أزمة إلغاء الرحلات الجوية في الهند: انهيار عمليات الناقلة الكبرى
آلاف الرحلات التي تشغّلها أكبر شركة طيران هندية، إنديغو، أُلغيت خلال الأسبوع الماضي، ما أوجد اضطراباً واسع النطاق في حركة السفر الجوي خلال موسم ذروة السفر في أكثر دول العالم سكاناً.
بداية الأزمة
بدأت الفوضى الأسبوع الماضي بعد نقص في طاقم الطيران، نتيجة فشل الناقلة الخاصة في التكيّف مع الاجراءات الحكومية الجديدة المتعلقة بساعات الراحة والواجبات التشغيلية للطيارين.
حجم الخلل وتأثيره
تُشغّل إنديغو نحو 2,200 رحلة يومياً، واضطرت منذ الثاني من ديسمبر إلى إلغاء نحو 3,400 رحلة — وهو أسوأ اضطراب تشهده الشركة منذ انطلاق عملياتها قبل عشرين عاماً. شمل الإرباك مطارات ومدناً كبرى مثل نيودلهي ومومباي وأحمد آباد وحيدر أباد، تاركاً آلاف الركاب في المطارات عبر البلاد. وتعد الشركة المسيطرة بنسبة سوقية تبلغ حوالى 65%، ما جعل التأثير على الحركة وأسعار التذاكر كبيراً ودفع الحكومة للتدخل وفرض سقف على الأجور الداخلية للرحلات.
هيمنة السوق والتوزيع الجغرافي
مع سيطرة إنديغو وآير إنديا على نحو 92% من السوق، تصبح إنديغو الناقلة الوحيدة التي تربط عدداً كبيراً من المدن والبلدات الصغيرة مثل شيلونغ وكولهابور وبراياغراج وآغرا وديواجار، مما منحها احتكاراً عملياً على بعض هذه المحاور.
تفصيل موجات الإلغاء
في يوم الجمعة تم إلغاء نحو 1,600 رحلة، تبعه أكثر من 700 رحلة في اليوم التالي، وحوالى 650 رحلة يوم الأحد، وأكثر من 400 رحلة أخرى مساء الاثنين، وفق تقارير متعاقبة. الحكومة تعتقد أن العمليات ستعود إلى وضعها الطبيعي بحلول 15 ديسمبر.
ما الذي نصت عليه التوجيهات الجديدة؟
بداية عام 2024 أصدرت السلطات الهندية قواعد جديدة لقيود مدة الواجبات الطيرانية (Flight Duty Time Limitations — FDTL) لتحسين ساعات عمل الطيارين وفترات الراحة وإدارة الإجهاد، بما يقرب معايير الهند من الممارسات الدولية المتعلقة بخطر الإرهاق. دخلت القواعد حيز التنفيذ في الأول من نوفمبر، وطالبت شركات الطيران بما يلي:
– زيادة فترة الراحة الأسبوعية الإجبارية للطيار من 36 إلى 48 ساعة. ولا يمكن احتساب إجازة شخصية ضمن هذه الفترة الإجبارية.
– الحد من ساعات الطيران الليلية المستمرة إلى 10 ساعات.
– الحدّ الأسبوعي لعمليات الهبوط التي يقوم بها الطيار بين منتصف الليل وبداية الصباح إلى هبوطين.
– تقديم تقارير عن إجهاد الطيارين كل ثلاثة أشهر إلى الجهة المنظمة للطيران المدني (DGCA).
اتهامات بسوء الاستعداد
خبراء الطيران ونقابات الطيارين حمّلوا إنديغو مسؤولية التقصير وسوء الاستعداد. فيجاي غوبالان، المدير المالي السابق في آيرآسيا، وصف موقف الشركة بأنه «لامبالاة شديدة» في التعامل مع القواعد الجديدة. كما أبلغت اتحاد نقابات الطيارين الهنود وكالة الأنباء بأن الشركة، رغم وجود نافذة إعداد مدتها عامان قبل التطبيق الكامل للقواعد، انتهجت تجميد توظيف، واتفاقات عدم التجنيد بين الشركات، وجمّدت رواتب الطيارين بسلوك أشبه بالاحتكار، إلى جانب ممارسات تخطيطية قصيرة النظر.
لماذا طبّقت الهند قيود FDTL؟
هدفت القواعد الجديدة إلى معالجة مخاطر الإرهاق والسلامة التشغيلية، استجابةً لضغوط نقابات الطيارين ومنظمات مهنية طالبت بتحديث معايير الإجهاد بما يتسق مع معايير منظمات مثل منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) والوكالة الأوروبية لسلامة الطيران (EASA).
نظرة من داخل المهنة
قال «باوان»*، طيار تجاري هندي رفض الكشف عن هويته، لـ«الجزيرة» إنه قبل الالتحاق بالعمل لدى شركة طيران يجب أن يكمل المرء نحو 200 ساعة طيران خلال مرحلة التدريب. نشأ باوان في مجتمع سكني يضم طيارين وموظفي مطار ومهندسين، وهو ما حفّزه على اختيار المهنة. ورأى أن الرواتب نادراً ما تشهد زيادات ربطاً بمعدلات التضخم، وأن المزايا محدودة — تذاكر طيران للموظفين وأسرهم، تأمين طبي محدود، وتعويضات عند فقد الرخصة لأسباب طبية أو الوفاة. وأضاف أن زملاءه الذين أمضوا أكثر من 15 عاماً لا يشعرون بأن دخولهم المالي مختلف عما كان قبل عشر سنوات، بل إن البعض يرى أنه حتى أقل من ذاكرتهم عن الماضي.
المدخول والمسارات المهنية
تختلف التقديرات حول متوسط رواتب الطيارين في الهند. تقدر أكاديمية FMS Aviation في نيودلهي أن راتب الحاصلين حديثاً على رخصة الطيار التجاري (CPL) يبدأ من نحو 400,000 روبية سنوياً (حوالي 4,400 دولار) في 2025، بينما قد يتجاوز راتب القباطنة الكبار 10 ملايين روبية سنوياً (نحو 120,000 دولار)، وفق تقديرات مدارس تدريب هندية أخرى. يبدأ معظم الطيارين كضباط أول مبتدئين أو كباحثي تدريب، ثم يترقّون إلى مناصب أعلى مع تراكم ساعات الطيران؛ وبعد اجتياز اختبار ATPL النظري عند تجاوز 3,000 ساعة طيران يصبح الطيار مؤهلاً لمنصب القبطان وتحمل مسؤولية الرحلة كاملة.
المقارنة مع دول أخرى
لا تحدد ICAO حدوداً صارمة لعدد ساعات الطيران أو الرحلات لتفادي الإرهاق، لذا تختلف القواعد بين الدول:
– أستراليا (CASA): استراحة أسبوعية لا تقل عن 48 ساعة خلال أي سبعة أيام متتالية، والواجب الليلي محدود بين 9 و10 ساعات؛ لا يوجد حد صريح لعدد الهبوطات الليلية. رواتب الطيارين تصل تقريباً إلى 200,000 دولار أسترالي سنوياً، والقباطنة قد يصلون إلى 400,000 دولار أسترالي.
– كندا: يجب أن يحصل الطيار على 36 ساعة متواصلة على الأقل خلال أي فترة سبعة أيام من قاعدته الأساسية؛ الحد الليلي 8–10 ساعات؛ ولا حد رسمي للهبوطات الليلية. الرواتب تتراوح بين نحو 38,000 و250,000 دولار كندي سنوياً.
– أوروبا (EASA): راحة أسبوعية دنيا 36 ساعة قابلة للاختزال إلى 24 ساعة مع تعويض. متوسط الرواتب السنوية عبر 17 دولة أوروبيّة يتراوح بين نحو 32,299 يورو في رومانيا و113,672 يورو في سويسرا (بيانات 2025).
– الولايات المتحدة: يحصل طاقم الطيران على 30 ساعة متتالية خالية من العمل خلال أي فترة عمل مؤلفة من سبعة أيام متتالية؛ الحد الليلي 9–10 ساعات؛ ولا حد محدد للهبوطات الليلية. وكان الوسيط الأجر لطياري النقل التجاري في 2024 نحو 198,100 دولار سنوياً.
خاتمة
أثارت سلسلة الإلغاءات الحالية تساؤلات جادة عن كيفية إدارة شركات الطيران لتخطيط القوى العاملة والالتزام بمعايير السلامة التشغيلية، وما إذا كانت الأسواق الاحتكارية جزئياً تسهم في تأجيج آثار أي خلل تنظيمي أو تشغيلي. الحكومة وجهت ضغوطاً فورية لتقليل الأثر على المسافرين، بينما يبقى السؤال عن مدى جاهزية القطاع للتوافق مع معايير السلامة الحديثة وما إذا كانت تغييرات سياسة التوظيف والرواتب ستتبع ذلك الاضطراب.
*اسم مُغيّر للحفاظ على السرية