زيارة بوتين إلى دلهي: دفعة للعلاقات أم اختبار لاستقلالية استراتيجية الهند؟
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يبدأ زيارة رسمية ليومين إلى الهند يلتقي خلالها برئيس الوزراء ناريندرا مودي ويحضر القمة السنوية بين البلدين. من المتوقع أن يوقّع الجانبان عدة اتفاقات تجارية واستراتيجية، وتأتي الزيارة بعد أشهر من تصاعد الضغوط الأميركية على نيودلهي للتقلّص من مشترياتها من النفط الروسي.
لماذا تُهمّ الهند الكرملين؟
– حجم السوق: الهند قريبة من مليار ونصف نسمة، ومعدلات نمو اقتصادي تفوق 8%، ما يجعلها من أسرع الاقتصادات نمواً على مستوى الدول الكبرى.
– الطاقة: الهند ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، وزادت وارداتها من النفط الروسي من 2.5% قبل الغزو إلى نحو 35% لاحقاً، مستفيدة من الخصومات السعرية نتيجة العقوبات وتقييد النفاذ الروسي إلى السوق الأوروبية.
– الأسلحة والقوى العاملة: مبيعات الأسلحة إلى الهند أولوية تاريخية بدأت في حقبة الاتحاد السوفييتي، كما تراها موسكوا مصدراً مهماً للعمالة الماهرة.
– البعد الجيوسياسي: تسعى روسيا لإظهار فشل محاولات الغرب لعزلها، وزيارات القادة إلى الصين والهند ولقاء القمة الثلاثية أرسلا رسالة دعم لفكرة عالم متعدد الأقطاب.
الرسائل الدبلوماسية تتجاوز الاقتصاد؛ صورة بوتين إلى جانب شي جين بينغ وموودي أعادت التأكيد على تحالفات موسكو في آسيا والجنوب العالمي، بينما تعلن روسيا عن شراكات «بلا حدود» مع الصين و«خصوصية استراتيجية متميزة» مع الهند.
من المتوقع أن تتصدر خلال الزيارة ملفات:
– الطاقة والاتفاقيات النفطية.
– مبيعات وتحديثات منظومات الدفاع والطيران (صفقات مقترحة للطائرات المقاتلة وأنظمة الدفاع الجوي).
– توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري واستثمارات مشتركة.
اختبار لاستقلالية مودي
زيارة بوتين تأتي في وقت حساس لطموحات مودي العالمية. سياسة «الاستقلال الاستراتيجي» للهند سمحت له بالحفاظ على علاقات وثيقة مع موسكو وفي الوقت نفسه تقوية شراكاته مع الغرب. لكن عودة ترامب إلى البيت الأبيض وتصاعد التوترات التجارية بين نيو دلهي وواشنطن (بحلول فرض إدارة ترامب رسوماً إضافية بنسبة 25% على بضائع هندية) جعلت موازنة هذه العلاقات أكثر دقة.
مودي يسعى لإيصال رسالة داخلية وخارجية مفادها أنه لم يخضع للضغوط الأميركية، لكنه أيضاً يواجه ضغوطاً من حلفاء أوروبيين — سفراء ألمانيا وفرنسا وبريطانيا كتبوا مقالاً مشتركاً ينتقدون موقف روسيا من أوكرانيا — ما يجعله يميل نحو لعب دور دبلوماسي دقيق يضمن عدم المساس بالمصالح التجارية مع الغرب.
الأولويات الاقتصادية والاستراتيجية لمودي
– معالجة خلل الميزان التجاري: بلغ حجم التجارة الثنائية نحو 68.72 مليار دولار بنهاية مارس 2025، ارتفاعاً من 8.1 مليار دولار في 2020، ويرجع ذلك في معظمه إلى زيادة واردات الهند من النفط الروسي مما أوجد انحيازاً كبيراً لصالح روسيا.
– التنويع: مع تراجع طلب بعض الشركات الهندية على النفط الروسي لتفادي عقوبات واشنطن، ستسعى نيودلهي وموسكو لإيجاد محاور جديدة للتبادل، أبرزها الدفاع والتكنولوجيا والتصنيع.
– الدفاع: رغم تراجع نسبة الواردات الدفاعية من روسيا إلى 36% بين 2020 و2024 (مقارنة بقمم 72% و55% في فترات سابقة)، تستمر عدة منصات هندية بالاعتماد على التكنولوجيا الروسية (مثلاً أسراب تستخدم سوخوي‑30 وأنظمة S‑400 كانت حاسمة في نزاع محدود مع باكستان في مايو). تقارير تشير إلى رغبة الهند بالحصول على S‑500 وطائرة Su‑57، لكن روسيا تواجه نقصاً في مكونات حرجية وتأخيرات محتملة لتسليم بعض وحدات S‑400 إلى عام 2026 — وسيطلب مودي ضمانات زمنية واضحة من بوتين.
– فتح الأسواق الروسية أمام المنتجات الهندية: الأرقام توضح ضعف اختراق السلع الاستهلاكية الهندية في روسيا (الهواتف الذكية 75.9 مليون دولار، الروبيان 75.7 مليون، اللحوم 63 مليون، والملابس 20.94 مليون دولار)، ومودي يسعى لخلق مساحة أوسع للبضائع الهندية لتقليل الاعتماد على النفط والدفاع.
خلاصة التفاوض
زيارة بوتين ليست مجرد عودة إلى دبلوماسية الحرب الباردة، بل مفاوضات حول إدارة المخاطر، سلاسل التوريد، والقدرة على العزل الاقتصادي. نتيجة متواضعة قد تضمن استمرارية النفط وصفقات الدفاع؛ نتيجة طموحة قد تعيد تشكيل الحسابات الاقتصادية الإقليمية. في الوقت نفسه، سيقيس العالم قدرة الهند على المحافظة على استقلاليتها الاستراتيجية بينما تتقاطع مصالحها مع ضغوطات كبرى من الشرق والغرب.