إسلامأباد، باكستان — بأيدي متشابكة وبتبسمات خفيفة، التقط وزراء خارجية باكستان والصين ونظام حركة طالبان في أفغانستان صورة مشتركة حين تجمعوا في كابل يوم الأربعاء لعقد اجتماع ثلاثي.
كان هذا اللقاء الثاني من نوعه بين وزير الخارجية الصيني وانغ يي ووزير المالية الباكستاني وشخصية الشأن الخارجي إسحاق دار ونظيره الأفغاني القائم بالأعمال أمير خان متقي خلال اثني عشر أسبوعًا، بعد أن التئموا معًا في بكين في أيّار/مايو.
أدى اجتماع مايو إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين باكستان وأفغانستان بعد فترة من التوتر الشديد، ومهّد أيضاً لمباحثات حول تمديد ممر الصين–باكستان الاقتصادي (CPEC) إلى أفغانستان، وهو جزء من مبادرة الحزام والطريق الطموحة التي تسعى لربط آسيا وأفريقيا وأوروبا عبر شبكة من الموانئ والسكك الحديدية والطرق.
غير أن محاولات بكين لتوسيع تواجدها بالمنطقة، وسعيها للوساطة بين باكستان وأفغانستان، تعكس قلقها المتزايد على أمن مصالحها حتى على طول ممر CPEC القائم، وفق رأي محللين.
ورغم أن بكين شريك حيوي لكلٍّ من إسلام أباد وكابل، يرى خبراء أن نفوذها على الطرفين ما يزال غير مُختبر، كما أن استعدادها لتحمُّل المخاطر المحتملة في حال سعت لإعادة ترميم علاقة كانت قد اتسمت سابقًا بالألفة وتحولت إلى جيرانٍ متجاذبين، يبقى محل تساؤل.
الحوار الثلاثي السادس لوزراء الخارجية عُقد في 20 أغسطس 2025 في كابل، بمشاركة نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية باكستان إسحاق دار، ووزير خارجية الصين وانغ يي، والقائم بالأعمال بوزارة خارجية أفغانستان أمير خان متقي، حيث تركزت المحادثات على قضايا سياسية وأمنية واقتصادية إقليمية.
تحولات الديناميات الإقليمية
عُقدت فعاليات اللقاء في بكين في ظلّ ظل توتّر ناجم عن مواجهة عسكرية استمرت أربعة أيام بين باكستان والهند، لكن المشهد الإقليمي تغيّر كثيرًا منذ ذلك الحين.
في الأشهر الأخيرة، عززت باكستان — التي كانت تُعتبر لفترة طويلة أقرب حلفاء الصين وتعتمد عليها عسكريًا واقتصاديًا — علاقاتها مع الولايات المتحدة، المنافس الرئيسي لبكين على الساحة العالمية.
من جانبها، أعادت الصين تنشيط قنوات التواصل مع الهند، الخصم التاريخي لباكستان والمنافس الرئيس لها على النفوذ الإقليمي. كما عمّقت الهند أيضاً علاقاتها مع حركة طالبان الأفغانية التي تحكم أفغانستان منذ انسحاب القوات الأميركية في آب/أغسطس 2021.
أما باكستان وأفغانستان فلاتزالان في حالة توتر؛ فقد كانت إسلام آباد في السابق الراعي الرئيسي لطالبان، لكنها الآن تتهم الحركة بمنح ملاذات آمنة لمجموعات تنفذ هجمات عابرة للحدود، فيما تتهم كابل باكستان بانتهاكات حقوقية عبر عمليات طرد للاجئين الأفغان.
في خضمّ ذلك، وضعت الصين نفسها في موقع الوسيط، دافعها الأساسي رغبة في حماية مصالح CPEC — مشروع بنية تحتية بقيمة نحو 62 مليار دولار يمتد من الحدود الباكستانية الصينية شمالاً إلى ميناء جوادر في بلوشستان.
وقال دبلوماسي باكستاني رفيع المستوى مطلع مباشرة على الاتصالات الأخيرة مع الجانب الصيني والأفغاني إن الصين، وبوصفها جارًا مشتركًا، تولي أهمية كبيرة لدبلوماسية الجوار، مؤكداً أن بيئةٍ إقليمية مستقرة ضرورية بالنسبة إليها.
وأضاف المسؤول، شريطة عدم الكشف عن هويته، أن بكين «وضعت أولوية قصوى للاستقرار والأمن لمتابعة وتوسيع مشروع الحزام والطريق، إذ لا يمكن توسيع الروابط والتنمـية غربًا إلا إذا تم استقرار هذين البلدين بين أمور أخرى».
CPEC تحت الضغط
أُطلق مشروع ممر باكستان–الصين الاقتصادي عام 2015 في عهد رئيس الوزراء السابق نواز شريف، شقيق رئيس الوزراء الحالي شهباز شريف، واعتبره كثيرون «مُغيّرًا لقواعد اللعبة» بالنسبة للاقتصاد الباكستاني، بوصفه استثماراً ضخماً قادراً على خلق فرص عمل ودفع عجلة النمو.
إلا أن وتيرة تنفيذ المشروع تباطأت في السنوات الأخيرة. ومن المتوقع أن يسافر رئيس الوزراء شريف إلى الصين هذا الشهر لافتتاح المرحلة الثانية رسمياً.
بينما أعاقت الاضطرابات السياسية التقدّم، تبقى المخاوف الصينية مركزة على أمن البنى التحتية وحماية مواطنيها، الذين تعرّضوا مرارًا للاستهداف.
لقد شنت مجموعات انفصالية في بلوشستان — أكبر مقاطعات باكستان من حيث المساحة وأفقرها — هجمات متكررة على العمال والمنشآت الصينية، متهمة إياهم باستغلال الموارد المحلية. كما وقعت اعتداءات استهدفت مواطنين صينيين في مناطق شمالية من باكستان.
وتشير الأرقام الحكومية إلى وجود ما يقرب من 20 ألف مواطن صيني يعيشون حاليًا في باكستان. افغانستان خيارٌ معقّد، وتحديات الأمن والتنمية المحلية ستظل عوامل حاسمة لنجاح أي خطة توسعية. قُتل ما لا يقل عن 20 شخصاً منذ عام 2021 في هجمات جرت عبر أرجاء البلاد.
قالت ستيلا هونغ تشانغ، الأستاذة المساعدة في جامعة إنديانا بلومنغتون بالولايات المتحدة، إن بكين لطالما سعت إلى إدخال افغانستان ضمن مشروع ممر الصين‑باكستان الاقتصادي (CPEC) لتوسيع نطاق المشروع وتعزيز التكامل الإقليمي. ومع ذلك، أوضحت تشانغ، المتخصِّصة في سياسات التنمية الصينيّة عالمياً، أن مدى اقتناع بكين بالاستثمار في كل من أفغانستان وباكستان لا يزال غامضاً.
كان الاجتماع الثلاثي في كابول النسخة السادسة من المنتدى، بعدما عُقد آخر اجتماع رسمي في مايو 2023. وقالت تشانغ لقناة الجزيرة إن بكين قد تُعطي وعوداً استثمارية، «لكن مع ظهور تحركات دبلوماسية من جانبها، يبقى السؤال عمّا إذا كانت المؤسسات والشركات والبنوك المملوكة للدولة ستقبل فعلاً تمويل مشاريع إضافية في كلا البلدين، في ظل سجل ممر CPEC المخيّب للمآل والمخاطر الجوهرية في البلدين».
يرى محمد فيصل، باحث في شؤون أمن جنوب آسيا بجامعة التكنولوجيا في سيدني، أن تحسّن الأمن الداخلي في باكستان هو أولوية قصوى بالنسبة للصين. وأضاف أن هذا القلق يدفع بكين إلى الدفع نحو تحسين العلاقات الثنائية بين إسلام أباد وكابول، لأن «حركة طالبان باكستان (TTP) تنشط من داخل الأراضي الأفغانية، فيما وجدت مجموعات مسلحة بلوشية كذلك ملاذات داخل تلك الأراضي».
من منظور بكين، ترمي المحادثات الثلاثية رفيعة المستوى إلى تضييق الفجوات بين إسلام أباد وكابول وحثّ الطرفين على معالجة مخاوف الأمن المتبادلة تفادياً لانهيار العلاقات.
تُعرّف حركة طالبان باكستان (TTP)، التي تأسست عام 2007، بأنها مجموعة تتقاسم إيديولوجيةً مع طالبان في أفغانستان لكنها تعمل بشكل مستقل داخل وخارج حدود باكستان. ونفت حركة طالبان مراراً الاتهامات بأنها تسمح باستخدام أراضيها لشن هجمات ضد باكستان، كما أنكرت أي صلات تنظيمية مع TTP.
التحديات الأمنية
منذ استيلاء طالبان على السلطة في أغسطس 2021، شهدت باكستان تصاعداً حاداً في أعمال العنف، لا سيما في إقليم خيبر‑بختونخوا وبلوشستان، اللذين يحدّان أفغانستان. وتفيد إسلام أباد مراراً بأن أرض الجارة تُستغل من قبل فصائل مسلحة، لاسيما TTP، لإطلاق هجمات عبر الحدود المفتوحة.
تُظهر بيانات معهد باكستان للدراسات حول الصراع والأمن (PICSS) في إسلام أباد أنه خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2025 وقعت 502 هجوم قتالي أودى بحياة 737 شخصاً، من بينهم 284 من عناصر الأمن و267 مدنياً. وبالمقارنة مع النصف الأول من 2024، ارتفعت الهجمات القتالية بنسبة 5%، وزادت الوفيات بنسبة 121% والإصابات بنسبة 84%.
وأعربت بكين أيضاً عن قلقها من حركة تركستان الشرقية الإسلامية (ETIM)، متهمةً مقاتليها باستخدام الأراضي الأفغانية لتنفيذ هجمات ضد المصالح الصينية.
من جانبه، قال عبد الباسط، باحث في مدرسة إس. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، إنه منذ الانسحاب الأميركي من أفغانستان باتت الصين اللاعب الجيوسياسي الأبرز في جنوب آسيا. وذكر أن مكوّن باكستان في مبادرة الحزام والطريق، ممر CPEC، سيظل غير مستغلّ وغير مطور ما لم تُعالج مخاوف باكستان الأمنية المرتكزة على الجار الأفغاني. لذلك بادرت الصين إلى إطلاق آلية ثلاثية تهدف إلى مساعدة البلدين على حل مشكلاتهما الأمنية ضمن نهجٍ شامل يسعى لعزل الجوانب الاقتصادية والدبلوماسية عن متاعب الأمن.
وأضاف فيصل أن الصين تُضفي وزناً سياسياً عبر دعم دبلوماسي في المحافل المتعددة الأطراف — لا سيما في قضايا مكافحة الإرهاب — وتمنح وعوداً بحوافز اقتصادية. لكنه أبدى حذراً بشأن النفوذ الصيني طويل الأمد، مشيراً إلى أن نتائج جهود بكين كانت محدودة جزئياً بسبب مخاوفها الأمنية الذاتية.
أشار دبلوماسي باكستاني رفيع إلى أن مبادرة الحزام والطريق ومشاريعها في جنوب ووسط آسيا منحَت الصين قدراً من النفوذ، معبّراً عن تفاؤله بإمكانية أن تلعب بكين دوراً في تغيير معطيات العلاقة بين باكستان وأفغانستان «مسلّحةً بالأدوات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والمالية»، رغم أن النتائج حتى الآن كانت محدودة.
لكن بشأن ما إذا كانت الصين ستتولّى دور الوسيط والضامن بين البلدين، عبّر الدبلوماسي عن تشككه. وقال: «في ما يخص الضمان، لست متأكداً إن كانت بكين راغبة أو منخرطة في ذلك. صحيح أنها تستطيع القيام بهذا الدور نظراً لدرجة الثقة العالية التي تتمتع بها، لكن ما إذا كانت ستفعل فهذا أمرٌ يبقى لزمنٍ قادم ليبيّن».