آلاف يفرون من الحدود المتنازع عليها بعد اشتباكات دامية وغارات جوية

بانيسا إيموتشا — بي بي سي تايلاند (بانكوك)
كيلي نغ — وزارة الإعلام الكمبودية

تدفق سكان القرى المتاخمة للحدود بين تايلاند وكمبوديا إلى مراكز الإجلاء يوم الاثنين بعدما تجددت الاشتباكات، ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل. كل طرف اتهم الآخر ببدء العنف، في أخطر مواجهة بين البلدين منذ التوصل إلى هدنة في يوليو الماضي.

أعلن رئيس وزراء تايلاند أنوتين شارنفيراكول أن بلاده «لم تكن تريد العنف» لكنها ستلجأ إلى «الوسائل الضرورية للحفاظ على سيادتها»، بينما اتهم الزعيم الكمبودي السابق هون سين «الغزاة التايلانديين» باستفزاز ردة فعل. ومنذ مايو الماضي تزايدت التوترات بين الجارتين، وأدت إلى أكثر من أربعين قتيلاً، إضافة إلى حظر استيراد وقيود على السفر.

قال الجيش التايلاندي إن قواته ردت على قصف قادم من كمبوديا في محافظة أوبون راتشاثاني داخل الأراضي التايلاندية، وشمل الرد ضربات جوية على طول المنطقة المتنازع عليها، فيما أكدت وزارة دفاع بنوم بنه أن القوات التايلاندية هي من شنت الهجوم أولاً في مقاطعة برياه فيهير الكمبودية. وأفادت التقارير بأن جندياً تايلاندياً واحداً على الأقل ومدنيين كمبوديين أربعة قتلوا، بينما أصيب نحو اثني عشر شخصاً جراء اشتباكات الاثنين، وفقاً لمصادر من كلا الجانبين.

الأطفال يتحملون العبء

يحذر المعلم التايلاندي سيكسكاكا بونغسوان من ضحايا خفيين للصراع: الأطفال المقيمون قرب الحدود «يفقدون فرصاً ووقتا ثميناً» مقارنة بأقرانهم في المدن الأكثر هدوءاً. أمرت وزارة التعليم التايلاندية بإغلاق نحو 650 مدرسة في خمس محافظات مراعاةً للسلامة، بعد تجدد التوترات. وفي المقابل، أظهرت مقاطع متداولة على وسائل التواصل مشاهد فوضوية في مدارس المقاطعات الحدودية الكمبودية بينما تهرع الأسر لأخذ أبنائها.

لم تكن هذه المرة الأولى التي تتقطع فيها سبل تعليم هؤلاء الأطفال؛ ففي يوليو، وفي خضم امتحانات التلاميذ، اندلعت خمسة أيام من القتال المكثف بين البلدين. انتقلت مدارس بونغسوان إلى التعليم عن بُعد، لكن عدداً من الطلبة لم يكن لديهم وصول للإنترنت، كما أن الأجهزة الإلكترونية التي وزعتها المدارس لم تصل إلى الجميع.

يقرأ  هجوم بطائرة مسيّرة على العاصمة السودانيةقبيل إعادة فتح المطار المقررة

شارك الصحفي السابق ميش دارا على حسابه صوراً ومقاطع لأطفال يخرجون مسرعين من مدارسهم، وتساءل بمرارة عمّا «كم مرة يجب أن يتحمل هؤلاء الأطفال بيئة مروعة كهذه؟» ونشر صورة لصبي لا يزال بزيه المدرسي يتناول طعامه في مخبأ تحت الأرض متسائلاً: «لماذا يجب أن يأكل الطفل وعائلته وجبتهم في المخبأ…؟»

يقول بونغسوان إنه وجيرانه على الجانب التايلاندي ممزقون بين البقاء أو المغادرة، بينما تستمر أصوات إطلاق النار بين الحين والآخر في قريتهم: «هل نحن خائفون؟ نعم. هل ينبغي أن نغادر؟ هل سيكون الأمر أكثر أماناً؟ أم نبقى؟»

نزاع عمره قرن تجدد

تصاعد النزاع الحدودي الذي يمتد لأكثر من قرن بين البلدين بعدما أطلقت كمبوديا وابل صواريخ نحو تايلاند صباح 24 يوليو، تلاها قصف جوي تايلاندي. وبعد أيام، اتفقت بانكوك وبنوم بنه على «هدنة فورية وغير مشروطة» بوساطة رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم، وفي أكتوبر وقعا اتفاق هدنة آخر بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ماليزيا، واعتبر حينها احتفالاً بإنهاء الصراع. لكن بعد أسبوعين فقط أعلنت تايلاند تعليق تنفيذ الاتفاق إثر إصابة جنديين بانفجار لغم قرب الحدود.

كررت كمبوديا، التي رشّحت ترامب لجائزة نوبل للسلام لدوره الوسيط، تمسكها بالاتفاق، بينما لا تزال الخلافات على السيادة الأراضي مستمرة على طول حدود برية تمتد نحو 800 كيلومتر، تعود جذورها إلى رسم الحدود عقب الاحتلال الفرنسي لكمبوديا.

تستمر الجهات المعنية في رصد الوضع والتفاوض لتفادي مزيد من التصعيد، لكن على الأرض يبقى ثمن الصراع الأكبر على أطفال ومجتمعات المدن والقرى الحدودية، الذين يجنون ثمناً باهظاً من فقدان الأمن والاستقرار.

أضف تعليق