من منظور موسكو، العائق الرئيس أمام تحقيق السلام هو رفض أوكرانيا القبول بشروط روسيا لإنهاء الحرب. كييف وحلفاؤها الأوروبيون بدورهم يرون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الذي يعطل التوصل إلى هدنة.
اجتماع رفيع ومستوى الحوار
سافرت يوم الثلاثاء وفدٌ من الولايات المتحدة إلى موسكو لإجراء محادثات رفيعة المستوى مع بوتين استمرت خلف الأبواب المغلقة نحو خمس ساعات. ضمّ الوفد المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف وصهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر. وصف مستشار بوتين، يوري أوشاكوف، اللقاء بأنه «مفيد وبنّاء»، لكنه أقرّ بأن «هناك عملاً كبيراً أمامنا». أشار إلى أن رغبة أوكرانيا في الانضمام إلى الناتو تمثّل «مسألة محورية»، وأنه لم يتم التوصل إلى حل وسط بشأن القضايا الإقليمية.
قراءة كييف والغرب
تعتبر المسؤوليات الأوكرانية والمراقبون الغربيون موقف روسيا مستنكراً، لا سيما وأن موسكو بدأت هجومها الشامل على أوكرانيا في 2022. بالنسبة لهم، استمرار القصف على المدن الأوكرانية دليل على أن لدى بوتين مصلحة محدودة في السلام الحقيقي.
تحليلات روسية متباينة
يرى بعض المحللين الروس، الذين يتقاربون في آرائهم مع الخطّ الرسمي، أن كييف تعرقل مسار التوصل إلى تسوية سلمية. يقول سبارتاك بارانوفسكي، من نادي ديغوريا الخبير في موسكو، إن «نظام كييف saboteur التقدّم في اتجاه تسوية سلمية، ويشوّه الوقائع ويحاول تأجيل المحاسبة»، معتبراً الجانب الأوكراني شريكاً «غير موثوق به» بعد رفضه تنفيذ اتفاقات مينسك ومن ثم رفضه المعالم الأولية لاتفاقية السلام المفاوضة في إسطنبول عام 2022.
خلفية واتصالات سابقة
اتفاقات مينسك (2014–2015) وُقّعت بهدف إنهاء الحرب في الدونباس، حيث كانت قوات مدعومة من روسيا تقاتل حكومة كييف. وبعد الغزو الواسع في 2022، جرت لقاءات بين الممثلين الروسيين والأوكرانيين في بيلاروسيا وتركيا، لكنها لم تؤدِّ إلى سلام دائم.
آراء من الشارع الروسي
ثمة آراء متباينة في روسيا؛ بعض الأشخاص يلومون موسكو على اندلاع الحرب لكنهم يعتقدون أن حلفاء زيلينسكي الأوروبيين دفعوه إلى إطالة أمد القتال. سيدة أعمال من سانت بطرسبرغ، رفضت الكشف عن اسمها الكامل، قالت إن ترامب يبدو الوحيد الذي يتصرف بعقلانية في المشهد الحالي، على الرغم من ما وصفته بجنونه الفطري. وأضافت أن الكفة ميدانيًا تميل لمصلحة روسيا حالياً، وأن القادة العسكريين الأمريكيين ــ بحسب رأيها ــ يدركون ذلك جيداً.
تقدّم ميداني ونفي كييف
أعلن المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن القوات الروسية استولت على مدينة بوكروفسك الاستراتيجية في شرق أوكرانيا، منهيًا حصاراً دام عامين؛ وقد نفت أوكرانيا سقوط المدينة، بينما تكافح قواتها في مناطق عدّة لإيقاف التقدّم الروسي خلال الأشهر الأخيرة.
بنود مقترحة لاتفاق سلام
تشمل مسودات الشروط المقترحة انسحاباً لقوات أوكرانيا من أجزاء من منطقة الدونباس ليست محتلة بعد، لتصبح منطقة منزوعة السلاح وحيادية ولكن معترفاً بها دولياً كأراضٍ روسية. كما ينصّ المقترح على الاعتراف بشبه جزيرة القرم وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك كأجزاء من روسيا، وتحديد قيود على حجم القوات الأوكرانية إلى 600 ألف عنصر، والتخلي عن طموحات الانضمام إلى الناتو، مع دراسة مسألة الانضمام للاتحاد الأوروبي. في المقابل، يتعيّن على روسيا تعهّد عدم غزو دول أوروبية إضافية وتثبيت ذلك قانونياً، واقتُرح أيضاً عفو محتمل عن جرائم الحرب.
تصريحات بوتين وردود كييف
أقرّ بوتين الأسبوع الماضي بأن الخطة «يمكن أن تكون قاعدة لاتفاقات مستقبلية»، مؤكداً: «إذا انسحبت القوات الأوكرانية من الأراضي التي تحتلّها، فإننا سنتوقف عن القتال. وإن لم تفعل، فسنسعى لتحقيق أهدافنا عسكرياً». من جهتهم، كرّر المفاوضون الأوكرانيون لزملائهم الأمريكيين رفضهم التخلي عن أي أراضٍ.
هل تستطيع روسيا الاستمرار سنوات؟
يقول الخبير الاقتصادي الروسي فلاديسلاف إينوزيمتسيف إن بوتين «يفهم أن الوقت يميل لصالحه»، وأنه واثق من قدرته على الاستمرار عاماً أو عامين وربما أكثر، مشيراً إلى أن المشكلة الحقيقية قد تكون في الإرادة الأوروبية والأمريكية على الاستمرار في القتال. قبل أيام من الاجتماع، صعّد بوتين التحذيرات تجاه اوروبا قائلاً إن روسيا ليست بصدد بدء حرب مع القارة، لكنه مستعد إذا حدث أي تصعيد.
قابلية الاستدامة الميدانية
يتفق محلّلون مثل إينوزيمتسيف وبارانوفسكي على أن روسيا قادرة على مواصلة جهودها الحربية لفترات طويلة. كانت هناك صعوبات في بداية الصراع ــ منها الحاجة للتعبئة ونقص الذخيرة والسلاح ــ لكنّها تجاوزت كثيراً من تلك العراقيل، مع تقديم رواتب مجزية لجنود جدد وتدفّق متواصل للمتطوعين، فيما كانت توقعات العجز في الذخائر أسرع من الواقع.
خلاصة
اللقاءات الأخيرة كشفت عن تباين عميق في الرؤى: موسكو تصرّ على شروط تحول دون وجود تهديد أمني لها في شرق أوروبا، بينما كييف وحلفاؤها يرفضون التنازل عن سيادة أراضيهم. الطريق إلى سلام مستدام يبقى غير واضح، والرهان الآن على مدى استعداد الأطراف لتقديم تنازلات استراتيجية أو على مزيد من الاحتدام الميداني الذي قد يمكّن أحد الأطراف من فرض شروطه. في الواقع تُنتَج الذخائر الآن بنشاط أكبر مما كانت عليه قبل الحرب.
يعتقد إينوزمتسيف أن الأمريكيين الآن مصممون للغاية إما على إنهاء هذه الحرب أو على الانسحاب التام من أي دعم لأوكرانيا.
«أظن أن هذا قد بُلِّغ بوضوح إلى كييف»، قال. «ولذلك سيُقنع الأوكرانيون إلى حدٍ ما… فهم يدركون أن الأوروبيين لن ينقذوهم. فإذا انسحب الأمريكيون بالكامل من هذه العملية، فلن تمتلك أوروبا لا المال ولا العزيمة لدعم هذه القضية على مدى سنوات.»
وأضاف إينوزمتسف أن اتفاقاً ما قد يكون لا يزال في مصلحة أوكرانيا.
«إذا تمكنوا من ضمان قوة عسكرية قدرها ستمائة ألف جندي والحصول على هدنة لمدّةٍ لا تقل عن بضع سنوات، فذلك في الحقيقة حل للمشكلة»، قال.
«سيبقى بوتين تهديداً دائماً، ولذلك المهمة الأساسية للغرب هي أن يصمد حتى يتجاوز بوتين عمره (73 عاماً). إذا حصل توقّف في القتال لثلاث إلى خمس سنوات، فسوف يقترب ذلك من نهاية حياته، ما يجعل تأثيره وجرأته أقل بطبيعة الحال.»
أي اتفاق سلام محتمل ورفع للعقوبات سيكونان مفيدين للاقتصاد الروسي، لكن إينوزمتسيف وبودرايتسكس يشكّان في أن تعود الحياة إلى ما كانت عليه قبل 2022. يتوقّعان أن يبقى المجتمع شديد العسكرة وخاضعاً لرقابةٍ محكمة.
«لا يمكن أن يكون هناك سلام ولا عودة إلى وضع طبيعي تُلغى فيه كل الإجراءات التي ترسخ ديكتاتورية قمعية كاملة، لأننا لم نعد نواجه تهديداً خارجياً مباشراً»، قال بودرايتسكس.
«هذا جزء من تصميم نظام بوتين في روسيا وطريقة ترتيب سلطته: حربٌ لا تنتهي توحّد النخبة الروسية تحت الراية، وقمعٌ لكل من يعبّر عن معارضة داخل البلاد… هذه ليست تدابير استثنائية مؤقتة تُفرض في زمن الحرب فحسب، بل هكذا سيستمر في الحكم.» وأضاف بودرايتكس أن «الحرب بأي شكل» ضد أوكرانيا أو أوروبا أو دول البلطيق أو «أي طرف» هي عنصر جوهري في «الطبيعية» التي أرساها بوتين في روسيا بعد 2022.
لذلك، ستستمر الحرب على جبهات مختلفة لكي يبقى هذا النظام، تنبّأ.
بعض الروس استعدّوا بالفعل لمرحلة طويلة الأمد.
«حتى تنسحب أمريكا بجنود احتلالها من الاتحاد الأوروبي، الحرب لن تنتهي»، قال سيرجي كالينيك، مستشار إعلامي من موسكو.