كأس العالم 2026: إعادة اختفاء المختفين في المكسيك | آراء

تستضيف مدينة غوادالاخارا في المكسيك أربع مباريات من نهائيات كأس العالم العام المقبل، وتشتغل فرق العمال على مدار الساعة لتحديث البنى التحتية استعدادًا للبطولة. نتيجة هذا الهوس الإنشائي، تحوّلت شوارع المدينة إلى فوضى مرورية دائمة تمثل صداعًا يوميًّا لكل من يمر بها.

لكن المشكلة الأعمق بكثير من الاختناقات المرورية تكمن في أن غوادالاخارا هي عاصمة ولاية خاليسكو، الولاية التي تسجل أعلى عدد من المفقودين في المكسيك. الحِسابات الرسمية تشير إلى نحو 16 ألف مفقود في خاليسكو من بين أكثر من 130 ألف حالة مفقود على مستوى البلاد، ورغم ذلك يُرجّح أن الأرقام الحقيقية أعلى بكثير بسبب تردُّد العائلات عن الإبلاغ خشية الانتقام.

مع اقتراب كأس العالم، تبذل السلطات مجهودات لإعادة تلميع صورة غوادالاخارا؛ لقد هدَّد المسؤولون المحليون منذ شهور بإزالة صور ولافتات «دوار المفقودين» الضخمة في وسط المدينة، كأنهم يعيدون اختفاء ذاكرتهم الجماعية. زرت هذا الدوار قبل أيام، وعلى مقربة منه تكاثرت الملصقات على أعمدة الكهرباء وأحواض الأرصفة تحمل صورًا ومعلومات عن المفقودين، بل وُلصِق بعضها على نصب الدوار نفسه.

بين الوجوه والبطاقات كانت هناك إيلدا أدريانا فالديز مونتويا (32 عامًا) آخر ظهور لها في غوادالاخارا في 10 أغسطس 2020؛ جوردِي أليخاندرو كارديناس فلوريس (19 عامًا) الذي رُئي آخر مرة في 19 مايو 2022 في مدينة تلاكِباكي القريبة؛ كريستوفر آرون ليوباردو راميريز كامارينا (16 عامًا) مختفٍ منذ 21 أبريل 2024 في بلدية تلاخومولكو دي ثونيغا؛ ومارثا ليتيسيا دياز لوبيز (67 عامًا) آخر ظهور لها في غوادالاخارا في 27 يونيو 2025. وفي حالة كارديناس فلوريس، أشار الملصق إلى أن الشاب «نُقِل» في 19 مايو على يد عناصر من مكتب النائب العام للدولة ولم يعد منذ ذلك الحين.

يقرأ  أول محكمة عليا مُنتخبة في المكسيك: اختبار حاسم لاستقلالها

من السهل أن تُحمَّل عصابات المخدرات، وبالأخص جماعة «جيل جديد خاليسكو» الشهيرة، مسؤولية هذه الأرقام المروّعة، لكن الحكومة نفسها متورطة أيضًا — سواء بتواطؤ مباشر مع شبكات إجرامية أو بتوفير مناخ شبه كامل من الإفلات من العقاب الذي يسمح لهذه الجرائم بالاستمرار والتمدد. ويجدر التذكير بأن غالبية حالات الاختفاء تكوَّنت بعد إطلاق الحكومة «حربها على المخدرات» عام 2006، التي لم تحل مشكلة المخدرات وإنما مهّدت لما يزيد على 460 ألف جريمة قتل في البلاد، وكانت مدعومة من — من غير المفاجأة — الولايات المتحدة، التي نادرًا ما تفوّت مناسبة للتدخّل الدموي في شؤون النصف الغربي من الكرة الأرضية.

أما المشهد الذي قد يُزعج زوار كأس العالم فلا يمكن تجاهله: اكتشاف مقابر سرية جماعية ومئات الأكياس المحتوية على رفات بشرية قرب ملعب غوادالاخارا، لم يكن خبراً يمكن تدويره بسهولة. وأثناء تواجدي في المدينة تحدثت إلى ماريبيل سيدينو، ممثلة عن مجموعة «غويريروس بوسكادوريس دي خاليسكو» (محاربو البحث عن المفقودين)، وهي إحدى الجمعيات التي تكافح بحثًا عن المفقودين في ظل تواطؤ وإهمال حكومي متعمد. أخبرتني أن أخاها خوسيه خيل سيدينو روساليس اختفى في 21 سبتمبر 2021 في تلاخومولكو دي ثونيغا.

كما قالت ماريبيل إن «لا شيء تغيّر إطلاقًا» منذ تولي كلاوديا شينباوم الرئاسة العام الماضي، بالرغم من وعودها بالتعامل بتعاطف أكبر مع قضية المفقودين؛ وبعد أن وصلت إلى السلطة بدا أن وعدها قد تلاشى، تاركًا آلاف العائلات في عذاب نفسي لا متناهٍ. وقالت ماريبيل محقّة: «أين أماننا؟ أين أمان ذويّنا أو أولئك الذين نعرّض حياتهم للخطر حين نبحث عن مفقودينا؟»

وأسئلة من هذا النوع لا تبعث على الأرق لدى السلطات بحسب ما يبدو. ففي مارس اكتشفت مجموعة «غويريروس بوسكادوريس دي خاليسكو» محرقة سرية في مزرعة قرب تيوشيتلان، على بعد ساعة من غوادالاخارا، استخدمتها جماعة جيل جديد خاليسكو كمركز لتجنيد وتدريب وكموقع لإبادة الضحايا. الغريب أن السلطات المكسيكية كانت قد استولت على تلك المزرعة قبل أشهر ولم تَنتبِه لوجود شظايا عظام بشرية أو المئات من الأحذية المتناثرة فيها.

يقرأ  هل ستردع الملصقات التحذيرية الجديدة في أيرلندا الناس عن استهلاك الكحول؟

في يومي الأخير في غوادالاخارا فتحت تطبيق أوبر لطلب طريق إلى المزرعة، وكان الموقع يظهر واصفًا المكان بـ«حقل تدريب وإبادة»؛ تردّدت وقررت أن أضع مركز تيوشيتلان كوجهة أولية ثم أعرض على السائق أن أدفع نقدًا مقابل مرور سريع بالمزرعة. بارك السائقني بلمسة صليب وقَبِل. كان رجلاً من شرقي خاليسكو أمضى 11 سنة عاملاً غير موثق في كاليفورنيا وأوريغون، ولديه ابن يدرس الهندسة في ميشيغان؛ عرف شخصًا أو اثنين ممن اختفوا، بما في ذلك شقيقتان من بلدته، وتأسف لأن اهتمام السلطات بالعدالة يقتصر غالبًا على القتلى من صفوف الأجهزة الأمنية.

تجوّلنا سويًا في ساحة البلدة المركزية الملونة واشتَرَينا بعض البِيرات، ثم وجهنا التطبيق إلى «حقل التدريب والإبادة» فقادنا طريق ترابيًا معزولًا تحرسه مركبة سوداء مخيفة. عندما وصلنا فوجئنا بالحاجز الذي وضعته الحرس الوطني المكسيكي — وهي قوة تعاملت معها سابقًا في مواقف غير سارة — فعدنا لنضال المرور في غوادالاخارا.

من مصلحة الحكومة أن تطمُس آثار تيوشيتلان، خصوصًا بعد تغطية إعلامية دولية غير مألوفة لحجم القضية، لكنها في نهاية المطاف لا تستطيع دفن كل شيء. المكسيك تبدو ماثلة كقبر جماعي واحد كبير، ومحاولات دفنه على عجل لخدمة استعراض كأس العالم قد تُعتبر هدفًا أوليًّا للجماعات الإجرامية والمسؤولين المتواطئين، لكن النتيجة قد تُحسم في الشوط الثاني — من خلال شعب يرفض أن يسمح لأحبائه المختفين بالاختفاء النهائي.

الآراء المعبر عنها هنا تخص الكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن سياسة التحرير لدى الجهة الناشرة.

أضف تعليق