تزداد ضربات الولاات المتحدة على زوارق فنزويلا، وتلوّح بإمكانية غزو بري لمكافحة شبكات يُزعم أنها متورطة بتجارة المخدرات، وفي الوقت نفسه أعفى الرئيس دونالد ترامب الرئيس السابق لهندوراس خوان أورلاندو هيرنانديز وأطلق سراحه من حكمٍ بالسجن مدته 45 عامًا في الولايات المتحدة بتهم متعلقة بالأسلحة والاتجار بالمخدرات.
منذ سبتمبر، شنت الولايات المتحدة ضربات على ما لا يقل عن 21 زورقًا فنزويليًا في الكاريبي والمحيط الهادئ الشرقي أودت بحياة أكثر من 80 شخصًا. تؤكد إدارة ترامب أن هذه الزوارق كانت تهرّب مخدرات إلى الأراضي الأميركية، لكن لم تُقدّم أي دلائل علنية تدعم هذه الادعاءات.
في المقابل، لدى الولايات المتحدة تاريخ طويل من الاستفادة من عمليات تهريب المخدرات وميليشياتها لخدمة أهدافها في السياسة الخارجية، بدءًا من حروب الأفيون في القرن التاسع عشر ضد الصين.
هل تكافح الولايات المتحدة أزمة تهريب المخدرات في فنزويلا فعلاً؟
أفاد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن إنتاج الكوكايين وصل رقماً قياسياً عالميًا في 2023 بلغ نحو 3,708 أطنان. غير أن المكتب خلص إلى أن منشأ الكوكايين يكمن أساسًا في كولومبيا وبيرو وبوليفيا، وأن معظم طرق الكوكايين المتجه إلى الولايات المتحدة تمر عبر كولومبيا وبيرو والإكوادور، لا عبر فنزويلا التي تُعدّ ممرًا ثانويًا فقط.
وأفادت إدارة مكافحة المخدرات الأميركية بأن 84% من الكوكايين المصادَر في الولايات المتحدة مصدره كولومبيا، ولم تذكر فنزويلا كمصدر رئيسي.
إذا كان ترامب يريد مكافحة المخدرات فلماذا عفى عن هيرنانديز؟
عفا الرئيس دونالد ترامب عن إدانة خوان أورلاندو هيرنانديز في 28 نوفمبر، وأُفرِج عنه هذا الأسبوع من سجن شديد الحراسة في ولاية فرجينيا الغربية بعد أن كان قد نُقِل إلى الولايات المتحدة عام 2022 وأُدين في 2024 بالتواطؤ لاستيراد كوكايين إلى الولايات المتحدة وحيازة بنادق رشاشة.
برر ترامب قراره بقوله عبر حساباته على مواقع التواصل إن هيرنانديز تعرّض لـ«معاملة قاسية وغير عادلة». لكنها خطوة أثارت شكوكا لدى بعض المراقبين الذين يرون فيها دلالة على أن الهدف الحقيقي من التصعيد ضد فنزويلا قد يكون إزاحة الرئيس اليساري نيكولاس مادورو، المتهم من واشنطن بصلات مع شبكات تهريب، فيما رفعت الولايات المتحدة مؤخرًا مكافأة المعلومات التي تؤدي إلى اعتقال مادورو إلى 50 مليون دولار.
كيف تورطت الولايات المتحدة في تجارة المخدرات عبر التاريخ؟
تُوجّه إلى الولايات المتحدة اتهامات متكررة باستخدام شبكات التهريب لتغذية مصالحها الاستراتيجية على امتداد قرنين تقريبًا. نستعرض بإيجاز بعض المحطات البارزة:
قرن التاسع عشر — حروب الأفيون
في حين يتهم ترامب الصين هذه السنوات بتدفّق الفنتانيل نحو الولايات المتحدة ويستخدم تهديدات التعريفات التجارية لانتزاع تعاونها، كانت القوى الإمبراطورية الغربية آنذاك (بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة) تصدّر الأفيون إلى الشرق سعياً لتوسيع نفوذها التجاري. نتيجة لعجز تجاري مع الصين، بدأ التجّار البريطانيون في تهريب الأفيون الهندي إلى جنوب الصين، وتبِعهم التجّار الأميركيون لترويج صادراتهم. أدى تصدّي السلطات الصينية لتجارة الأفيون عام 1839 إلى اندلاع حرب الأفيون الأولى وانتهت بهزيمة الصين عام 1842. لم تدخل الولايات المتحدة عسكريًا في الحرب لكنها كانت حاضرة تجاريًا، مستوردة كميات محدودة من الأفيون من تركيا والهند. وثيقة معاهدة وانغشيا عام 1844، رغم نصها الظاهري ضد تجارة الأفيون، فتحت خمسة موانئ للتجارة مع الغرب وسهلت توسع التجار الأميركيين في السوق الصينية. بعد نحو عشرين عامًا جرت حرب الأفيون الثانية (1856–1860) حيث اضطُرّت الصين بضغط القوى الإمبراطورية إلى قبول تقنين تجارة الأفيون.
الستينات والسبعينات — لاوس خلال حرب فيتنام
خلال النزاع الممتد بين 1955 و1975، شغلت الولايات المتحدة دورًا عسكريًا في فيتنام ومناطق مجاورة من لاوس وكمبوديا. نفّذت وكالة الاستخبارات المركزية عمليات سرية في لاوس لتدريب مليشيات محلية مثل قومية الهمونغ في الشمال الجبلي لمواجهة القوات الشيوعية وحركة باتِّيه لاو. اعتمدت مجموعات الهمونغ اقتصاديًا على زراعة شقائق النعمان (الخشخاش) لإنتاج الأفيون كمحصول نقدي، ويشير المؤرخ ألفرد ماكوي إلى أن المعارضة المدعومة من السي آي إيه استخدمت وسائط نقل سرية لنقل الأفيون إلى أسواق إقليمية ودولية لتأمين تمويل للمحرّكين، بينما لم تعترف وكالة الاستخبارات رسميًا بأي دور مباشر في هذه التجارة.
الثمانينات — أثناء الحرب السوفييتية‑الأفغانية
غزت القوات السوفييتية أفغانستان عام 1979. ازدهرت زراعة الخشخاش في محافظات خاضعة للمجاهدين مثل هلمند وننجرهار، ويتهم عدد من المؤرخين ومنهم ماكوي أن المجاهدين المدعومين من الولايات المتحدة مولوا جزءًا من جهودهم الحربية عبر شبكات إنتاج وتهريب الأفيون. مرت مسارات التهريب عبر باكستان وإيران، لتغذي أسواق أوروبا والشرق الأوسط على حد سواء.
أدت الحرب السوفيتية–الأفغانية إلى واحدة من أقوى الطفرات في إمدادات الهيروين على الصعيد العالمي في أواخر الثمانينيات. وكشف تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في عام 2001 أن أفغانستان كانت في عام 1999 تنتج 79% من الأفيون غير المشروع عالمياً. كما تزعم وثيقة لوكالة الاستخبارات المركزية تعود إلى عام 1986 وجود استخدام واسع للمخدرات بين الجنود السوفييت في أفغانستان، وأن بعض هؤلاء الجنود أدخلوا مخدرات إلى الاتحاد السوفيتي. ومع ذلك، لم تعترف وكالة الاستخبارات المركزية علناً يوماً بدعم زراعة الأفيون أو تهريبه في أفغانستان.
ثمانينيات القرن العشرين — تداعيات ما بعد الحرب الأفغانية في باكستان
بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979، تعاونت وكالة الاستخبارات المركزية مع جهاز الاستخبارات الباكستاني (ISI) لتسليح المجاهدين الأفغان ضمن ما سمي بعملية «سايكلون». غذّت اقتصاد الحرب زيادة إنتاج الهيروين في منطقة الهلال الذهبي التي تضم أفغانستان وباكستان وإيران. ولعبت المناطق القبلية الباكستانية، خصوصاً بلوشستان وإقليم خيبر باختونخوا الحديث، دور ممرات عبور رئيسية لصادرات الهيروين إلى الغرب.
ثمانينيات القرن العشرين — فضيحة إيران–كونترا
من خمسينيات القرن الماضي وحتى الثمانينيات دعمت الوكالة جهوداً محلية لاحتواء المد الشيوعي في أمريكا اللاتينية. في نيكاراغوا، أيّدت الولايات المتحدة جماعة مناهضة يسارية مضادة (الكونترا) التي كانت تقاتل حكومة الساندينيستا الموالية لكوبا خلال الثمانينيات. أثنى الرئيس رونالد ريغان عام 1985 علناً على الكونترا باعتبارهم «ما يعادل أخلاقي لمؤسِّسينا».
تزامن ذلك مع حرب إيران والعراق (1980–1988)، التي بدأت بغزو العراق لإيران. في عام 1985 طلبت إيران سراً شراء أسلحة من الولايات المتحدة في وقت كانت فيه عقوبات تمنع البيع العلني. مع ذلك قامت إدارة ريغان ببيع أسلحة لإيران بهدف تعزيز موقع الولايات المتحدة في المنطقة وتأمين الإفراج عن رهائن أمريكيين، معظمهم دبلوماسيون ومرسلون، كانوا محتجزين لدى حزب الله في لبنان. وإن كانت الإدارة قد أنكرت ذلك في البداية، فقد اعترفت لاحقاً بأن صفقات السلاح هدفت إلى تحرير الرهائن.
في الأثناء، مرر الكونغرس تعديل بولاند الذي حد من دور الولايات المتحدة ومنع تمويل الكونترا؛ فالتف أعضاء في مجلس الأمن القومي حول الحظر عندما حولوا أرباح صفقات السلاح مع إيران لتمويل الكونترا دون موافقة برلمانية. في كتابه الصادر عام 1998 «التحالف المظلم: وكالة الاستخبارات المركزية والكونترا وثورة الكراك»، ربط الصحفي الاستقصائي غاري ويب بين داعمي الكونترا ووباء مخدر الكراك في لوس أنجلوس، وادعى أن مجموعة مرتبطة بالكونترا هرّبت كوكاييناً إلى الولايات المتحدة وتم بيعه كـ«كراك» في لوس أنجلوس، وأن العائدات خدمت تمويل الكونترا، مع مزاعم بأن الوكالة كانت على علم بهذه المعاملات أو دعمتها.
السبعينيات والثمانينيات — عهد مانويل نورييغا
حكم مانويل نورييغا بنما كرئيس عسكري بين 1983 و1989. كان نورييغا منذ ستينيات القرن الماضي معلماً موثوقاً ومصدراً للمعلومات لدى وكالة الاستخبارات المركزية، حيث شاركها معلومات عن الحركات السياسية في أمريكا اللاتينية وأنشطة السوفييت والكوبيين في الإقليم. وفي المقابل، تُتهم له تسهيلات لعمل شبكات المخدرات الكولومبية، لا سيما كارتل ميدييِّن، التي استخدمت بنما كممر لشحنات الكوكايين. في حين كانت تقارير إعلامية محلية تشير إلى أن ميدييِّن مسؤول عن أكثر من نصف الكوكايين المهرب إلى الولايات المتحدة في تلك الحقبة، استمر تعاون نورييغا الاستخباراتي مع أجهزة أميركية إلى أن وُجهت إليه اتهامات عام 1988 تتعلق بتجارة المخدرات والابتزاز وغسل الأموال.
الثمانينيات والتسعينيات — هايتي في فترة الانقلابات
من أواخر الثمانينيات حتى منتصف التسعينيات شهدت هايتي اضطراباً سياسياً متواصلاً: سلاسل من الانقلابات وسطاء حكم عسكري وحكومات مدنية قصيرة الأمد زادت من حالة اللااستقرار. خلال تلك الفترة اتُهم عدد من ضباط الجيش والشرطة الهايتيين المترابطين بشبكات استخباراتية مرتبطة بالوكالة بتسهيل تهريب الكوكايين إلى الولايات المتحدة، مستخدمين هايتي كميناء عبور نحو فلوريدا ومناطق أخرى.
هل اتُّهم جنود أميركيون بتهريب المخدرات؟
نعم. ظهرت حالات اتهام لأفراد من القوات الأميركية بالاتجار بالمخدرات. نشر الصحفي الاستقصائي سيث هارب كتابه «عصابة فورت براج: تهريب المخدرات والقتل في قوات العمليات الخاصة» الذي كشف عن جرائم قتل وتهريب مخدرات وفساد متغلغل بين عناصر القوات الخاصة في فورت براج على مدى العقد المنصرم. في 2023 اعتُقل ما لا يقل عن 17 من أفراد قوات الولايات المتحدة في كوريا (USFK) بتهمة تهريب مخدرات في كوريا الجنوبية، ولم يتوفر تحديث عام حول مجريات تلك القضايا. وفي عام 2005 احتُجز أربعة جنود أميركيين كانوا في مهمة لمكافحة المخدرات في كولومبيا بعد العثور على 15 كغم من الكوكايين على طائرتهم العسكرية، ولا يزال نقص المعلومات العلنية يحيط بمتابعة هذه الملفات.
لم أتلقَّ أي نصٍ لترجمته وإعادة صياغته. ارسل لي النصّ الذي ترغب في ترجمته وسأعيد صياغته بالعربية الفصيحة على مستوى C2 مع عناية خاصة بالأسلوب والوضوح.