اعتقلت السلطات الصينية عدداً من الناشطين وأصدرت تحذيراً صارماً تجاه «عناصر مناهضة للصين ومروّجة للفوضى» على خلفية الانتقادات الموجّهة إلى رد فعل الحكومة إزاء أخطر حريق تشهده هونغ كونغ منذ جيل كامل.
أفادت وسائل إعلام حكومية وتجارية بأن شرطة الأمن القومي في هونغ كونغ اعتقلت ثلاثة أشخاص خلال عطلة نهاية الأسبوع، فيما تزايدت المطالب بالمساءلة بعد أسوأ حادث حريق تشهده المدينة منذ ما يقرب من ثمانين عاماً.
«مقالات موصى بها»
ألقت السلطات القبض على عضو مجلس مقاطعة سابق، كينيث تشيونغ كام‑هونغ، ومتطوّع لم يُكشف عن هويته كان ينظم توزيع المعونات للناجين يوم الأحد، وفق تقارير متعددة، وذلك بعد يوم واحد من اعتقال طالب جامعي بتهمة التحريض على الفتنة. وذكر تقرير في صحيفة The Standard أن تشيونغ حُبس على خلفية الاشتباه بـ«محاولة إثارة الفتنة».
في وقت سابق من السبت، اعتُقل مايلز كوان، طالب يبلغ من العمر 24 عاماً في الجامعة الصينية بهونغ كونغ، بعدما أطلق عريضة إلكترونية تطالب بمزيد من الشفافية والمساءلة من جانب الحكومة، بحسب تقارير متطابقة. تضمّنت العريضة أربعة مطالب، بينها إنشاء لجنة تحقيق مستقلة لفحص ملابسات الحريق، بما في ذلك احتمال وجود تضارب مصالح قد ساهَم في تفاقم الكارثة. قبل أن تُحذف العريضة عن الإنترنت يوم السبت، كانت قد حازت أكثر من عشرة آلاف مؤيّد.
بدت دائرة الأمن القومي التابعة للصين في هونغ كونغ وهي تندد بالعريضة قبل حذفها، متهمة الناشطين بأنهم استغلّوا «راية المطالبة» لتحريض المواجهة وتمزيق النسيج الاجتماعي. كما اتهم مكتب حماية الأمن الوطني في هونغ كونغ شخصيات من «ذوي النوايا الخبيثة» بمحاولة استغلال الحريق لإعادة المدينة إلى «عنف الملابس السوداء» الذي اندلع خلال احتجاجات 2019.
نُشِر في صحيفة وين وي بو المؤيدة لبكين تعليق يحثّ الجمهور على التحلّي باليقظة تجاه «عناصر معادية للحكومة» ذات «نوايا سيئة». وجاء في المقال: «لقد ذهبوا إلى حد التمثّل بصفة ممثلين لتأسيس ما يسمّى «مجموعة معنية»، وطرح ما يسمّى «المطالب الأربعة»، وتوزيع منشورات وإطلاق عريضة — كل ذلك في محاولة لإثارة الاضطراب العام». وأضاف: «أفعالهم خالية تماماً من الضمير والإنسانية».
«مثير للسخط»
يمثّل القمع المبادر الأحدث في مسلسل تضييق المساحة المسموح بها للمعارضة في هونغ كونغ منذ إعادة بكين ترتيب المشهد السياسي والقانوني شبه الذاتي استجابةً لاحتجاجات 2019. وتنفى بكين مراراً أن حقوق المدنيين في المدينة قد تراجعت، وتؤكد أن سنّ قانونين للأمن القومي كانا ضرورياً لتوفير حماية أفضل للحريات والحقوق مقارنةً بما كان سائداً من قبل.
وتدّعي بكين أيضاً أن التشريعات تضمن استمرار حكم «دولة واحدة بنظامين» الذي بموجبه عادت المدينة إلى السيادة الصينية في 1997. ووصف ناشط وناقد لبكين خدم في المجلس التشريعي لهونغ كونغ، ناثان لو، ما قامت به السلطات بـ«الأمر المثير للسخط» واعتبره دليلاً إضافياً على «اتجاه سلطوي متصاعد» في المستعمرة البريطانية السابقة.
قال لو، المقيّم حالياً في بريطانيا والمطلوب لدى سلطات هونغ كونغ بتهم تتعلق بالأمن القومي، لقناة الجزيرة: «هدف الحكومة واضح: خلق أثر رادع من خلال اعتقال هؤلاء الأفراد. أي فعل مدني من دون إذن الحكومة صار الآن غير قانوني». وأضاف: «تخشى الحكومة تجمع الناس وبدء تحركات جماعية، سواء كانت سياسية أو غير سياسية».
لم ترد شرطة هونغ كونغ على طلبات للتعليق.
جَهَت أركان الجدل أيضاً نحو تصريحات روني تونغ، عضو غير رسمي في ما يشبه مجلس وزراء هونغ كونغ، الذي رفض القول إن السلطات تسكت الانتقادات تجاه تعامل الحكومه مع الكارثة. وأكد تونغ للجزيرة أن الصحف الكبرى في المدينة تضمّ نقاشات ومقترحات ونقداً واسعاً لكيفية معالجة الحادث، وأن ذلك لا يدلّ على قمعٍ شامل للأصوات المعارضة. وأضاف أن القانون يسمح بانتقادات «بناءة» للسلطات، وإنه من المبكر استخلاص استنتاجات نهائية بشأن محاولات القمع على أساس عدد محدود من الاعتقالات — خصوصاً وأن ظروف بعضها لا تزال غير واضحة.
قُتل ما لا يقل عن 151 شخصاً في حريق يوم الأربعاء بمبنى سكني مرتفع في منطقة تاي بو الشمالية بهونغ كونغ، وهو أسوأ حريق تشهده المدينة منذ عام 1948 على الأقل. دفعت فداحة الكارثة إلى إعادة فحص معايير السلامة في قطاع البناء في هونغ كونغ، مع تركيز السلطات على كيفية استخدام مواد رديئة في أعمال الترميم داخل المجمع الذي ربما ساهمت في سرعة انتشار النيران.
اعتقلت السلطات في هونغ كونغ 13 شخصاً في سياق التحقيقات بالحادث، من بينهم مدراء شركة استشارية هندسية شاركت في أعمال الترميم.
لجنة تحقيق
أطلقت شرطة هونغ كونغ ولجنة مكافحة الفساد تحقيقات منفصلة، لكن الحكومة لم تُشر حتى الآن إلى نيّتها تشكيل لجنة تحقيق مستقلة. تعود عادة إقامة لجان تحقيق في هونغ كونغ إلى فترة الحكم البريطاني، وقد شكّلت تلك اللجان، التي يقودها عادة قاضٍ، لبحث كوارث سابقة مثل حادثة العبّارة عام 2012 التي أودت بحياة 39 شخصاً وحريق عام 1996 الذي قضى فيه 41 شخصاً.
قال المحامي السابق كيفن يام إن بكين لا تقبل بانتقاد الرد الرسمي على الحريق، لأنها تخشى أن «تتحول أصغر شرارة من المعارضة إلى شيء أكبر». وأضاف — مستشهداً بروح تحذيرية مشابهة لما كتبه جورج أورويل — أن الحزب الشيوعي الصيني بارع في السيطرة على السرد التاريخي: «يرى أنه بمجرد إسكات المعارضة والانتقادات ثم فيضان السرد بقصص مؤاتية عن طريقة التعامل، يصبح ذلك السجل الرسمي للتاريخ».
كانت هونغ كونغ معروفة سابقاً بوساطتها الإعلامية الصاخبة، ومجتمعها المدني النشط وتنوّعها السياسي؛ إلا أن المساحة المتاحة للمعارضة تقلّصت بشكل دراماتيكي منذ احتجاجات 2019. وتحت القوانين التي دانتها حكومات ومنظمات حقوقية أجنبية، أُغلقت منابر إعلامية نقدية، وأُقصيت أحزاب معارضة عملياً من المجلس التشريعي، وحُظرت احتجاجات تُعتبر حسّاسة سياسياً.
دافعت حكومتا الصين وهونغ كونغ عن تلك القوانين بوصفها ردّاً متناسباً على الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي تحوّل بعضها إلى اشتباكات مع الشرطة، وعلى تهديدات أمنية وطنية أخرى تواجه الإقليم.
وفي خطاب بمناسبة الذكرى الخامسة لقانون 2020 في يونيو، وصف شيا باولونغ، أكبر مسؤول بكين لشؤون هونغ كونغ، التشريعات بأنها «حارس» لوضع المدينة شبه المستقل وللاستقرار.