رهاب الأجانب يهيمن على العالم — آراء

«لا أريدهم في بلادنا. سأكون صريحاً معكم. قد يقول البعض إن هذا ليس سلوكاً سياسياً ملائماً، لكن لا يهمني. لا أريدهم هنا. بلدهم سيئ لأسباب…»

بهذه العبارات علّق الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مهاجرين صوماليين خلال أول أيام حملة تشدد في سياسة الهجرة استُهدفت فيها تلك الجالية. أصرّ على أن المهاجرين الصوماليين حوّلوا ولاية مينيسوتا — حيث يشكل أصلهُم الصومالي نحو اثنين في المئة من السكان — إلى «جحيم» وأنه يجب أن «يغادروا». ثم وجّه غضبه إلى منتقدته البارزة، النائبة إلهان عمر المولودة في الصومال والممثلـة الديمقراطية عن مينيسوتا، قائلاً: «إنها نفاية. أصدقاؤها نفاية. هؤلاء ليسوا من عبّاد العمل. ليسوا من يقولون: هيا، لنجعل هذا المكان عظيماً».

لا جديد في هذا الكلام؛ فقد كان كراهية المهاجرين واللاجئيّن دوماً عنصرَ تماسك في خطاب حركة «اجعلوا أميركا عظيمة». من ينسى كيف سعى بعض الجمهوريين الموالين لتيار MAGA إلى محاولة سحب الجنسية الأميركية من زوهـران ممداني، الفائز بمنصب عمدة مدينة نيويورك؟ منذ صعود ترامب أصبحت عداوة الحكومة والمجتمع تجاه المهاجرين ليست مجرد خطاب هامشي بل مبدأٌ حاكِم في صناعة السياسات.

لكن انتشار خطاب معاداة الأجنبيّين وتكريسه من قِبل من في مواقع السلطة ليس حِكرًا على أميركا المتجهة نحو الانعزال. ذات الأساليب والبلاغة تتسرب إلى فضاءات أخرى، لتكوّن اتجاهاً عالمياً يتجاوز حدود القارة. الدنمارك مثال واضح.

تحت غطاء صورة مصقولة عن مجتمع تقدّمي وإنساني ومنظّم، مبني على الرعاية الصحية الشاملة، ومربعات ليغو، ومدن قابلة للحياة، وجمالية التصميم البسيط، تحوّلت الدنمارك في السنوات الأخيرة إلى إحدى أكثر دول أوروبا تشدداً في قضايا الهجرة واللجوء. في الانتخابات المحلية الأخيرة ظهر خطاب معادٍ للإسلام بوضوح، ومع اقتراب الانتخابات الوطنية 2026 جعل الحزب الاشتراكي الديمقراطي محاربة «مشكلة الهجرة» محور حملته.

يقرأ  الإعصار «إيرين»يهدد الساحل الشرقي للولايات المتحدة بأمواج مهدّدة للحياة

في المملكة المتحدة أيضاً، يبدو أن ما يُعرَف بالحكومة العمالية المستجيبة للتيار التقدمي تميل إلى الاقتداء بالنموذج الدنماركي. تحت ضغط اليمين المتطرف وارتفاع شعبية حزب «ريفورم يو كيه»، يحاول رئيس الوزراء كير ستارمر إقناع الناخبين بأنه قادر على استعادة السيطرة على الحدود ومعالجة فصلٍ يصفه بأنه قذر في سياسة الهجرة البريطانية. حذّر من أن بريطانيا قد تتحول إلى «جزيرة من الغرباء» إذا لم تُخفض الهجرة بصورة جذرية، ووعد بأن إصلاحات حكومته ستخفض أعداد المهاجرين. لافت أن وزيرة الداخلية شَبانة محمود أرسلت مسؤولين إلى الدنمارك لدراسة نظامها للهجرة واللجوء، ما يعكس تشدّداً واضحاً في نهج الحزب.

بخارج العالم الغربي أيضاً تتصاعد العنصرية ضد الأجنبيّين، وهي سُنّةُ سياسة وممارسة من ليبيا إلى جنوب إفريقيا، ما يبرز أن معادات المهاجرين باتت أداةً حكومية عالمية.

المهاجرون المتجهون نحو أوروبا في ليبيا يتعرضون لمستويات مروعة من العنف والانتهاكات. تقول منظمة العفو الدولية إنهم عرضة للاحتجاز التعسفي الطويل، والاختفاء القسري، والتعذيب، والاغتصاب، والقتل غير القانوني، والابتزاز، والعمل القسري. كل ذلك يحصل ضمن منظومة تساندها حكومات أوروبية مولت ودربت وموّنت وحدات خفر السواحل الليبية المكلفة باعتراض المهاجرين قبل وصولهم إلى المياه الدولية. حرص دول الاتحاد الأوروبي على تقليل تدفقات البحر الأبيض المتوسط دفعها إلى تفويض رقابتها الحدودية لليبيا رغم علمها بالنتائج، ومساندة قدرة السلطات على الاستمرار في ممارسات قد ترقى — بحسب الأمم المتحدة — إلى جرائم ضد الإنسانية.

في تونس، تعرّض المهاجرون السود من دول إفريقيا لاعتداءات متفرقة لسنوات. في مطلع 2023 زعم الرئيس قيس سعيّد وجود مخطط إجرامي لتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس عبر الهجرة غير النظامية، وتحويلها إلى دولة «أفريقية» محايدة عن الأمة العربية والإسلامية. أثارت تصريحاته موجة هجمات عصابات على المهاجرين والطلاب واللاجئيّن، وزيادة في الاعتقالات التي بدت أحياناً موجهة على أساس المظهر. شملت الاعتقالات مهاجرين بلا وثائق، ولاجئين مسجلين وطالبي لجوء، وأشخاصاً بحوزتهم أوراق قانونية، مما يوضّح كيف يمكن للدولة أن تغير ممارساتها بمجرد إعطاء العنصرية سنداً سياسياً.

يقرأ  فلوريدا تلغي جميع اشتراطات تطعيم الأطفال

في جنوب أفريقيا ما بعد الفصل العنصري، باتت معاداة الأجانب سمة ثابتة في الحياة العامة والسياسة. يسجّل مشروع «زيناواتش» التابع لجامعة ويتواترسراند أكثر من ألف حادث عنصري منذ 1994، شملت نزوحاً، ونهباً لمحلات مملوكة للمهاجرين، وجرائم قتل. بلغ ذروة الوفيات عام 2008 باثنين وسبعين قتيلاً، ومع أن عدد القتلى عام 2025 انخفض إلى ستة عشر، إلا أن إجمالي الحوادث عاد ليلمس مستويات 2008، ما يؤكد استمرار الأزمة.

أبان جائحة كوفيد-19 عن تهميشٍ منهجي للمجتمعات المهاجرة، إذ استبعدتهم الدولة من برامج الإغاثة وصنّفت حماية المواطنين كأولوية. شيدت حكومة سود أفريقيا سياجاً طوله 40 كيلومتراً على حدود زيمبابوي لمنع دخول «مصابين» أو «غير نظاميين»، مع أن زيمبابوي سجلت حينها حالات قليلة مقارنة بجنوب أفريقيا. أعاد السياسيون تأكيد أساطير حول محلات مملوكة للأجانب كمصادر خطر صحي، وعندما أُعلن أن متاجر «سبازا» يمكنها البقاء مفتوحة، صرَّحت وزيرة ريادة الأعمال الصغيرة أن المتاجر المملوكة ومدارة من قبل مواطنين جنوب أفارقة فقط هي المسموح لها بالعمل.

كما برزت تعبئة صريحة ضد المهاجرين داخل المجتمع نفسه؛ حركة «ضع الجنوب أفارقة أولاً» نظمت مسيرات تطالب بترحيل جماعي لمهاجرين أفارقة ووجّهت اتهامات لهم بتفاقم أزمات مثل المخدرات والاتجار بالبشر وخطف الأطفال. من داخل هذا التيار خرجت مجموعة الحراسة الشعبية «أوبيريشن دودولا» عام 2021، التي تدّعي مكافحة الجريمة لكنها اشتهرت بالمطالبة بترحيل جماعي ومنع المهاجرين من الوصول إلى المستشفيات ومهاجمة ووقف نشاط محلات ومشروعات مملوكة لأجانب.

والقائمة تطول: قيود متزايدة في كولومبيا، وبيرو، وتشيلي، والإكوادور لوقف تدفّق فنزويليين؛ وسلطات هندية تقوم بترحيل قسري لمسلمي البنغال إلى بنغلاديش بدعوى أنهم بلا أوراق، من دون مراعاة ضمانات دستورية أو معايير حقوق الإنسان الدولية. العنصرية لا تقتصر على جهة أو فكر؛ لقد نسِجت في النسيج السياسي لبلدان حول العالم.

يقرأ  فلسطينيون يُجبرون على البقاء تحت إغلاق شامل مع استمرار الهجوم الإسرائيلي في الضفة الغربية أخبار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

لماذا نرتضي هذه السرديات والسياسات المعادية للغريب؟ لأنها ملائمة. تسمح للدول والمجتمعات بنقل مسؤولية إخفاقاتها الداخلية إلى خارجيّين، فتبسّط مسارات معقدة من أزمات اقتصادية وسياسية إلى كبش فداء سهل. ترجع جذور المشكلات غالباً إلى سوء إدارة، وسياسات تقشّفية، وتعمّق عدم المساواة وعمل غير آمن، لا إلى قدوم الغرباء.

في هذا الإطار يصبح المهاجر جاهزاً ليُحمّل وزر كل الأخطار: تُنسب إليه أيديولوجيات خطيرة، ويصوَّر على أنه يستنزف الموارد، ويحمل الأمراض، أو جزء من مؤامرة لتبديل النسيج الديموغرافي والثقافي. تتحول التصورات إلى واقع؛ فاللوم على الخارج يُريحنا ويشيّع الاعتقاد بأن مصدر الخلل ليس داخلنا. والمأساة أن الفساد والاختلالات في أنظمتنا تبقى دون معالجة، وأن اتهام «الآخر» لا يجعل مجتمعاتنا أكثر عدلاً أو أمناً أو إنسانية؛ بل يمنح قادةً غير راغبين في مواجهة أزمات صنعوها هامش وقت فقط.

وجهات النظر المعبر عنها هنا تعكس رأي الكاتب ولا تمثل بالضرورة سياسة الجزيرة التحريرية.

أضف تعليق