من الحزب الليبرالي هذا الطلب، ومنظمات رقابية مثل هيومن رايتس ووتش أكدت أن للجيش «لا سلطة للوصول إلى النتائج أو عدّها أو نقلها أو مراجعتها».
ضغط خارجي وتأثيرات إعلامية
——————————–
زاد من تعقيد المشهد تدخل خارجي علني من الولايات المتحدة، الحليف الاقتصادي والأمني الأكبر لهندوراس. في خطاب عبر منصته، أيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرشح اليمين ووصَف منافسيه بأنهم دمى لنظام نيكولاس مادورو أو أنهم “شبه شيوعيون” يسعون لتفتيت قاعدة التصويت اليمينية؛ تصريحات أشعلت مخاوف إضافية من تدخّل خارجي وتأثير على الرأي العام.
خلاصة
——————————–
في الأيام الأخيرة قبيل الاقتراع بدا المشهد متوتراً وهادئاً في آن واحد: روتين يومي يرافقه قلق متجذّر من احتمال عنف أو انقلاب — خوف بات جزءاً من الذاكرة السياسية للهندوراس منذ ولادة مؤسساتها الديمقراطية قبل نحو أربعين عاماً. يبقى السؤال ما إذا كانت مؤسسات الدولة ستنجح في احتواء التوترات وضمان شفافية النتائج، أم أن الحوادث والاتهامات ستقود إلى تفجير أزمات أكبر في أعقاب الاقتراع، وما إذا كانت التحقيقات الحالية ستكشف عن حقائق أم ستغرق في دوامة الإنجذاب السياسي. «الصديق الحقيقي الوحيد للحرية في هندوراس هو تيتو أسفورا.»
لم يقتصر تصعيد الضغط من واشنطن على دونالد ترامب وحده. النائبة الجمهورية عن فلوريدا ماريا إلفيرا سالازار اتهمت بدورها ريشي مونكادا بأنها في جيب مادورو، واعتبرت أن مرشحة حزب ليبرال-تحرري (LIBRE) ستحرر هندوراس نحو «جحيم اشتراكي».
فالاداريس يرى أن حملة الضغط الأميركية ليست عشوائية، بل نتاج تنسيق مع قوى اليمين في البلاد. وقال إن طلب إرسال ملاحظات برلمانية عن سير الانتخابات «أمر مخيف» ويعكس تداخلاً غير مسبوقاً في شأن السيادة الوطنية.
تلقى المرشح الرئاسي نصري (تيتو) أسفورا دعماً علنياً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
أشباح الماضي
على يسار المشهد السياسي في هندوراس، أعادت موجة الضغوط إحياء ذاكرة الانقلاب العسكري الذي أطاح بزوج الرئيسة كاسترو، مانويل «ميل» زيلايا، عام 2009. ظل شبح ذلك الانقلاب قائماً في الوعي العام: بعد ثلاث سنوات من توليه، اقترح زيلايا استفتاءً للاعاده كتابة الدستور، لكن الرد كان سريعاً وقاسياً. أصدر القضاء مذكرة توقيف سرية، واقتحم الجنود القصر، ونُقل زيلايا قسراً إلى كوستاريكا على متن طائرة احتجاجاً لإرادته.
ارتفعت وتيرة العنف السياسي بعد الانقلاب وتتابعت انتخابات مثيرة للجدل أربعت خلالها حكومات يمينية فازت بالسلطة. وفي منشور على وسائل التواصل في 29 أكتوبر، شبّهت الرئيسة شيومارا كاسترو تلك الاضطرابات بإجراءات الانتخابات الحالية، متهمة «نفس المجموعات التي انتهكت الدستور في انقلاب 2009 وقرصنت الانتخابات في 2013 و2017» بمحاولة مرة أخرى تقويض إرادة الشعب وزرع الفوضى والاستيلاء على السيادة الشعبية.
في مقابلة مع الجزيرة، اتهم إليام ريفيرا، أستاذ الأحياء وناشط في حزب LIBRE، مصالح الأعمال في البلاد بمحاولة إحباط فرص اليسار في إعادة الانتخاب. قال إن اليمين الهندوراسي، الممول من قبل مجموعات النفوذ الاقتصادي، شن حملة إعلامية شرسة ضد مرشحة ليبر، ريشي مونكادا، ما خلق حالة من الغموض والقلق.
وأعرب ناشط آخر، غويدو إيجوغوير، عن مخاوفه من تكرار سيناريو 2017 عندما شهدت منظومة الاقتراع «انقطاعاً» أُخفيت خلاله النتائج اللحظية. وأضاف أن الاتهامات بالفساد أزمة منهجية وعميقة لا يکفيها اقتراع يوم الأحد لحلها تماماً. «الاحتيال والانقلابات كانت جزءاً من تاريخنا»، قال ذلك باختصار.
من ناحيتها، أعلنت منظمة الدول الأميركية، المكونة من 33 دولة، أنها سترسل 100 مراقب انتخابي إلى هندوراس لمتابعة عملية الاقتراع، داعية مسؤولي الانتخابات إلى أداء واجبهم «وفق القانون، ومن دون تدخل أو ضغط لا مبرر له من أي فاعل سياسي».