يوم النطق بالحكم لرئيس وزراء تايلاند السابق ثاكشين شيناواترا في قضية تشويه سمعة العائلة المالكة

بانكوك، تايلاند — تقف محكمة على أبواب فصل جديد في ملف سياسي حاسم حين تنظر فيما إذا كان أحد أكثر الوجوه السياسية تأثيراً وإثارة للجدل في ربع القرن الماضي، ثاكشين شيناواترا، قد أساء إلى المليكة المحترمة في البلاد — جريمة يعاقب عليها قانون “إهانة الملك” الصارم بالسجن حتى 15 عاماً.

تنبع التهمة، بمقتضى ذلك القانون، من مقابلة أجراها الملياردير البالغ من العمر 76 عاماً ورئيس الوزراء الأسبق مع صحيفة كورية جنوبية عام 2015 تتعلق بالانقلاب العسكري الذي أطاح بأخته يينجلوك شينواترا في 2014.

ورغم أنه لا يشغل منصباً حكومياً رسمياً اليوم، يظل ثاكشين شخصية مركزية تميل على كاهلها أرجاء السياسة التايلاندية العاصفة، وسيكون حكم الجمعة اختباراً لمدى توتر علاقته الطويلة مع المؤسسة الملكية القوية والمتحمسة لتيار الولاء.

“الملاحقة تحمل دلالات سياسية بالغة الأهمية”، يقول فيرابات باريياوونغ، باحث في القانون والسياسة التايلاندية في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن (SOAS). وأضاف أن “براءة المدعى عليه ستصبح حجة يستند إليها السيد ثاكشين ليؤكد دوماً ولاءه، في مواجهة اتهامات خصومه السياسيين التي أججت صراعات عقدين من الزمن”.

ومن ناحية أخرى، يحذر من أن إدانته قد “تطلق جولة جديدة من الصراعات السياسية”، مشيراً إلى أن كثيرين سيرون في الحكم المساس بما سُمّي بالتسوية الكبرى التي مهّدت لعودة ثاكشين إلى تايلاند، وأن الربط سيكون سهلاً بين هذا الحكم وقرارات قضائية كبرى أخرى معلقة لا تتعلق به وحده بل تشمل أيضاً ابنته ورئيسة الوزارات المعلقة صلاحياتها، بايتونغتارن شينواترا.

بعد خمسة عشر عاماً أمضاها في منفى اختياري، عاد ثاكشين إلى تايلاند في 2023. وقد مكّن غيابه الطويل من تفادي حبس سابق نتيجة تهمة فساد، رغم أنه اضطر عند عودته إلى قضاء مدة مخففة في الحجز.

يقرأ  مواجهات بين متظاهرين مناهضين للحكومة وقوات الشرطة في عدة مدن صربية — أخبار الاحتجاجات

ومع ذلك، فإن مشكلاته الأخيرة تعود إلى تهمة تشهير ملكي رفعت في يونيو 2024، فضلاً عن محاكمة منفصلة تتعلق بالادعاء بأنه تظاهر بمرض قصد تنفيذ عقوبة الفساد خارج السجن.

أما ابنته، بايتونغتارن، التي تشغل حالياً منصب رئيسة الوزراء لكن أُعلِقت صلاحياتها، فتحاكم بتهمة انتهاك قواعد الأخلاقيات العامة إثر تسريب مكالمة هاتفية مع رئيس وزراء كمبوديا السابق والقائد القوي هون سين. وقد علّقت المحكمة صلاحياتها الشهر الماضي على خلفية نشر المحادثة التي بدت فيها متكلمةً بمهابة مع الزعيم الكمبودي، إذ خاطبته بـ”العمّ” وانتقد أحد قادة الجيش التايلاندي.

رأى خصومها السياسيون وغيرهم أن أسلوب مخاطبتها لقيادة أجنبية بهذه الهيبة لا يليق برئيسة وزراء تايلاندية، كما أن انتقاد المؤسسة العسكرية يعد في هذا البلد خطاً أحمر، إذ تحظى القوات المسلحة بتقدير سياسي واجتماعي كبير. ومن المقرر أن تصدر المحكمة حكمها في قضية بايتونغتارن في 29 أغسطس، وهو حكم قد يفضي إلى إزالتها من منصبها نهائياً.

لاعب ذي نفوذ

انطلق صعود ثاكشين إلى قمم السياسة التايلاندية من بدايات متواضعة، إذ خدم في صفوف قوة الشرطة الوطنية بداية السبعينيات. ومن منحة حكومية أكمل دراساته في الولايات المتحدة حتى نال درجة الماجستير ثم الدكتوراه في العدالة الجنائية، قبل أن يعود إلى الخدمة العامة ويستقيل من الشرطة برتبة عقيد (مقدم) عام 1987.

استثمر علاقاته المهنية في مجال الأعمال، وتجارب عدة قادت إلى نجاح باهر في قطاع الاتصالات، حيث أسس شركة “شين كورب” وبناها لتصبح لاعباً رائداً في الصناعة، ما رفعه إلى قوائم أثرى رجال ونساء البلد.

في تصنيف حديث لِـ”فوربس” احتل ثاكشين المرتبة الحادية عشرة بين أثرياء تايلاند، بثروة شخصية تقدر بنحو 2.1 مليار دولار.

وخلال التسعينيات بدأ تحويل نجاحه التجاري إلى مسار سياسي، فأسّس أول أحزابه بنهاية العقد، ومن خلال خطاب شعبوي وعد بتوسيع خدمات الرعاية الصحية وخفّض أعباء الديون تمكن من الفوز بمنصب رئيس الوزراء في انتخابات 2001 وبإعادة انتخابه في 2005.

يقرأ  رفض الإفراج المشروط عن إيريك مينينديز في لوس أنجلوس بعد عقود من قتل والديه

إلا أن فضائح متتالية قوضت فترته الثانية. فقد اتُهم بالفساد على خلفية صفقة بيع “شين كورب” بقيمة 1.9 مليار دولار وصفقة عقارية منفصلة أثارت احتجاجات شعبية حاشدة، فأنهت القوات المسلحة حكومته بانقلاب عام 2006. وفي العام التالي أدانته محكمة تايلاندية في قضية الصفقة العقارية. فرّ إلى المنفى الاختياري عام 2008 هرباً من السجن.

يقول وانويتشِت بونبرونغ، أستاذ في جامعة رانغسِت، إن تاكسين كسب أعداء نافذين داخل الجشّ عن طريق محاولاته التأثير في تعيينات وتنقلات الضباط رفيعي المستوى — مؤسسة اعتادت إدارة شؤونها الداخلية بمعزلٍ كبير عن الحكومة. بهذه التدخّلات بدا وكأنه يتدخل في شؤون الجيش، وهو ما أثار مخاوف لدى كثيرين من أنه يسعى إلى «تقويض المؤسسة العسكرية وإضعاف الملكية».

لدى الجيش تاريخ طويل في التفاخر بدوره كحامي نهائي للملكية التايلاندية، وهو حجر الزاوية في الحركة المحافظة المؤثرة في البلاد. وفي إنجاز نادر عام 2005 حصد تاكسين ما يكفي من المقاعد في مجلس النواب لتشكيل حكومة بمفرده، ما جعله قوة سياسية ذات تأثير استثنائي.

تقول كيمثونج تونساكولرونغ، أستاذ مساعد في جامعة تشولالونكورن، إن هذه الشعبية أربكت منتقديه. «تلك الشعبية، إلى جانب أسلوبه السريع والصريح، أثارت لدى كثيرين شكوكاً بأنه قد يرغب أو قد يحاول منافسة الملك بوميبول»، وأضاف أن الدليل على ذلك كان ضئيلاً إن وُجد، لكنه تحوّل إلى أداة ملائمة لحشد الناس ضد تاكسين.

في 2015 تجمع ضباط حول صورة الملك الراحـل بوميبول لالتقاط صور بمناسبة عيد ميلاده الثامن والثمانين، في استعراض للعلاقة بين المؤسسة العسكرية والملكية.

نشيط للغاية

حتى أثناء منفيه الخارجي، واصل تاكسين الهيمنة على المشهد السياسي التايلاندي. الأحزاب المرتبطة بعائلة شيناواترا استمرت في الفوز بالانتخابات وتشكيل حكومات، لكن الجيش والمحاكم حالا دون إدامة تلك البيئات السياسية في كل مرة. ومع حكم سجن ماثل عليه، قضى الملياردير التقني 15 سنة في الخارج إلى أن عاد إلى بانكوك وسط هتافات مؤيديه في 22 أغسطس 2023.

يقرأ  العراق يبدأ التنقيب عن مقابر جماعية لضحايا مجازر تنظيم داعش جنوب الموصل

قبل مغادرة المطار انبطح أمام صورة الملك الجديد مها فاجيرالونغكورن أمام الجمهور، في لفتة استعراضية. وفي اليوم نفسه، ضمن حزب الفيو تاي الذي تمثله شيناواترا رئاسة الحكومة لمرشحه ستريثا تافيسِن بعد انسحابه من تحالف مخطط معه حزب موف فوروارد التقدّمي، الذي فاز في الانتخابات العامة لذلك العام.

نفت فيو تاي الشائعات القائلة بأنها أبرمت «صفقة كبرى» مع المؤسسة المحافظة بانسحابها من موف فوروارد — الحزب الذي راهن على تقييد نفوذ الجيش والملكية — مقابل ضمان عودة آمنة لتاكسين. مع ذلك، وبعد تسعة أيام فقط، خفف الملك فاجيرالونغكورن حكم تاكسين من ثماني سنوات إلى سنة واحدة، وأُطلق سراحه مشروطاً خلال شهور. ويذكر أنه أمضى فترة الحبس الستة الأولى في جناح فاخر داخل مستشفى حكومي في غرفة خاصة.

اليوم، ومع اقتراب تاكسين من مواجهة إدانة جديدة قد تعيده إلى السجن، تبدو «الصفقة الكبرى» متصدعة. كثير من الناس فهموا أن عودته سمحت بها السلطات مقابل أن يلتزم بتراجعٍ سياسي وامنع نشاطه العام؛ أن يبقى في منزله ويصمت.

أضف تعليق