دمشق — في قبو مبنى عادي في دمشق، يوجد مختبر الطب الشرعي التابع لمركز التعرف السوري، ومخازن ممتلئة ببقايا بشرية وعظام مؤرشفة بعناية. هناك خزانة مخصصة بأكملها للأضلاع، وأخرى تحوي جماجماً.
هذه مجرد نماذج من المفقودين في سوريا؛ اختفاؤهم يبقى إرثاً لم يُحسم عن فترة حكم بشار الأسد. بعد مرور عام على سقوط النظام في كانون الأول/ديسمبر 2024، فحص رئيس المركز الدكتور أنس حرّاني المقبرة الجماعية الوحيدة التي نُبشت بالكامل حتى الآن. وقد أبلغ أن فريقه قد يسستغرق ما يصل إلى أربع سنوات فقط للتعرّف على هويات الضحايا المستخرَجين من ذلك الموقع.
عملية طويلة وشاقة
المدى الزمني المقترح مهيبٌ ومخيف. بحسب المفوضية الدولية لشؤون المفقودين، قد توجد في أنحاء سوريا نحو 66 مقبرة جماعية. قال حرّاني: «هؤلاء المفقودون قد يكونون أقاربنا وجيراننا وأفراد عائلاتنا. لا بد من محاسبة من ارتكب هذه الجرائم».
الاختفاء القسري كان سمةً مميزةً لنظام الأسد، الذي أدار شبكة سجون واسعة حيث تعرّض المعتقلون للتعذيب والقتل، وكُثّرت عمليات الدفن في مقابر جماعية. مع انهيار النظام، شعر كثيرون بالارتياح ظناً منهم أن الأجوبة عن أحبائهم المفقودين ستأتي قريباً. فتحت السجون وأُطلق سراح نحو ثلاثين ألف معتقل، لكن من لم يَرَ أحبّاءَه يخرجون أدركوا بشقّ الأنفس أن المصير الأرجح لهم هو الموت.
الأرقام متباينة: محمد رضا جالخي، رئيس اللجنة الوطنية لشؤون المفقودين، يقدّر أن العدد قد يصل إلى ثلاثمئة ألف مفقود، بينما تضع الأمم المتحدة التقدير بنحو مئة ألف. قال جالخي: «وفق بعض الوثائق، مع تفاوت مصداقيتها، الرقم يتراوح بين 120 ألفاً و300 ألف». وأضاف: «أتوقع أن الواقع أكبر بكثير، وأن عدد المتأثرين يفوق الملايين من السوريين».
في انتظار مختبر للحمض النووي
كأحد اختصاصيي الأدلة الشرعية في الأسنان، يدرس الدكتور حرّاني الأسنان للتعرّف على الهويات. «الأسنان من المؤشرات العالمية» يقول، كما يفحص بنية العظم والملابس التي دُفن بها الشخص لاستنتاج معلومات عن توقيت وكيفية الوفاة؛ فوجود سترة شتوية، مثلاً، قد يشير إلى مقتل الضحية في فصل الشتاء.
لكن هذه التقنيات تظل محدودة دون وجود مركز للحمض النووي وبنك فعّال للعينات في سوريا. النقص الحاد في المختبرات والخبرات يعيق عمليّات التعرّف على مئات الآلاف من المفقودين. قال حرّاني: «نأمل افتتاح عدة مراكز لتحليل الحمض النووي، ما سيساعدنا على تحديد الهوية»، وأضاف أنهم يواجهون صعوبة في تأمين الكوادر المتخصّصة.
يعترف جالخي بما يعتري الملف من قصور: «نحن نحاول أن نفعل كل ما بوسعنا بشأن هذا الملف». لكنه حذّر من أن التعامل الجاد مع جرائم بهذا الحجم «لا يحدث بين عشية وضحاها». واستشهد بتجارب دولية: البوسنة والهرسك بعد أكثر من ثلاثين عاماً ما زالت تبحث عن مفقودين، وكذلك المكسيك والأرجنتين. مع ذلك، يؤكد التزامه بتحقيق النتائج: «الفشل في ملف المفقودين يعني فشل الحفاظ على السلم الأهلي وبالتالي كارثة. لا نريد أن نعود إلى الكارثة مرة أخرى في سوريا».
من المرجح أن هذه الضحية ماتت متأثرة بطلق ناري في الرأس.