أسعار تذاكر الطيران الفلكية في الهند تحطم الأحلام — السعي لجعل السفر جواً في متناول الجميع

سلمان شاهيد يتنقل باستمرار بين سريناغار — أكبر مدن كشمير الخاضعة لإدارة الهند — ونيو دلهي. هو يدير مركز “رايز” للدروس الخصوصية في سريناغار للتحضير للالتحاق بمعاهد التكنولوجيا الهندية المرموقة، بينما تقيم أسرته في نيودلهي. السفر جواً كان يوفر له الوقت، لكنه بات في الآونة الأخيرة أمراً يصعب تحمله مالياً.

قبل جائحة كوفيد-19، يقول شاهيد إن تذكرة ذهاب على متن رحلة من سريناغار إلى نيودلهي كانت تكلفه نحو 3,300 روبية في المتوسط. الآن، تضيف، باتت نفس التذكرة تتخطى 5,000 روبية مع خيارات زمنية محدودة. هذا ارتفاع بنسبة تقارب 50 في المئة أثر بصورة ملموسة في روتين تنقله؛ فعدد رحلاته تضاءل من أربع ذهاب وإياب في الشهر إلى رحلتين فقط تقريباً. يذكر أيضاً أنه سبق أن اشترى تذكرة خلال عرض في 2019 بمبلغ 1,700 روبية على شركة محلية، ويقول إن مثل هذه الأسعار الآن تبدو حلماً بعيداً، ولا يستطيع أن يستوعب كيف ارتفعت التعريفات بهذا القدر وفي زمن قصير.

وليس شاهيد وحده من يعاني. تقرير نشرته منظمة مجالس المطارات الدولية (ACI) في نوفمبر الماضي استند إلى بيانات من أكثر من ألفي مطار في أكثر من 180 دولة، وأظهر ارتفاعاً قدره 43% في أسعار الرحلات الداخلية في الهند خلال النصف الأول من 2024 مقارنة بعام 2019 — وهو ثاني أعلى معدل في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وغرب آسيا بعد فيتنام. أما التعريفات الدولية فارتفعت بنحو 16%، وكانت الهند في المرتبة الثالثة في هذا الصنف.

التقرير، الذي أنجزته ACI بالشراكة مع شركة Flare المتخصصة في استشارات الطيران والمطارات، عزى الارتفاع إلى تزايد الطلب، وقلة المنافسة على بعض المسارات، إضافة إلى صعود تكلفة وقود محركات الطائرات (ATF) بنسبة 38% منذ 2019. فقد ارتفعت الأسعار من نحو 68,050 روبية للهكتولتر في مدن مثل دلهي في يناير 2019 إلى نحو 93,766 روبية للهكتولتر في أكتوبر 2025. وتسعى شركات الطيران أيضاً لتعويض خسائر جائحة كورونا، ما يضيف ضغوطاً تصاعدية على الأسعار.

ورغم عدم توفر دراسة شاملة تغطي كامل 2025 بعد، يؤكد الخبراء أن الزيادات لم تتوقف على مدار العام. فندانـا سينغ، رئيسة اتحاد شحن الطيران في الهند (FAII)، قالت إن “الأسعار لم تبدأ بالانحسار أبداً، بل تستمر في الصعود”، محذرة من أن هذا الارتفاع المستمر يضرب منطقية الوصول إلى خدمات الطيران في الهند، وقد يخرج شريحة واسعة من الطبقات الوسطى والأضعف اقتصادياً من دائرة المسافرين جواً.

صورة لسجاد إسماعيل صوفي، وكيل سفر في مكتبه في سريناغار، تبرز آثار هذا التحول على العاملين في قطاع السياحة والسفر.

«شعار جوفاء»

في أكتوبر 2016 أطلق رئيس الوزراء ناريندرا مودي ما سُمي بمشروع UDAN — اختصار عبارة “ليسمح للمواطن العادي بالطيران” — الذي هدفت حكومته من خلاله إلى توسيع البنية التحتية الجوية بشكل كبير وافتتاح عشرات المسارات الجديدة لجعل السفر الجوي في متناول ذوي الدخل المحدود وسكان البلدات الصغيرة. خلال إطلاق أولى الرحلات بالمشروع في أبريل 2017 قال مودي إنه يريد أن يرى “أناساً يرتدون الشباشب يحلقون على متن طائرات”.

تحولت هذه العبارة إلى شعار للحملة، وقدمت كدليل على مسعى الحكومة لجعل الطيران ميسوراً لملايين الهنود من المدن الصغيرة، كثيرون منهم لا يستطيعون حتى تحمل شراء حذاء. اليوم، تقول سينغ إن ذلك الشعار اكتسب نفحة من السخرية: مع ارتفاع أسعار التذاكر باستمرار خلال السنوات الأخيرة، يتحول الشعار إلى عبارة جوفاء أكثر منها واقعاً ملموساً.

يقرأ  استراتيجيات حديثة للتعلم المدمج في التعليم المؤسسي

خلال فترة حكم مودي تضاعف عدد المطارات المسجلة في الهند من 74 مطاراً في 2014 إلى 157 مطاراً في 2024، إلا أن هذه الأرقام تخفي أزمة أعمق تضرب قطاع الطيران. زيادة عدد المسارات والرحلات أبقت إجمالي أعداد الركاب مرتفعة، رغم أن ارتفاع الأسعار دفع العديد من المسافرين إلى تقليل رحلاتهم. الهند اليوم ثالث أكبر سوق للطيران الداخلي في العالم، وشهدت زيادة بنسبة 15% في أعداد الركاب سنة مقابل سنة في السنة المالية 2024 وفق أرقام رسمية.

ومع ذلك، تبدي بيانات الركاب تقلباتٍ توضح الاضطراب: فقد هبطت حركة المسافرين المحلية إلى 12.6 مليون في يوليو 2025 مقارنة بـ13.1 مليون في يونيو، ثم عادت إلى 13.2 مليون في أغسطس، فانخفضت مجدداً إلى 12.6 مليون في سبتمبر قبل أن ترتفع إلى 14.3 مليون في أكتوبر. روهيت كومار، اقتصادي طيران وعضو هيئة تدريس في جامعة راجيف غاندي الوطنية للطيران، يوضح أن أعداد الركاب لم تتراجع في المجمل، لكن الارتفاع في الأسعار طرد فعلياً الشرائح الدنيا وما دون المتوسطة من الأجواء، بينما تحافظ المطارات الجديدة والمسافِرون من الطبقة العليا المتوسطة الذين يفضلون الوقت على التكلفة على استمرار الأرقام الإجمالية.

وأضاف كومار أن ثقافة العمل عن بعد التي تبنتها قطاعات التكنولوجيا والخدمات منذ الجائحة سمحت لعدد من الموظفين بالسفر بوتيرة أكبر من ذي قبل، ما عزز السفر العرضي بين المحترفين ذوي الدخل المرتفع. لكن، رغم النمو السنوي، يظل القطاع عميق التفاوت: فهو في جوهره يقوده جزء صغير ميسور، فيما تُترك غالبيية المسافرين الجدد — وهم الفئة التي وُجِه لها مشروع UDAN — خلف الركب.

وبعبارات أكثر صراحة، تقول سينغ إن “الأشخاص الذين كان الشعار يشير إليهم، أولئك الذين يرتدون الشباشب، باتوا الآن خارج السماء بسبب الأسعار”.

صورة لطائرة تابعة لشركة سبايس جيت تقلع من مومباي تذكّر بالمشهد المتسارع في المطارات الهندية.

«اتجاهات احتكارية»

ازدياد المسارات وحده ليس العامل الوحيد الذي يمكّن شركات الطيران من رفع التعريفات مع تهميش أعداد كبيرة من الركاب؛ فغياب المنافسة الفعلية على بعض الخطوط، وارتفاع تكاليف التشغيل، وسياسات التسعير الديناميكية كلها عناصر تسمح بأسعار أعلى دون خفضها، في ظل سوق لا يزال يعاني من قصور في التوازن بين توسع البنى التحتية وضمان إمكانية الوصول لمختلف شرائح المجتمع. كما سهل تقلّص حدة المنافسة من مهمة الناقلين الباقين في السوق.

في السنوات الأخيرة أغفلت عدة شركات طيران كبرى نشاطاتها، واندمج البعض الآخر بعد صفقات استحواذ. شركة “جو فيرست” التي امتلكت في وقت من الأوقات أكثر من 10% من سوق الطيران المحلي والدولي في الهند بأسطول مكون من 52 طائرة، توقفت عن العمل في مايو 2023 بعد تقديمها طلب إفلاس. أما “جيت إيروايز”، التي بلغت حصتها السوقية 21% وكان أسطولها 124 طائرة في ذروة 2016، فقد اوقفت جميع عملياتها في 2019.

يقرأ  متحف الفن المعاصر في شيكاغو يقدّم الظهور الأمريكي الأول ليوكو أونو «موسيقى العقل»

واجهت “سبايس جيت” خطر الإفلاس خصوصاً بين 2022 و2024 بسبب تزايد الديون، ومشكلات قانونية، ووجود طائرات مؤ grounding. في يوليو 2022 خفضت الهيئة العامة للطيران المدني الهندية (DGCA) عمليات سبايس جيت بنسبة 50%، مستشهدةً بـ«ضعف الرقابة الداخلية على السلامة والإجراءات الصيانية غير الكافية». وسجّلت الشركة أيضاً تأخيرات كبيرة؛ فقد بلغ معدل وصول الرحلات في موعدها (OTP) 54.8% في يناير 2025، ما جعلها الأقل انتظاماً بين الناقلات الكبرى آنذاك.

تسبّبت التخلفات عن سداد أقساط الإيجار أيضاً في استرجاع طائرات، فصغر أسطول سبايس جيت من 118 طائرة في 2019 إلى 28 طائرة عاملة فقط بحلول يناير 2025.

«تكرار إغلاق شركات الطيران في الهند أثر بشدة على السفر الجوي ومهّد الطريق لميول احتكارية»، قالت سينغ. ومع تقلص أعداد اللاعبين في السماء، بات بإمكان الناقلات المهيمنة فرض الأسعار ورفعها متى شاءت، بحسب قولها.

في تحول كبير آخر، أُعيد تخصيص ملكية اير إنديا بالكامل عندما استحوذت مجموعة تاتا على الشركة وخصخصتها رسمياً في يناير 2022.

لاحقاً، اندمجت فيستارا — التي كانت مملوكة بالاشتراك بين تاتا وشركة الخطوط السنغافورية — مع “إير إنديا” في نوفمبر 2024. أثارت عملية الدمج مخاوف واعتراضات حادة من نقابات العُمّال والأحزاب المعارضة، التي خشيت أن يؤدي توحيد “إير إنديا” و”فيستارا” و”إيرآسيا إنديا” — التابعة أيضاً لمجموعة تاتا والمندمجة مع الشركتين — إلى حدوث أوليغوبول جوي يقلّص المنافسة وخيارات المستهلكين في السوق الهندية.

قال زهيب رشيد، باحث اقتصادي في مركز إسحاق للسياسات العامة في نيودلهي، إن عملية الدمج منحت سيطرة أجواء الهند ليدين خاصتين فقط، مما يشكل تهديداً جاداً للمنافسة.

اللاعب الكبير الآخر اليوم هو شركة إنديجو، التي تسيطر على نحو 61% من الحصة السوقية. معاً، تسيطر إنديجو و”إير إنديا” الآن على 91% من سوق الطيران الهندي.

رأى رشيد أن بقاء الحكومة بحصة في “إير إنديا” ربما كان سيمكنها من ضبط التعريفات. «الخصخصة الكاملة قلّصت قدرة الدولة على تنظيم الأسعار وفتحت المجال للهيمنة الخاصة في بلد لا يزال السفر الجوي فيه رفاهية»، أضاف.

تتيح سيطرة “إير إنديا” وإنديجو في السوق لهما رفع الأسعار بشكل كبير خلال مواسم الذروة أو حالات الطوارئ، وفقاً لما ذكره منظمو الرحلات وخبراء، مستدلين بحادثتين حديثتين.

أشار سجاد إسماعيل صوفي، وكيل سفر مقيم في سريناغار، إلى تبعات الهجوم الدامي في أبريل على سياح في باهالجام — البلدة المنتجع المعروفة في كشمير التي تديرها الهند — والذي أودى بحياة 26 مدنياً. حين هرع السياح في مناطق أخرى من كشمير لمغادرة الإقليم، ارتفعت أسعار تذاكر الرحلات باتجاهاتٍ أحادية من سريناغار إلى أجزاء أخرى من الهند من 5,000 روبية (56 دولاراً) إلى نحو 12,000 روبية (135 دولاراً).

بعد تعرض شركات الطيران لانتقادات حادة واتهامات بالاستفادة اقتصادياً من أزمة وطنية، تراجعت الأسعار.

في وقت سابق من العام نفسه ذكرت سينغ أن أسعار التذاكر باتجاه المهرجان الديني العظيم “ماهاكومبه ميلا” صعدت، فقد وصلت تذكرة اتجاه واحد من مومباي إلى مدينة براياغراج إلى 50,000 روبية (564 دولاراً) — أغلى حتى من رحلات إلى باريس — خلال الاحتفالات التي يقدسها الهندوس. وتدخلت الحكومة في نهاية المطاف للضغط على شركات الطيران لخفض الأسعار، لكن سينغ قالت إن معظم الحجاج كانوا قد اشتروا تذاكرهم بالفعل حينها.

يقرأ  متحف ألماتي الجديد للفنون في كازاخستان يحتفي بفنون آسيا الوسطى

التعليقات حول اتهامات استغلال الاحتكار لرفع الأسعار طالت كل من إنديجو و”إير إنديا”، لكن حتى الآن لم ترد الشركتان على طلبات الرد.

طائرة تابعة لإير إنديا تقف في مطار إنديرا غاندي بنيو دلهي، 11 مايو 2012.

ضرائب أعلى تزيد العبء

يشير الخبراء إلى أن شركات الطيران ليست وحدها المسؤولة عن ارتفاع التعريفات؛ فارتفاع الضرائب على الطيران في الهند عامل رئيسي أيضاً.

تفرض البلاد أعلى ضرائب على وقود التوربينات الجوية (ATF) في آسيا، وتمثل هذه التكاليف نحو 45% من أسعار تذاكر الطيران. بحلول منتصف 2024 كانت أسعار وقود الطائرات في مدن مثل دلهي ومومباي أعلى بنحو 60% مقارنة بمراكز عالمية مثل دبي وسنغافورة وكوالالمبور، ويرجع ذلك إلى ضريبة القيمة المضافة والرسوم المركزية والرسوم الإضافية، بما في ذلك ما يُعرَف بالضريبه على الوقود.

كما تُحمّل التذكرة عدداً من الرسوم الإضافية: رسوم تنمية المستخدم تتراوح بين 150 و400 روبية حسب المطار؛ ورسوم خدمة الركاب نحو 150 روبية؛ ورسوم أمن الطيران 200 روبية لكل مسافر؛ ورسوم المحطة 100 روبية؛ ورسوم الربط الإقليمي بين 50 و100 روبية لكل راكب. كل مبلغ على حدة قد يبدو ضئيلاً، لكن تَراكُمهما يرتفع بسرعة، وهذه الأموال تذهب إلى المطار أو الحكومة لا إلى شركات الطيران.

في يونيو دعت الرابطة الدولية للنقل الجوي (IATA)، التي تمثل أكثر من 350 شركة طيران عالمية، إلى مزيد من الوضوح في نظام الضرائب الهندي، مشيرة إلى تعقيده المفرط.

قال أمجد علي، مشغل رحلات من نيودلهي، إنه يعمل في مجال تذاكر الطيران منذ 2005 ولم يشهد زيادات حادة كهذه إلا بعد 2020. «كانت الأسعار ترتفع تدريجياً، لكن منذ 2020 قفزت بسرعة»، أورد.

علي عادةً ما يحجز لخطوط مثل دلهي–مومباي، دلهي–باتنا، ودلهي–بورنيا؛ وقد ساهم فتح مطارات جديدة مثل بورنيا في جذب مزيد من الركاب بفضل مسارات جديدة. قبل الجائحة كانت تذكرة مومباي–دلهي المحجوزة مُبكّراً تكلف نحو 3,800 روبية (43 دولاراً)، أما الآن فغالباً ما يصعب العثور على سعر أقل من 6,000 روبية (68 دولاراً) لنفس الرحلة.

في الوقت نفسه بدأت شركات الطيران أيضاً في تقليل الخصومات التي كانت تمنحها لفئات من الركاب. في السابق كانت شركة “إير إنديا” تمنح خصمًا بنسبة خمسين في المائة على الأجرة الأساسية لرحلات الطلاب الداخلية، لكن بعد خصخصتها تراجع هذا الخصم إلى عشرة في المائة فقط.

والنتيجة، كما قال علي، كانت تراجعًا ملحوظًا في أعداد الطلاب المسافرين. «نادراً ما نرى طلابًا يسافرون هذه الأيام»، أضاف.

وفي نهاية المطاف، قالت سينغ من اتحاد شركات الطيران الهندية المستقلة (FAII) إنّ القطاع يضرب مصالحه بنفسه بجعلل السفر الجوي بعيد المنال لملايين الهنود.

وقالت: «إذا أردنا أن يصبح السفر الجوي متاحًا فعلاً لشريحة أوسع من المجتمع، لا سيما للأفراد ذوي الإمكانات المالية المحدودة، فعلى الحكومة والمعنيين بقطاع الطيران العمل على تقليل هذه الضرائب والرسوم.»

حتى ذلك الحين ستظل الرحلة بالطائرة حلمًا بعيد المنال لغالبية الـ1.4 ميليار من سكان الهند.

أضف تعليق