تقييد حق المحاكمة أمام هيئة المحلفين في إنجلترا وويلز
أعلن وزير العدل البريطاني ديفيد لامي، أمام البرلمان يوم الثلاثاء، سلسلة تغييرات جذرية تقضي بتقليص نطاق الحق في المحاكمة أمام هيئة محلفين في إنجلترا وويلز. وفق المقترحات، ستحال إلى محاكم هيئة المحلفين فقط القضايا التي تتعلق باغتصاب أو قتل أو قتل غير متعمد، أو تلك القضايا التي تفي بمعيار محدد لـ«المصلحة العامة».
إقامة «محاكم سريعة» بلا محلفين
تتضمن الإصلاحات إنشاء درجة جديدة من المحاكم السريعة (swift courts) كجزء من خطة لمعالجة التأخيرات القياسية في منظومة المحاكم. ستتولى هذه المحاكم بلاهيئة محلفين العديد من القضايا التي كانت تُنظر تقليدياً في محاكم التاج، والتي تعالج الجرائم الخطيرة.
ماذا يعني ذلك عملياً؟
النتيجة المباشرة أن محاكمات المتهمين الذين قد تُسند إليهم عقوبات بالسجن القصير — ما يصل إلى ثلاث سنوات — ستُلغى في انجلترا وويلز، بينما لن تمتد هذه التغييرات إلى اسكتلندا أو أيرلندا الشمالية. أشار تقرير لوزارة العدل في وقت سابق هذا العام إلى وجود أكثر من 78 ألف قضية في محاكم التاج لا تزال معلقة، وهو رقم قياسي. وتقول الحكومة إن الاستغناء عن عنصر هيئة المحلفين يوفر نحو 20% من زمن المحاكمة.
تفاصيل إضافية وتمويل الضحايا
بموجب الإصلاحات المعلنة، ستُحاكم دون هيئة محلفين القضايا التي تترتب عليها أحكام تصل إلى ثلاث سنوات، بالإضافة إلى قضايا الاحتيال والفضائح المالية المعقدة؛ أما الجرائم الشديدة، كالاغتصاب والقتل والقتل الخطأ، فستبقى منوطًة بقرارات هيئة المحلفين. إلى جانب ذلك، خصصت الحكومة 550 مليون جنيه إسترليني (حوالي 726 مليون دولار) لدعم الضحايا على مدى ثلاث سنوات، لتمويل خدمات دعم الناجين والشهود، بما في ذلك الإرشاد النفسي والمشورة.
تراجع عن مقترحات أكثر تشدداً
مسودة داخلية لوزارة العدل تسرّبت سابقًا ألمحت إلى نية لامي السعي لمعايير أشد تقضي بإبقاء محاكمات هيئة المحلفين فقط للقضايا ذات «المصلحة العامة» التي قد تصحبها أحكام سجن تفوق خمس سنوات، لكنّ الضغوط من أعضاء الحكومة وشخصيات قانونية دفعت إلى تخفيف الطرح الأصلي.
تناقض مع مواقف سابقة وردود الفعل
يمثل هذا التحول تراجعًا عن مواقف سابقة للامي، إذ كان قد كتب قبل خمس سنوات أن «المحاكمات مكون أساسي في ترتيبنا الديمقراطي. والمحاكمات الجنائية بدون هيئة محلفين فكرة سيئة». وقد اتهمه وزير العدل في المعارضة، روبرت جنريك، بأنه «يلغي مؤسسة كان يُشيد بها سابقًا».
لماذا الآن؟
تأتي الإصلاحات استجابة لتوصيات مراجعة أجراها القاضي السابق السير برايان ليفسون في يوليو، بعدما تفاقم تراكم القضايا الجنائية—بسبب تبعات جائحة كوفيد-19 وعقود من نقص الاستثمار في المحاكم. أظهرت أرقام وزارة العدل أن حجم القضايا الجنائية المفتوحة بلغ 78,329 نهاية يونيو، بزيادة 10% عن العام السابق، وطال متوسط طول القضايا ارتفاع بنسبة 10% أيضًا من 153 إلى 168 يومًا منذ 2024. حذّر لامي من أن التراكم قد يصل إلى 100,000 قضية بحلول 2028 إذا لم تُعالج الأزمة.
حجة ليفسون كانت أن إنهاء محاكمات هيئة المحلفين لبعض الجرائم الخطيرة قد يسمح بنظرها أمام قاضٍ واحد أو أمام قاضيين مختصين (قضاة صلح) دون الإخلال بحق الشخص في محاكمة عادلة. وفي بيان أمام مجلس العموم قال لامي: «سأنشئ محاكم سريعة داخل محاكم التاج، يبتّ فيها القاضي وحده في قضايا يُتوقع أن تكون عقوبتها ثلاث سنوات أو أقل كما أوصى السير برايان».
الانتقادات والمخاوف
لطالما شكّل حق المتهمين في محاكمة أمام هيئة محلفين ركيزة مركزية لنظام العدالة الإنجليزي. قبل إعلان لامي وصف مارك إيفانز، رئيس جمعية المحامين في إنجلترا وويلز، المقترحات بأنها «إجراء متطرف» يتجاوز توصيات ليفسون، مؤكدًا أن مفهوم العدالة في المجتمع يقوم بدرجة كبيرة على مشاركة المدنيين في تحديد براءة المتهم أو ذنبه. وأشارت محامية جنائية، ريل كارمي-جونز، إلى أن المقترحات لن تُصلح الاختلالات المتراكمة الناجمة عن نقص التمويل على مدى عقود، وأن إدخال «طبقة لم تُختبر من التعقيد» بإلغاء المحلفين قد يُضعف النظام القضائي.
بعد الإعلان، حذّرت أيضًا محامية مُناصرة، أبيغيل أشفورد، من أن «المحاكمات بحكم القاضي فقط قد تُعمّق أوجه التفاوت القائمة وتُقوض ثقة المجتمعات التي تشعر بالفعل بالتهميش»، وأضافت أن نزع دور المجتمع في تقييم المصداقية والعدالة يضعف الثقة بطريقة لا يعوّضها ترك القرار في يد قاضٍ واحد. ووجد استطلاع بين أعضاء رابطة المحامين الجنائيين أن 88.5% منهم يعارضون إنشاء «المحاكم السريعة».
أصل محاكمات هيئة المحلفين في إنجلترا
يرجع المفهوم إلى وثيقة المغنى كارتا (المعروفة بالماغنا كارتا) عام 1215، التي أرست قواعد لضبط سلطة الدولة ونصّت على أنه لا يجوز معاقبة الإنسان الحر «إلا بحكم عادل من أقرانه أو بمقتضى قانون البلاد». ومع أن هذا الحكم لم يُفضِ فورًا إلى تشكيل هيئة المحلفين كما نعرفها اليوم، فإنه رسّخ مبدأ تقييد سلطة الدولة وإشراك المجتمع المحلي—غير المتخصص قانونيًا—في فضّ المسائل الجنائية. وبحلول نهاية الحرب الأهلية الإنجليزية حوالى 1660، باتت استقلالية المحلفين من أهم الضمانات ضد الحكم التعسفي؛ كما أن قضية بوشل عام 1670 أكدت أن المحلفين لا يجوز معاقبتهم على أحكامهم، وهو مبدأ أرسى حكمية هيئات المحلفين. وفي 1689 عززت وثيقة حقوق الإنسان (English Bill of Rights) حق المتهمين في محاكمة أمام هيئة محلفين كحماية ضد تدخلات أو تجاوزات الملك. صار أعضاء هيئات المحلفين رمزاً للمشاركة المجتمعية وفي الوقت نفسه وسيلة لحماية الأفراد من تجاوزات الدولة.
مع امتداد الإمبراطورية البريطانية، سافر نموذج هيئة المحلفين معها، مؤثّراً في نظم القضاء في الولايات المتحدة وكندا واستراليا والهند وأجزاء من أفريقيا ومنطقة الكاريبي. لذلك لا يزال النموذج البريطاني واحداً من أكثر النماذج تأثيراً في مبادئ الإجراءات القانونية العادلة على مستوى العالم.
هل ألغت دول أخرى محاكم هيئة المحلفين؟
في عام 1941، حلت حكومة فيشي الفرنسية، تحت الاحتلال الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية، محل هيئات المحلفين التقليدية بنظام «كور دَأسيز» — محاكم تتألف في الغالب من قضاة. وظل هذا النظام مستخدَماً إلى حدّ كبير منذ ذلك الحين. يدّعي أنصاره أنه يفضي إلى أحكام أكثر توقعاً، بينما يرى منتقدوه أنه قلّل من الدور الشعبي في إدارة العدالة.
كما تراجعت بعض مناطق ما كان يعرف بالإمبراطورية البريطانية عن المحاكمات التقليدية التي أشاعها الحكم البريطاني.
ألغت الهند عملاً كل المحاكمات التي كانت تُقاد بواسطة هيئة محلفين بعد محاكمة قتل شهيرة في عام 1959، حين أدت الضغوط الإعلامية الشديدة والانطباع بوجود تحيز لدى هيئة المحلفين إلى تبرئة مثيرة للجدل لشخصية كاواس مانكشاو ناناواتي.
ألغت سنغافورة تدريجياً نظام هيئات المحلفين بين ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، بحجّة أن عدد السكان القليل ومتعدّد اللغات يجعل الهيئات الممثّلة غير موثوقة. كما ادّعى المسؤولون أن القضايا التجارية المعقّدة تفوق قدرة أشخاص غير مدرَّبين على البتّ فيها وتتطلّب قضاة متخصصين.
سارت ماليزيا على نهج مشابه، فألغت محاكم هيئة المحلفين عام 1995، مشيرةً إلى الصعوبة المستمرة في «تشكيل» هيئة محلفين محايدة تماماً — أي عملية تحديد وانتقاء وتعيين مواطنين رسمياً لسماع القضية.