الاقتصاد المصري يستقر… ومع ذلك تظل تحديات الفقر قائمة أخبار الأعمال والاقتصاد

مصر في مقدمة الصفحات الدولية

عادت مصر إلى الواجهة الدولية في النصف الثاني من هذا العام، بعدما استضافت مؤتمر شرم الشيخ في أكتوبر الذي جمع قادة عالميين وإقليميين حول خطة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ولاحقاً افتتحت في نوفمبر متحف مصر الكبير بجوار الأهرامات في احتفال عالمي لافت. لكن هذه الفعاليات الكبيرة طغت على تطورات داخلية مهمة لم تحظَ بنفس القدر من الاهتمام، أبرزها الانتخابات البرلمانية التي بدأت جولتها الأولى في نوفمبر مع جولات إعادة في أوائل ديسمبر.

الانتخابات والاصطفاف المؤيد للحكومة

هيمنت على المشهد ائتلافات حزبية موالية للحكومة تقدمت بالقوائم الحزبية دون منافسة حقيقية، فيما يتنافس مرشحون أفراد على النصف الآخر من المقاعد، وهي معادلة تجعل الفوز بعيد المنال لمن يفتقر إلى الموارد المالية والصلات اللازمة. يرى منتقدون أن الصراع الفعلي يدور بين أنصار الرئيس عبد الفتاح السيسي، ووصفت مجموعة من منظمات حقوق الإنسان أن العملية الانتخابية جرت “في ظل قيود مزمنة وشديدة على المشاركة السياسية ذات المعنى”.

في هذا السياق لم تجذب الانتخابات اهتماماً شعبياً واسعاً، وهو نمط استمر منذ تولي السيسي السلطة قبل أكثر من عقد إثر انقلاب أطاح بأول رئيس منتخب ديمقراطياً، محمد مرسي. يقول صاحب شركة في قطاع النسيج — طلب عدم ذكر اسمه خشيةً من تبعات — إن الانتخابات اليوم “أقل أهمية حتى مما كانت عليه في عهد مبارك؛ ليست حديث الساعة”، وأن الشعارات واللافتات أقل بكثير مقارنة بمناسبات انتخابية سابقة.

ضخّات رأسمالية وملامح أداء الاقتصاد

في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة، تُنسى أحياناً الأزمة الاقتصادية الحادة التي شهدتها مصر قبل أقل من عامين. دفعت قروض ومنح من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى وعود استثمارية كبيرة من الإمارات في أوائل 2024، إلى تفادي انهيار اقتصادي أوسع.

على الورق تبدو المؤشرات واعدة: تحسّن تصنيف مصر الائتماني، وتسارع نمو الناتج المحلي، وتراجع معدلات التضخم التي أنهكت المواطنين طويلاً، واستمرار تدفق رؤوس الأموال الخليجية. مثال على ذلك خطط قطر لتطوير شريط ساحلي قرب العلمين على البحر المتوسط، بجانب مشاريع ممولة من الإمارات قيد التنفيذ.

يقرأ  وكلاء الذكاء الاصطناعي في التعلّمدليل استراتيجي عملي(إطلاق الكتاب الإلكتروني)

أكمل صندوق النقد الدولي أوائل هذا العام مراجعته الرابعة لإصلاحات الاقتصاد المصري وفق شروط القرض، ووافق على صرف نحو 1.2 مليار دولار إضافية من حزمة إجمالية قدرها 8 مليارات دولار، سحبت مصر منها حتى الآن نحو 3.2 مليار دولار. ورغم أن الصندوق لا يزال يعبر عن قلقه من سيطرة الدولة والجيش على مفاصل الاقتصاد — وهي مسألة متكررة منذ عهد السيسي — فإن الرسالة العامة تشير إلى أن الأداء في مجمله يسير وفق التوقعات، وأن مصر، وسط استقرار اتفاق السلام مع إسرائيل، تبدو كبيرة بما يكفي حتى لا تُترك للانهيار.

الأموال المتوفرة على أرض الواقع

أسفرت تلك التدفقات عن أثر ملموس: توجد دولارات في البنوك، وسعر الجنيه المصري استقر نسبياً بعد تعرُّضه لخفض كبير في 2024، ما خدم مجتمع الأعمال. “صادراتنا ترتفع كل ربع” يقول صاحب شركة نسيج، مشيراً إلى دخول عديد الشركات التركية إلى السوق المصرية جاذبة بتكلفة اليد العاملة المنخفضة، وهو ما كان الهدف من خفض قيمة العملة: تقليل تكلفة العمالة بالعملة الصعبة وجذب الإنتاج المعتمد على العمالة غير الماهرة إلى مصر.

وبينما تشكل المنافسة التركية تهديداً لبعض الشركات المحلية، يعترف صاحب المصنع بآثار إيجابية على أجور العمال: “اضطررت لرفع الرواتب لمواكبة عروض الشركات التركية، وأرى تأثيراً إيجابياً على الناس”. مع ذلك، بقيت الأجور عند قياسها بالعملات الصعبة أقل مما كانت عليه قبل تعويم الجنيه في 2024، وإن كان أصحاب الأعمال يتوقعون تحسناً سنوياً تدريجياً.

مهندس يعمل في مصنع للصلب، محمد أسامة، لاحظ أيضاً تحسناً في ظروف العمل اللوجيستية، إذ تعتمد شركته على استيراد المواد الخام وتصدير منتجات ذات قيمة مضافة أعلى. قال إن “استقرار سعر الصرف أحدث فرقاً كبيراً؛ أصبحت عمليات الاستيراد والتصدير أكثر قابلية للتنبؤ. لم تعد هناك مشكلات كبيرة في تحويل الأموال؛ ومعرفة موعد وصول الشحنات أصبحت أكثر دقة. هناك دولارات متاحة”. وأضاف أن زمن انتظار وصول شحنة مواد خام تراجع إلى شهر بدلاً من ثلاثة إلى ستة أشهر، ما سمح للمصانع بإعادة التوظيف، وإن ظلّت العقود مؤقتة في كثير من الحالات ما يجعل العمال حذرين.

يقرأ  مقتل عشرات في غارة بطائرة مسيّرة على مسجد في السودان بحسب مسعف

قراءة نقدية: علاج الأعراض لا الجذور

رغم التفاؤل النسبي بين رجال الأعمال، يبقى تشاؤم اقتصادي واضح لدى محللين مستقلين. أوسام دياب، اقتصادي سياسي مصري يعمل بجامعة لوڤن في بلجيكا، يشكك في أن القروض والاتفاقيات الاستثمارية عالجت جذور المشكلات: “هذه التدابير تعالج الأعراض في المقام الأول”، كما قال في رسالة إلكترونية. وأضاف أن الاقتصاد لا يزال معتمداً على رفع أسعار الفائدة لجذب العملة الصعبة، مع وجود اختلالات كبيرة في ميزان المدفوعات.

وتُظهر المؤشرات أن النشاط الخاص غير النفطي ظل في حالة انكماش معظم السنوات الخمس الماضية، ويرجع ذلك جزئياً إلى ضعف الطلب المحلي. “القدرة الشرائية ليست قوية؛ لم تتحسن بعد” يؤكد صاحب شركة النسيج، مضيفاً أن الزبائن يشتكون من شحّ السيولة النقدية، وهذا لا يقتصر على قطاع النسيج بل يشمل قطاعات عدة.

المزيد من التحسينات لازالت ضرورية

يوضح دياب أن أموال المؤسسات الدولية والاستثمارات تُستخدم في المقام الأول لسداد الديون بدلاً من توجيهها نحو أنشطة تخلق دخلًا وفرص عمل مستدامة. ما يلزم، وفق رأيه، سياسات هيكلية حقيقية تعالج الاعتماد المفرط على الآليات المالية والاقتصاد القائم على العلاقات وليس على إنتاجية حقيقية ومنافسة شاملة. «هذا يعني أن الغالبية العظمى من المواطنين لن يشعروا بأي تحسّن»، قال ذلك.

وأضاف دِياب أنّ قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المتزايدة من الديون تتضارب مع قدرتها على تلبية الالتزات الاجتماعية الأساسية.

مع افتتاح المتحف الكبير رُوّجت وعود بزيادة عائدات السياحة، لكن السكان تلقّوا زيادة جديدة في أسعار الوقود في نوفمبر. ومن المتوقّع أيضاً ارتفاع أسعار الكهرباء والطبخ مطلع العام القادم.

وبالرغم من تحسّن الأجور في بعض القطاعات، يسود اعتقاد واسع أن هذه الزيادات لا تزال غير كافية ويَتطلّب الوضع مزيداً من الرفع في الأجور.

يقرأ  هيئة الإذاعة البريطانية تعتذر لترامب عن فيلم وثائقي وترفض دعوى تشهير أخبار الأعمال والاقتصاد

في العام الماضي أقرّت مصر قانون عمل جديداً خفّض الحدّ الأدنى للزيادة السنوية الإلزامية للعمال، واستبعد شريحة من القوى العاملة من حصولها على زيادات سنوية مضمونة تماماً. وأتاح القانون لأصحاب العمل توظيف العمال بعقود مؤقتة وفق ما يرونه مناسباً.

قدّمت الحكومة هذا القانون كخطوة إيجابية، مشيرة إلى أنه يطيل إجازة الأمومة المدفوعة ويُحدّث علاقة العمل بين الطرفين. وقال وزير القوى العاملة محمد جبران بعد سريان القانون في سبتمبر: «القانون الجديد بسيط وواضح وسهل التطبيق. ويوفّر مرونة تعاقدية». وأضاف أن «القانون جديد مفيد جدّاً لأصحاب الأعمال، إذ يبسّط كثيراً من جوانب إدارة العمالة».

محمود، مزارع في الأربعينيات من عمره من إحدى قرى دلتا النيل شمال القاهرة، نموذج نموذجي لمن لا يزال يكافح رغم السياسات الاقتصادية. يملك قطعة أرض صغيرة تؤمّن معظم دخل أسرته المكوّنة من ستة أفراد، ويعمل أيضاً بأعمال خدمية منزلية لتدبير شؤونهم.

لقد كانت المناطق الريفية في دلتا النيل، وخاصة صعيد مصر، الأكثر تضرراً خلال السنوات الماضية، إذ سُجّلت فيها معدّلات فقر مرتفعة دفعت الكثيرين إلى الهجرة بحثاً عن عمل.

يقول محمود: «المتحف مفيد لمصر، لكنه مفيد بالدرجة الأولى للسياحة وللفنادق، وليس لكل المصريين. الفقرا والناس في الريف يحاولون فقط الصمود أمام الأسعار الباهظة. لن يتركوا حياتهم كلها ليذهبوا للعمل في فنادق القاهرة. وماذا سيقدّم الفلاح في قطاع السياحة أساساً؟»

وأشار محمود إلى أن الدعم، مثل دعم الوقود والمواد الغذائية، أزيل كجزء من إصلاحات مرتبطة بصندوق النقد الدولي، ما زاد من كلفة المعيشة.

وهذه هي النقطة التي يستند إليها كثيرون في نقد شروط صندوق النقد: ففي سبيل تبنّي اقتصاد السوق الحرّ، يتحمّل عبء التحسّن العام في مناخ الأعمال شرائح المجتمع الأشد فقراً.

«في القاهرة، سيؤمّن المتحف دخلاً وينشط أعمالاً جديدة، لكن هذا الدخل لن يصل إلينا هنا»، قال محمود أخيراً. «نحن ننتظر الدعم، لكن لم يعد هناك شيء مدعوم بعد الآن.»

أضف تعليق