وفاة مهندس متحف غوغنهايم بلباو عن عمرٍ يناهز ستّةٍ وتسعين عاماً

فرانك جيري، المعماري الحائز على جوائز والذي أثّرت تصاميمه في مسارات متاحف الفن حول العالم، توفي يوم الجمعة في سانتا مونيكا بولاية كاليفورنيا عن عمر يناهز السادسة والتسعين. وأفادت صحيفة نيويورك تايمز، التي نشرت النبأ أولاً، أن الوفاة كانت نتيجة مرض تنفسي قصير المدى.

تأثيره في عمارة المتاحف كان، ربما أكثر من أي معماري آخر في نصف القرن الماضي، حاسماً في إعادة تعريف كيف يمكن أن تبدو المؤسسات الفنية. تصاميمه، التي كثيرا ما اتسمت بأشكال مائلة وغير متناغمة، فتحت الباب أمام تصور جديد، يُظهر أن المتاحف لا تَحتاج حتماً لأن تكون محاكمًة نِيوكلاسيكية أو هياكل حداثية صارمة.

المتحف الأشهر من بين مبانيه هو غوغنهايم بلباو، المتحف الإسباني الذي افتُتح عام 1997 في مدينة كانت تعاني اقتصادياً قبل وصول المؤسسة. أسهم المتحف في إعادة تأهيل المدينة وأصبح نموذجه مصدر إلهام لمديري متاحف آخرين لتبنّي مشاريع مماثلة، ما عُرف لاحقاً بـ«تأثير بلباو». يُنسب إلى تصميم جيري دور كبير في انبثاق هذا النمط.

ذات الواجهة الخارجية المرصعة بما يزيد على 33 ألف لوح من التيتانيوم، كان المبنى نتيجة طلب من مدير غوغنهايم توماس كرينز، وقد شُيِّد على واجهة مائية كانت قد تدهورت. المتحف تميز بعدة جوانب غير تقليدية: فقد كان تصيمه باستخدام برنامج حاسوب يُدعى CATIA، وشارك في بنائه فريق ضم متسلّقي جبال دُرِّبوا على تركيب صفائح التيتانيوم لأن، كما قال أحد مديري المشروع، «كان أسهل أن تستعين بمتسلّقين وتدرّبهم على التثبيت من أن توظف مختصين في التثبيت وتدرّبهم على التسلق».

سرعان ما اعتُبر المتحف ثورة معمارية؛ فعند افتتاحه وصفه المعماري فيليب جونسون بأنه «أعظم مبنى في زماننا». وفي قائمة ARTnews لأفضل مباني المتاحف في العالم عام 2022 جاء غوغنهايم بلباو في المرتبة الثانية عشرة.

يقرأ  إسرائيل تفرج عن خمسة أسرى فلسطينيينفي ظل استمرار أعمال القتل في غزة

لم يكن الجميع راضين عن المتحف—ومنهم جيري نفسه—فقد روى أنه اعتقد ذات مرة حين عبر التلة ورآه يلمع: «ماذا بحق الجحيم فعلت لهؤلاء الناس؟» وفي مقال محبوب عام 2004، كتبت الفنانة أندريا فريزر، التي في أداء واحد تظاهرت بأن عشقها للمتحف يصل إلى حد الانبهار الجنسي، أن المتحف غذّى «أوهام الحرية» التي كانت في «أساس البرامج النيوليبرالية».

مع ذلك لا يمكن إنكار أن هذه المؤسسة شكلت منارات لآخرين، وبالفعل صمّم جيري لاحقاً مؤسسات فنية إضافية بعد مشروع بلباو.

إلى جانب ناطحة سحاب في نيويورك وبنك في برلين وقاعة حفلات في لوس أنجلوس، أشرف جيري لاحقاً على مبانٍ متحفية في مدن تتراوح بين فيلادلفيا وباريس. ومن بين أعظم مشاريع حياته متحف غوغنهايم أبوظبي، الذي لا يزال قيد الإنشاء.

العديد من مبانيه غير المتحفية تحتفظ بسمات قريبة من غوغنهايم بلباو. الواجهة الخارجية لقاعـة والت ديزني للحفلات في لوس أنجلوس، التي افتُتحت عام 2003، تشبه أيضاً تكدس أشكال تبدو وقد رُصّت فوق بعضها بشكل مستحيل. مؤسسة لويس فويتون في باريس، افتتحت عام 2014، لها أسقف زجاجية تتلوّى كما لو أنها أمواج، على غرار هياكل الصلب المبطّنة بالتيتانيوم في بلباو.

عادةً يُدرَج جيري ضمن تيّار التفكيكية، حركة ثمانينيات اتسمت «بأشكال ملتوية، وطبقات مشوّهة، وخطوط مطوية»، كل ذلك في محاولة «انتهاك الأشكال النقية للعمارة الحديثة»، كما وصف معرض في متحف الفن الحديث عام 1988 هذا التيار. جيري، الذي لم يكن جزءاً من ذلك المعرض، كان يتجنّب غالباً الارتباط الصريح بهذا التصنيف—ربما لأنه كان يميل إلى دحض محاوريه. في مؤتمر صحفي عام 2014، أظهر إصبعه الأوسط أمام مراسل ووصف 98 بالمئة من العمارة الحديثة بأنها «خراء محض».

يقرأ  الإعلان عن زملاء أرشيف مركز الحِرَف لعام ٢٠٢٥

ومع ذلك، لا جدال في أن جيري دفع بالعمارة إلى ما وراء التقاليد المقبولة في عصره، حوّل مبانيه إلى كائنات أقرب إلى النحت منها إلى هياكل للعيش. بل إنه أنتج فناً أيضاً، ونظّم عروضاً مع غاغوسيّان، إحدى أكبر صالات العرض في العالم—وهو أمر نادر بين المعماريين.

فرانك جيري وُلد باسم فرانك أوين غولدبرغ عام 1929 في تورونتو، وغير اسمه لاحقاً خوفاً من معاداة السامية. بعد أن أصيب والده بنوبة قلبية أثناء شجار بينهما، انتقلت العائلة إلى لوس أنجلوس. التحق ببرنامج العمارة في جامعة جنوب كاليفورنيا وتخرج عام 1954، ثم التحق بالجيش لفترة.

تزوّج من أنيتا سنايدر عام 1952 وانفصلا عام 1966. وتزوج لاحقاً من بيرتا إيزابيل أغيلييرا عام 1975 وظلا متزوجين حتى وفاته. له طفل واحد من زواجه الأول وثلاثة من زواجه الثاني.

في ستينيات القرن الماضي ارتبط جيري بمجموعة من فناني لوس أنجلوس مثل بيلي ألبنغستون ولاري بيل. وفي 1962 أسس شركته المعمارية التي تُعرف اليوم باسم Gehry Partners. من أهم أعماله المبكرة تجديد منزلّه في سانتا مونيكا عام 1977؛ إذ تحوّل بنغل رقيق إلى ترتيب زاوية من الزجاج والصفيح المموج بعدما قرر، بعد سماعه أن المنزل مأهول بأرواح، أن يعِد تلك الأرواح باعتبارها «أشباح التكعيبية». لم يعد بيتاً جميلاً بالمعنى الكلاسيكي («الجيران غضبوا بشدّة»، كما تذكّر)، لكن هذا المنزل مهّد الطريق لابتكارات لاحقة.

في 1983 عمل على مشروع الـTemporary Contemporary، وهو فضاء تابع لمتحف الفن المعاصر في لوس أنجلوس ربط بين مستودعين وحوّلهما إلى مكان لعرض الفن المعاصر. بينما يبدو ذلك الفضاء أنيقاً ومقنناً بشكل يبدو عادى مقارنة بباقي أعماله، فإن أول مشروع متحفي رسمي له، متحف فيترا للتصميم في فايل آم راين بألمانيا (افتتح عام 1989)، كان أكثر تجريداً: أُقيمت هياكل بيضاء دوّامة تبدو من الخارج كأن المتحف مركب من قطع متباينة الارتفاع.

يقرأ  نصائح من الخبراءللوصول إلى حالة التدفق الإبداعي — والبقاء فيها

في مراحل لاحقة من حياته ظل جيري نشطاً، فصمّم LUMA في أرل بفرنسا عام 2021. وأحد أكثر مشاريعه طموحاً لم يُنجز بعد بالكامل: غوغنهايم أبوظبي، ذو واجهة تشبه أنابيب فولاذية موضوعة متعانقة. المتحف، الذي طال تأخيره، مقرر افتتاحه عام 2026.

عند افتتاح غوغنهايم أبوظبي قريباً سيُثار الحديث مجدداً عن كل ما فعله جيري لإعادة تشكيل متاحف الفن. ومع ذلك ظل جيري يشعر ببعض الحرج من دوره في تأثير بلباو، فاعترف للغارديان عام 2017: «أعتذر لأن لي علاقة بذلك. ربما ينبغي أن يُشنق بي على الإطار الجانبي. لم يكن قصدي أن يحدث ذلك».

أضف تعليق