لماذا تحتلّ قطر مكاناً دائمًا في ذهن اليمين المتطرّف؟ الإسلاموفوبيا

قطر ليست دولة كبيرة المساحة، لكنها في الآونة الأخيرة احتلت حيزًا مدهشًا في مخيلة منظومة متنامية من مؤثرين يمينيين متطرفين، وصحفيين زائفين، ومراكز فكر مؤيدة لإسرائيل، ومحللين مشكوكاً فيهم. هذه الأطراف تصف الدوحة كمخرِّج لمؤامرات عالمية متنوعة وتنسج حولها سرديات تفسر بها كل ظاهرة سياسية أو اجتماعية.

كمثالين بارزين على هذا النمط، تبرز لورا لومر، المؤثرة الأميركية التي لعبت دور شرطي الولاء غير الرسمي لصالح دونالد ترامب، وقد أعادت صياغة نفسها كخبيرة في «تغلغل قطر» وجماعة الإخوان المسلمين. تحليلي لصفحتها أظهر أنها تغرِّد عن قطر بمعدّل يقارب تغريدتين يوميًا، ومن بين أكثر مئة رابط تداولًا خلال العام الماضي التي تذكر قطر والإخوان معًا، ينتمي 35 رابطًا إلى حسابها. وتومي روبنسون (ستيفن ياكْسلي-لينون) أقل لباقة لكنه لا يقل سُمَّية؛ فقد نشر تغريدات بذيئة ضد قطر وصوّر فيديو في لندن يتهم فيه الدوحة بتمويل «تدمير» المملكة المتحدة.

هذه الهوسية ليست عشوائية. على مدار العامين الماضيين صيغت قطر ككبش فداء شامل، المعمِّر الخفي لانحلال الغرب: تمويل احتجاجات طلابية، دفع موجات الهجرة، التلاعب بالدبلوماسية الأميركية، وتسهيل ما يوصف بـ«إسلامية» الغرب. جزء من ذلك إعادة تدوير لرهاب الإسلام، لكن الجزء الآخر حملة تأثير منسقة تستغل مخاوف قائمة مسبقًا لتقويض دور الدوحة الوسيط في غزة، وإضعاف علاقتها بواشنطن، وإحياء خيالات «يورابيا» القديمة كأداة سياسية.

متحدون عبر السرديات
لومان وروبنسون لديهما تاريخ طويل في نشاطات معادية للإسلام. بنت لومر علامتها على افتخارها بكونها «رهاب إسلامي»، ما جعل لها جمهورا من القوميين البيض أصحاب النزعات المعادية للسامية. ومع ذلك، يبدو أن سياستها المؤيدة لإسرائيل أحيانًا تطغى على المخاوف من التطرف الذي تروّجه. رغم ماضيها المعادٍ للإسلام، فإن هوس لومر بقطر جديد نسبياً: قبل 2025 كانت تذكر قطر حوالى خمس مرات فقط على منصة X، لكنها منذ أيار/مايو 2025 تطرقت إليها نحو 460 مرة.

تزعم لومر أن قطر تمول سرًا «كل شيء من بي إل أم إلى أنتيفا وصولًا إلى العنف الإسلامي في أميركا». تساوي بين دبلوماسية روتينية، مثل تدريب طيّارين في أيداهو، و«تدريب مسلمين إباديين على قيادة طائرات مقاتلة على أراضٍ أميركية». وصفت حتى الأطفال الفلسطينيين المصابين الذين يجنون العلاج في الولايات المتحدة على متن خطوط الطيران القطرية بأنهم «غزاة».

يقرأ  حلّلت أوكرانيا تكتيكات شبكات تهريب المخدرات لتعلّم كيفية إدخال طائراتٍ مسيّرة سرّاً إلى روسيا«عملية شبكة العنكبوت»

وجهت لومر الكثير من غضبها نحو شخصيات محافظة لا تتشاركها كراهيتها الجديدة لقطر؛ أطلقت على المعلّق المحافظ تاكر كارسون تسمية ساخرة «توكر قطارلسون» وادعت أن تغيير نبرة مقدم البودكاست ثيو فون تجاه إسرائيل ناتج عن رحلة «أذّكت دماغه» إلى الدوحة. كما اتهمت معظم مقدمي البودكاست والصحفيين المحافظين بأنهم «مملوكون لقطر والإخوان».

حتى زعماء الجمهوريين لم يسلموا من المؤامرة، مع ادعاءات لا أساس لها بأن النائبة ليزا مكلاين وطاقمها سربوا أسئلة داخلية من جلسة لجنة حول معاداة السامية إلى السفارة القطرية.

روبنسون من جهته شرع مؤخرًا في حملة «تباً لقطر»، مستغلاً فيديو سجّله في لندن يتهم فيه الدوحة بتمويل «تدمير» المملكة المتحدة.

خيال «يورابيا»
تركيب هذه السرديات يجمع بين نظريتين مؤامرتين أقدم: أسطورة «التحالف الأحمر-الأخضر» — التي تفترض اتفاقًا أيديولوجيًا خفيًا بين اليسار الراديكالي (الأحمر) والإسلاميين (الأخضر) — ونظرية «يورابيا» المنتشرة في بدايات الألفية، والتي تزعم تواطؤ نخَب أوروبية مع دول عربية لإسلمة الغرب. هذا المزج غذّى روايات تحضُّ على فكرة أن «جحافل» أجنبية مسلمة تسعى لاستبدال الحضارة الغربية، وهي إيماءة مباشرة ومفارقة إلى نظرية «الاستبدال العظيم» المعادية للسامية التي يروِّج لها القوميون البيض.

تحول نمط يورابيا إلى حبكة جديدة: قطر، كخيطان وراء تآكل الغرب، تشتري النفوذ لتهريب الإسلام السياسي عبر الإخوان إلى قلب أوروبا والولايات المتحدة. هكذا يصير المسلمون (وبينهم قطر) التهديد «الإبراهيمي» الأكبر، مزيحين بذلك تسلسلات الهرمية القديمة للعداء دون تفكيك العالم النظري المؤامراتي الكامن تحتها — وبدون أن أخلّ بنبرة التحليل، فهذه السرديات تعيد ترتيب الأعداء بحسب مصلحة الراوي.

لا تنحصر هذه الصور النمطية المعادية للمسلمين بين القوميين البيض فحسب؛ بل كثيرا ما تُستَخدم كأدوات سياسية. ومن المهم الإشارة إلى أن أشخاصًا مثل لومر وروبنسون قد يقدّمون أنفسهم كناشطين مستقلين، لكن مصادر تمويلهم غالبًا ما تظل غامضة.

يقرأ  طيار خارج الخدمة يقرّ بالذنب في محاولة تحطيم طائرة تابعة لخطوط ألاسكا الجوية

شخصٌ يعمل في اللوبي بواشنطن وصف لومر بأنها «شيطان تسماني بالدفع مقابل الأداء». كلا الرجلين، روبنسون ولومر، ورد أنهما تلقيا تمويلًا من روبرت شيلمان، ملياردير تقني أميركي دعم حركات معادية للإسلام في المملكة المتحدة والولايات المتحدة. شيلمان، الذي كان عضوًا سابقًا في مجلس إدارة مؤسسة Friends of the IDF، داعم طويل الأمد لقضايا صهيونية متشددة.

روبنسون، المدان سابقًا في قضايا احتيال، تلقى أيضًا دعمًا ماليًا من مراكز فكر مؤيدة لإسرائيل، بينها Middle East Forum (MEF) الذي يديره الناشط المعادي للإسلام دانيال بايبس.

تزايد الاهتمام بقطر لدى روبنسون اتسع بعد رحلة إلى إسرائيل بدعوة من أمِخَاي تشيكلي، وزير شؤون الشتات الإسرائيلي. منذ الزيارة في شهر أكتوبر زادت تغريداته عن قطر إلى تسع تغريدات على الأقل، وهو عدد يفوق المعتاد، بينما التقتها لومر بشيكلي الشهر الماضي.

وزارة تشيكلي للشؤون الشتات تلعب دورًا مهمًا في هذه القصة: في 2024 تكشف أنها وظفت وكالة علاقات عامة مقرها تل أبيب لتصميم حملة رقمية معادية للمسلمين والعرب تستهدف أميركا الشمالية، وكانت جوهر الرسالة إثارة الخوف من «هجرة إسلامية». وصفها موقع هآرتس بأنها «منفتِحة على النازية الجديدة» لمقاربتها وحوارها مع سياسيين وأحزاب يمينية متطرفة تاريخيًا في أوروبا، وترويجها لفكرة أن أوروبا تمول «موتها الخاص» بدعمها الإسلام السياسي.

مراكز فكر مثل MEF، وFoundation for the Defense of Democracies (FDD)، ومعهد ISGAP الذي يُموَّل جزئياً من جهات إسرائيلية، طورت هوسًا متزايدًا بقطر. كل من FDD وISGAP تربطهما علاقات وثيقة مع دولة عربية إقليمية تبدو «مهووسة بالإخوان» بصورة فريدة. وتدخل أموال مظلمة في تمويل هذه الحملة، ما يجعل تتبع السرديات والجهات الداعمة أكثر تعقيدًا ويكشف عن شبكة علاقات مالية وسياسية تعمل خلف الكواليس لتغذية الخوف والتحريض.دورهة من أواخر 2023 وحتى منتصف 2024، شنّت جهة مجهولة حملة دعائية بملايين الدولارات بهدف ترويج رواية مفادها أن قطر تسعى إلى تدمير أوروبا عبر دعم هجرة المسلمين. تُعرف هذه الحملة باسم «مؤامرة قطر»، ولا تزال بلا جهة منشأ محددة، رغم أن أجزاء منها رُوِّجت على أيدي شخصيات إنجيلية بارزة.

يقرأ  محكمة حوثية تقضي بإعدام 17 متهماً بالتجسس لصالح إسرائيل وسط تصاعد التوتر في الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني

ولا تزال اليوم مقاطع مدفوعة تُعرض كيف أن قطر «تدمر» الحضارة الغربية عبر الهجرة الإسلامية تحقق ملايين المشاهدات على منصات مثل يوتيوب وفيسبوك.

لماذا قطر؟
في جوهرها، تخدم الحملة المعادية لقطر جملة من الأجندات. بالنسبة لجزء من المروِّجين، الأمر إيديولوجي: أصبحت قطر صاعقاً ورمزية تُغذي خيالات إسلاموفوبية قديمة عن «أورابيا» وتدفق الهجرة وانحدار الحضارة.

وبالنسبة لجهات أخرى، فالمسألة جيوسياسية: دور قطر كوسيط مع حماس يزعج المتشددين الإسرائيليين الذين يفضّلون العزل بدلاً من التفاوض، بينما تمنح الخصومة التاريخية بين دول إقليمية مختلفة ونفوذ الدوحة في العالم العربي حافزاً لتضخيم العداء وقطع الطريق بينها وبين الولايات المتحدة — أو بالأحرى الولاات المتحدة.

الأهم من ذلك أن هذه الرواية تمكّن إسرائيل وشركاءها من تقديم أنفسهم كحماة للحضارة الغربية ضد ما يسمّونه «التطرف الإسلامي»، وتوفر لمن هم في الساحة السياسية الأميركية خصماً خارجياً سهل الاستغلال: تصوير قطر كراعٍ سري للاحتجاجات الجامعية والحركات اليسارية وحتى بعض أصوات التيار المحافظ يمنح محاربي الثقافة عدواً موحّداً للتعبئة. وهناك أيضاً منافع مالية مباشرة للجهات اللوبيّة من كل الأطراف.

سياسة قطر الخارجية، شأنها في ذلك شأن سياسات أي دولة، تستحق التدقيق والنقد. لكن الهوس الدعائي بتصوير الدوحة كنواة لمؤامرة إسلامية عالمية هو نظرية مؤامرة ساذجة مصممة لتروق لقاعدة الحزب الجمهوري، كما يجادل مايك روثشيلد، التي تزداد تبعيتها للروايات التآمرية.

الآراء الواردة في هذا المقال تعكس رأي الكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن سياسة الجزيرة التحريرية.

أضف تعليق