واشنطن العاصمة — عادة ما تتعرّض أندية ولاعبون لعقوبات وغرامات من الفيفا عند إظهار رسائل سياسية، إذ اعتُمد لدى الهيئة مبدأ الحياد السياسي كخطّ أحمر. ومع ذلك، يوم الجمعة سلّم رئيس الاتحاد الدولي، جياني إنفانتينو، للرئيس الأمريكي دونالد ترمب أول جائزة سلام أصدرتها الفيفا، في خطوة تُعمّق علاقاته مع زعيم الحزب الجمهوري.
الانتقادات وتصاعد الغضب
نُلفت الأنظار إلى أن الجائزة مُنحت بعد أقل من 24 ساعة على تنفيذ إدارة ترمب لضربة جوية قاتلة في منطقة الكاريبي، وهو ما أثاره منتقدون وصفوا التوقيت بأنه مُريب. كريغ موخيبر، المسؤول السابق في الأمم المتحدة الذي دعا إلى تعليق عضوية إسرائيل من كرة القدم الدولية بسبب ما وصفه بـ«الحرب الإبادية» على غزة، اعتبر منح الجائزة «تطورًا مُخزٍ بالفعل». وأضاف أن الهدف من الاحتفاء هو التغطية على سجل ترمب المليء بالدعم لإسرائيل والضربات القاتلة على سفن في البحر الكاريبي، بالإضافة إلى «انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان» داخل الولايات المتحدة.
إشادة إنفانتينو وترمب
أمام الحضور، أثنى إنفانتينو على ما سماه إنجازات ترمب الدبلوماسية، ومنها ما يُعرف باتفاقات أبراهام التي قادتها إدارة ترمب لتقوية العلاقات الرسمية بين إسرائيل وبعض الدول العربية من دون حل مسألة الدولة الفلسطينية. وقال إنفانتينو إن ما يُريده القائد هو الاهتمام بالناس وسعيه لعالم أكثر أمانًا ووحدة، وأن هذه الرغبة تنعكس أيضاً في كأس العالم. من جهته وصف ترمب التكريم بأنه «واحد من أعظم الأوسمة» التي نالها، وأعاد التأكيد على أنه أنقذ ملايين الأرواح وأنهى ثمانية حروب، ثم لم يغِب عنه استهداف سلفه الديمقراطي جو بايدن بعُجالة.
تناقض مع مواقف سابقة للفيفا
سبق لإنفانتينو أن نبه إلى خطورة توظيف كرة القدم لتأجيج الانقسامات، قائلاً في 2023 إن الرياضة أداة جامعة لا بدّ من حماية استقلاليتها وحيادها السياسي. لكن منتقديه يشيرون إلى تناقض صارخ: الفيفا تخلق جائزة للسلام وتُسلّمها لرجل نعت مهاجرين من الصومال قبل أيام بـ«مهملات»، وفق ما نقل عن تصريحاته، في إشارة إلى تهافت المواقف. وصف صحافي رياضي المشهد بالتشبيه الساخرة: إعطاء جائزة سلام لترامب أشبه بإعطاء جائزة إلى لويس سواريز لعدم عض أذن أحد — تلميح إلى سجله المثير على أرض الملعب.
العلاقات والتداعيات المؤسسية
يبدو أن إنفانتينو وطد علاقاته مع البيت الأبيض بينما تستعد الولايات المتحدة لاحتضان مشترَك لكأس العالم مع المكسيك وكندا. وكان رئيس الفيفا ضيفًا متكررًا في البيت الأبيض، وحضر في أكتوبر مراسم مع ترمب لتثبيت هدنة غزة في مصر. وعند إعداد هذا التقرير لم تُجب الفيفا على طلب التعليق.
ردود فعل داخلية ودولية
الحزب الديمقراطي وصف القرار بسخرية بأنه محاولة للفيفا لتعويض ترمب عن خسارته نوبل للسلام، في حين وجّه دعاة حقوق الإنسان نقدًا أكثر حدة، مستذكرين سجل الإدارة في السياسة الخارجية والداخلية. رغم وساطات ترمب في بعض اتفاقات السلام، مثل تلك الأخيرة بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، إلا أنه أيضاً دعا إلى زيادة الإنفاق العسكري في الغرب، وصدر عنه أوامر بقصف منشآت نووية إيرانية في يونيو، واستمر في تسليح إسرائيل رغم وثائق وانتهاكات موثقة ضد الفلسطينيين.
حملات في نصف الكرة الغربي
في نصف الكرة الغربي نفذت إدارة ترمب نحو 22 ضربة جوية ضد سفن قالت إنها تنقل مخدرات، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 86 شخصًا، وقد وصف خبراء قانونيون تلك الهجمات بأنها أعمال قتل خارج نطاق القضاء. كما ركّزت تحركات عسكرية قرب فنزويلا تأجيج التكهنات حول احتمالات تدخل عسكري لإسقاط الرئيس نيكولاس مادورو.
القمع الداخلي وحرية التعبير
داخليًا، صعّد ترمب حملات قمع الهجرة التي أدت إلى احتجاز ومحاولات ترحيل أجانب، واستُهدفت مجموعات وناشطون انتقدوا سياسة بلاده أو دعمها لإسرائيل، وهو ما يثير نقاشات حول حدود حرية التعبير المحمية بموجب التعديل الأول للدستور الأمريكي.
ردود المنظمات الحقوقية والمطالبات بالانسحاب
منظمة هيومن رايتس ووتش علّقت أن السجل الحقوقي للإدارة لا يبرّر منحه «أعمالًا استثنائية من أجل السلام والوحدة». وفي المقابل طالب موخيبر بإلغاء الجائزة واصفًا إياها بالبذئية، محذّرًا من أن قوانين الفيفا تمنع اللعب على أرض طينية — وبالذات لا ينبغي أن تُمارس على أرض ملطّخة بالدماء. إنفانتينو، بنظر منتقديه، يقود الفيفا نحو مسار يبتعد عن المبادئ التي كان يعلنها. الغزوو في هذا السياق يُستعاد كخلفية مأساوية تبرّر استياء المحتجين.