أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه حسم اختياره لشاغر رئاسة بنك الاحتياطي الفيدرالي المقبل.
رغم أن ترامب لم يؤكد رسمياً اسم المرشح بعد، يبرز اسم واحد كمرشح مفضل بشكل واضح: كيفن هاسِت، مدير المجلس الاقتصادي الوطني في البيت الأبيض.
لماذا يهم من يقود الاحتياطي الفيدرالي؟
بوصفه المصرف المركزي لأكبر اقتصاد في العالم، يُعد الاحتياطي الفيدرالي من أهم المؤسسات المالية على الصعيد الدولي. يقوم البنك بعدة أدوار محورية في الاقتصاد الأميركي، من بينها وضع السياسة النقدية، والإشراف والتنظيم على البنوك، وتعزيز استقرار النظام المالي عبر قيامه بدور “المقرض الأخير”. الوظيفة التي تحظى بأكبر قدر من الاهتمام هي السياسة النقدية، التي يديرها الاحتياطي أساساً عن طريق تحديد أسعار الفائدة.
يجتمع لجنة وضع السياسة النقدية في الفيدرالي ثماني مرات سنوياً لتحديد معدل الأموال الفيدرالي، وهو سعر الفائدة المستهدف الذي تقرض عنده المصارف التجارية بعضها البعض على أساس قصير الأجل. وتعقد اللجنة اجتماعها الختامي لعام 2025 الثلاثاء والأربعاء المقبلين، ويتوقع على نطاق واسع أن توافق على خفض طفيف بمقدار 0.25 نقطة مئوية للمعدل المرجعي، الذي يقع حالياً في نطاق 3.75% إلى 4%.
لمعدل الفائدة المرجعي انعكاسات بعيدة المدى على الاقتصاد ككل، إذ تؤثر تكلفة الاقتراض لدى المصارف على أسعار الفائدة التي تفرضها على العملاء لتمويل المساكن والسيارات والائتمان الاستهلاكي. تقليدياً، وبموجب المهتان المزدوجتان التي يُكلف بها الفدرالي — دعم التشغيل والحفاظ على استقرار الأسعار — يخفض الاحتياطي سعر الفائدة عندما يواجه الاقتصاد ضعفاً، ويرفعه عندما ترتفع الأسعار بسرعة مفرطة. الاقتراض الأرخص يشجع الشركات على الاستثمار والمستهلكين على الانفاق، ما يغذي النمو؛ أما ارتفاع تكلفة الاقتراض فيعمل كفرملة للنشاط الاقتصادي ويساعد على خفض التضخم.
من هو هاسِت وما خلفيته؟
رغم أن هاسِت واحد من عدة أسماء ترددت كمرشحين للمنصب، إلا أنه يتميّز بقربه الطويل من محيط ترامب. هاسِت اقتصادي مهني عُيّن منسقاً أول للسياسة الاقتصادية لدى ترامب بعد أن خدم في إدارته الأولى كرئيس لـ”مجلس المستشارين الاقتصاديين”، المؤسسة البحثية الأقدم مقارنة بالمجلس الاقتصادي الوطني. وبعد مغادرته البيت الأبيض في 2019، عاد لفترة وجيزة كمستشار لشؤون جائحة كوفيد-19.
وفي ما يعد عنصراً حاسماً، أعرب هاسِت عن تأييده لخفض أسعار الفائدة بوتيرة أسرع — مطلب لطالما طالب به ترامب بغضب من رئيس الفدرالي الحالي جيروم باول دون أن يترجم إلى تغييرات سريعة. قال ترامب إن المخاوف من أن تعريفه للتعريفة الجمركية قد يعيد التضخم إلى الارتفاع مبالغ فيها، واقترح أن يُخفض المعدل المرجعي إلى مستوى يصل إلى 1%. وفي مقابلة على قناة فوكس نيوز الشهر الماضي، صرّح هاسِت أنه لو كان في مكان باول لكان “يخّفض الفوائد حالاً”.
يعتقد محللون مثل جوزيف غانيون، الباحث في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، أن هاسِت من المرجح أن يدفع نحو تخفيضات أسرع في المعدلات إذا تولاّى المنصب، وإن كان من غير المرجح أن يتبع إيقاعاً متطرفاً يصل إلى ما يريده ترامب. قال غانيون لـ”الجزيرة”: “أظن أنه من المحتمل أن يسعى هاسِت إلى خفض أسعار الفائدة، لكن ليس بالضرورة وصولاً إلى مستوى 1% الذي يطالب به الرئيس. ربما سيجادل بأن سياسات فض التشريعات وبرنامج ازدهار الذكاء الاصطناعي منحا الاقتصاد هامشاً أوسع للنمو دون أن يولّدا تضخماً مفرطاً.”
قبل ولاياته في البيت الأبيض، عمل هاسِت اقتصادياً في معهد المشاريع الأميركية المحافظ، حيث نشر على نطاق واسع في قضايا الضريبة والتجارة. كما خدم مستشاراً اقتصادياً لحملات رئاسية سابقة، بينها حملات جون ماكين وجورج دبليو بوش ومِت رومني. وبالتحاقه بالعالم السياسي، أمضى فترات في كلية كولومبيا للأعمال وفي قسم البحوث والإحصاءات بالاحتياطي الفيدرالي.
لماذا يثير ترشيح هاسِت الجدل؟
تصوير هاسِت كموالٍ وثيق لترامب أثار مخاوف بشأن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي. القدرة على اتخاذ قرارات نقدية خالية من النفوذ السياسي تعتبر ركيزة أساسية لثقة الأسواق والاقتصاد الأميركي. لكن هذا المبدأ تعرض لاختبار متكرر في ظل هجمات ترامب اللفظية المتكررة على باول ومحاولاته لإنهاء ولايته مبكراً، إضافة إلى ضغوطه لإقصاء الحاكمة ليزا كوك استناداً إلى ادعاءات غير مثبتة تتعلق بجرائم رهن عقاري.
تقول أستاذة المالية أناستاسيا فيديك بجامعة كاليفورنيا بيركلي إن “القلق بشأن استقلالية الفدرالي حقيقي ومبرر”. وأضافت أن القضية تتجاوز مدى قرب هاسِت من الرئيس إلى سياق أوسع: فصل ليزا كوك، ومحاولات اختصار ولاية جيروم باول، وموافقة هاسِت المعلنة على بعض هذه التحركات.
ومع ذلك، لن يملك هاسِت حرية مطلقة إذا رشّح وصادق عليه مجلس الشيوخ. تتألف لجنة السياسة النقدية من 12 عضواً — بمن فيهم أربعة مرشحين اقترحهم الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن — وتُتخذ القرارات بالأغلبية. ووفق ديفيد ويلكوكس، الاقتصادي في بلومبرغ إيكونوميكس ومعهد بيترسون، فإن القائد القادم للاحتياطي سيواجه نفس التحدي الصعب المتمثل في دعم سوق العمل من دون إشعال تضخم مرتفع.
قال ويلكوكس: “من جهة يبدو سوق العمل في تراجع طفيف، ومن جهة أخرى لا يزال التضخم مرتفعاً بشكل ملحوظ مقارنة بهدف الفدرالي عند 2%. هناك مجال واسع لاختلاف الرأي بين عقلانيين حول كيفية موازنة هذين الاعتبارين، لكن لا ينبغي لأحد أن يتظاهر بأن الخيار واضح.” وأضاف أن أي انحراف كبير نحو سياسة نقدية أكثر تساهلاً قد يرفع التضخم لفترة أطول، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لم تمضي إلا للتو عبر أسوأ موجة تضخمية منذ أربعين عاماً، وأن الأميركيين أبدوا رفضهم الشديد للتضخم.
وبالنسبة لأسواق التنبؤ، وضعت منصة كالشي يوم الأربعاء احتمال ترشيح هاسِت عند 86%، مقابل 6% لكيفن وارش و4% لميشيل بومان. في الوقت نفسه، سيبقى قرار ترامب نهائياً فقط بعد الإعلان الرسمي، وسيحدد الإجراء التالي مدى تأثير هذا الترشيح على السياسة النقدية واستقلالية المؤسسة المصرفية المركزية في الولايات المتحدة.