من ترومان إلى ترامب دروس في التواضع الإحصائي لتطبيقات الرياضيات

نظرة عامة:
معلّم يستخدم أمثلة سياسية تاريخية ومعاصرة ليعلّم الطلاب كيف يقيمون البيانات نقدياً، يتعرّفون على التحيّز، يميّزون بين الارتباط والسببية، ويبنون حججاً أقوى قائمة على الأدلة لتعزيز الثقافة الإحصائية والنقاش المسؤول.

أطلقت دورة أدرّسها اسم «تطبيقات الرياضيات». صُمِّمت هذه المادة لطلاب أكملوا متطلبات الرياضيات لكنهم لا يرغبون في متابعة مادة ما قبل التفاضل والتكامل أو ما بعدها. قبل أن أقدّم مبادئ الإحصاء الوصفي أُعرِض على الطلاب الصورة الشهيرة لترومان وهو يرفع صحيفة بعنوان «ديوي يهزم ترومان».

أشرح باختصار تاريخ العنوان الخاطئ الذي نشرته صحيفة شيكاغو تريبيون في الثالث من ديسمبر 1948، وأطلب من الطلاب أن يطرحوا أكبر عدد ممكن من الأسباب التي قد تقود الصحيفة إلى هذا الاستنتاج.

يتنبّأ الطلاب بعدّة أسباب صحيحة إلى حدّ كبير: استنتاجهم أن إدارة الصحيفة كانت متحيزة ضد ترومان، وأن التحيّز السياسي أثر في موقفهم؛ كما استنتجوا أن الصحيفة اعتمدت على بيانات استطلاعية تلائم تحيّزاتها المسبقة.

ما لم يكن يعرفه الطلاب—وليس قصداً في ذلك—هو سبب خطأ بيانات الاستطلاع: تصميم عينات سيئ، بما في ذلك الإفراط في تمثيل أصحاب الهواتف في زمن لم تكن فيه الهواتف منتشرة على نطاق واسع، أدى إلى ثقة مفرطة وتوقّعات غير صحيحة.

ضحك الطلاب من غطرسة الصحافة واعتقادهم أنها أغفلت شريحة واسعة من السكان. أحدهم قال لي بعد الشرح: «حسناً فعلوا»، وعندما سألتهم إن كان يمكن أن يتكرر ذلك اليوم أجابوا بثقة أن امتلاكنا للهواتف الذكية ومعرفتنا التكنولوجية يمنع تكرار مثل هذا الخطأ.

ثم أُشركهم في مناقشة بيانات استطلاعات انتخابات 2016. ربط الطلاب سريعاً بين الغطرسة الإعلامية في العصرين وبين نفس المشكلة الأساسية: عينات ضعيفة التصميم لا تعكس التوزيع الحقيقي للسكان.

يقرأ  كوريا الشمالية تندد بالمناورات المشتركة «الخطيرة» لواشنطن واليابان وكوريا الجنوبية

تخرج المجموعات من تلك المناقشات بشعور من التواضع. يدركون أننا رغم تقدّمنا التكنولوجي ما نزال عرضةً للتفكير المموّل (motivated reasoning).

بهدف حماية أنفسنا من تحيّزاتنا وتحيّزات الإعلام أعلم الطلاب عدداً من المفاهيم الجوهرية:
– مفهوم الارتباط والتمييز بين الارتباط والسببية.
– تسلسل مستويات الأدلة؛ فالمعطيات الحدسية والقصص الشخصية، والدراسات المصممة بعناية، والتجارب المحكمة والتحليلات الشمولية لعدة دراسات، كل منها يعطي مستوى مختلفاً من الاطمئنان ويحتاج إلى سياق مناسب.
– حجم العينة وأهمية أن تمثّل العينة المجتمع الحقيقي الذي نودّ تعميم النتائج عليه.

كلما ظهر خبر رئيسي ذا صدى عاطفي أسأل: «هل أستطيع أن أستخدم هذه القصة للتدريس؟» قصة علاقة التايلينول بالتوحّد التي أطلقها ترامب مثلاً تقدم فرصة مناسبة. حين ألمح ترامب إلى رابط سببي بين التايلينول والتوحد كان يقدم ادعاءً قابلاً للتقييم إحصائياً.

وعندما أستخدم السياسة كمناسبة تعليمية أتوخّى الحذر: أحرص على ألا أُبعد الطلاب أو أثبط مشاركتهم بسبب خوفهم من عدم موافقتي السياسية. لا أريد أن تظهر ميولي الشخصية؛ يجب أن يكون من حق الطلاب أن يصلوا إلى استنتاجاتهم ما داموا يستطيعون الاستشهاد بالبيانات الداعمة.

لهذا أعلمهم تقنية «تقوية الحجة المضادة» أو ما يُسمّى Steel Man: يتطلب من الشخص أن يبحث عن أقوى دليل يدعم الادعاء الذي لا يؤمن به. الهدف أنه إن عثر على أقوى الأدلة وأزال العيوب عنها ثم بقي غير مقتنع، ففرص وقوعه في تحيّز التأكيد تقلّ كثيراً.

كمثال، إحدى الدراسات المشار إليها عُنونت «استخدام الأسيتامينوفين أثناء الحمل، المشاكل السلوكية، واضطرابات النشاط المفرط» ونُشرت في مجلة طبية مرموقة. إن استطاع الطلاب قراءة المقال كاملاً فذلك ممتاز، ولكن فهم إحصائي أساسي يكفي لقراءة الملخّص واستنتاج أن هناك بيانات قوية من عينة كبيرة من أمهات دنماركيات جُمعت على فترة طويلة، مع ذلك توجد نقاط ضعف: بيانات رصدية من بلد واحد، وعدم استبعاد عوامل مشوِّشة محتملة مثل حالات صحية أخرى قد تقلّل من قابلية تعميم النتائج.

يقرأ  الصين تكشف عن منظومات أسلحة متطورة في استعراض عسكري ضخمبمناسبة ذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية (أخبار عسكرية)

هدف التمرين أن يميّز الطلاب بين نقاط القوة والضعف في الدليل. في أفضل الأحوال يستطيعون صياغة أقرب ما يكون إلى الحقيقة المتاحة الآن: هناك أدلة مقنعة على وجود ارتباط محتمل بين استخدام الأسيتامينوفين ونتائج سلبية للرضع. هذه الأدلة توصي بالحذر والتدقيق في استخدام الحامل للأسيتامينوفين. ومع ذلك فمن غير الصحيح افتراض وجود علاقة سببية قاطعة في هذه المرحلة؛ فغالبية البيانات رصدية، إضافة إلى تجارب حيوانية ومؤشرات حيوية مأخوذة من أنسجة الحبل السري—بالتالي الدليل المتاح غير كافٍ لإثبات سببية.

من خلال هذا النوع من التمارين يتعلم الطلاب كيف يقاومون الأفكار الضعيفة بأفكار أقوى بدل الانزلاق نحو الهجمات الشخصية أو السبّ في النقاشات السياسية كما نرى تدهور الخطاب العام في العقود الأخيرة.

التمكّن الإحصائي ضروري لأن التحيّز مسألة لا تنحاز لطرف سياسي واحد. مهمتنا ليست أن نجبر أطفالنا على اختيار جهة، بل نعلّمهم كيف يستخرجون بذور الحقيقة من الأدلة المتاحة ويكوّنون صورة للعالم بأكبر قدر ممكن من الدقة. هكذا نؤدي واجبنا تجاههم.

سيلِم طليلي يدرّس علوم الصف الثامن في مدرسة سبيير ليجاسي في مانهاتن. حصل على بكالوريوس في علم الأحياء من جامعة ولاية نيويورك في جينيسيو ودرجة ماجيستير في الصحة العامة البيئية من كلية هنتر. كتابه الأول في تعليم العلوم بعنوان «الرسم العلمي» سيُنشر في يناير. تابعوا كتاباته عبر صفحاته الإلكترونية وحسابه على إنستغرام.

أضف تعليق