فيضانات تضاعف معاناة أهالي غزة مع ترقّب المرحلة التالية من خطة السلام

مراسلة الشرق الأوسط في القدس

أكثر من 800,000 من سكان غزة مهددون بالفيضان، وفق الأمم المتحدة، مع اجتياح عاصفة شتوية قوية للقطاع. هطول الأمطار الغزير أغرق المخيمات وأدى إلى انهيار مبانٍ عدة، فيما تسربت المياه باستمرار عبر شقوق الخيام.

تسري مياه باهتة عبر فتحة في الخيمة التي تشاطرها غدير الأضخم مع زوجها وأطفالها الستة في مدينة غزة؛ عائلتها لا تزال مشردة منذ الحرب وتنتظر بدء عمليات إعادة الإعمار. قالت غدير إنها «تعيش حياة من الذل» وإنها تأمل بالحصول على كارافانات وإعادة بناء مسكن ثابت «نحن نشتاق للخرسانة التي تدفئنا. كل يوم أجلس وأبكي لأجل أولادي».

بعد شهرين من وقف إطلاق نار بوساطة أمريكية، لا يزال تنفيذ خطة السلام المعلنة في مرحلتها الأولى: الأراضي مقسمة بين الطرفين والشعب لا يزال مشرداً ومحاطاً بالأنقاض. المرحلة التالية من الخطة ـ التي تتضمن بناء مساكن جديدة وتشكيل حكومة جديدة ـ مجمدة إلى أن يُعثر على آخر رهينة إسرائيلي، ران غفيلي.

رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتياهو، يشترط عودة جميع الرهائن الإسرائيليين — أحياءً وأمواتاً — قبل الانتقال إلى المرحلة الأصعب من الاتفاق. ولغاية الآن، لم تظهر عمليات البحث في حطام غزة أي أثر لغفيلي، الذي اختطف خلال هجمات 7 أكتوبر وكان ضابط شرطة يتعافى من كسر في الكتف عندما توجه للدفاع عن كيبوتس قريب.

أُبلغ والداه العام الماضي بأنه لم ينجُ، لكن طريقتهما إلى منزلهما في ميتار مزينة بلافتات تكرّم ذكراه، وتلوح الأعلام الصفراء التي تُذكر بالرهائن. والدته تقول: «سرقوا ولدنا، سرقوه». ووالده يصر: «هم يعرفون أين هو. إنهم يحاولون إخفاءه أو الاحتفاظ به. إنهم يلاعبوننا».

من جانبها، نفت حماس مزاعم العائلة أمام مراسلين، ووصفتها بأنها غير صحيحة، واتهمت إسرائيل بمحاولة التأخر عن تنفيذ الاتفاق. ومع غياب جثة غفيلي وتزايد الضغوط من واشنطن، يعتمد والداه على وعود قادة إسرائيل بعدم الانتقال إلى المرحلة التالية قبل العثور على ابنهما. تقول والدته: «كل من في حكومة إسرائيل يقول لنا: لا نتحرك إلى المستوى الثاني حتى يعود ران. هذا وعدهم».

يقرأ  شون «ديدي» كومبز يعلن عزمه استئناف الحكم والإدانة

يرى كثيرون في إسرائيل أن المضي قُدماً في بنود الاتفاق — ومن بينها سحب القوات إلى محيط القطاع — سيكون سياسياً صعباً على نتياهو إذا ظل رهينة واحد مفقوداً في غزة.

المكافحة والتنازلات

المرحلة المقبلة تفرض على الطرفين تنازلات صعبة: حماس مطالبَة بتسليم أسلحة وملفات السيطرة، وإسرائيل مطالبة بنقل ملف الأمن إلى قوة دولية لفرض الاستقرار. هذا ما يجعل القادة على طرفَي النقيض مترددين، كما يقول الجنرال المتقاعد إسرائيل زيف: «إسرائيل وحماس لديهما مصلحة مشتركة في عدم الانتقال السريع إلى المرحلة الثانية. حماس لا تريد فقدان السيطرة، والجانب الإسرائيلي لأسباب سياسية يفضّل البقاء في غزة لأن لا أحد يريد تفسير سحب القوات لقاعدته».

وأضاف أن ترامب هو الوحيد القادر على دفع الطرفين قُدماً، وأن الوقت يوشك على النفاد: «بالتأخير نخاطر بفقدان الفرصة لأن حماس تعيد تنظيم صفوفها وتستعيد قدراتها. علينا أن نأخذ نفساً عميقاً ونمضي قدماً وفق الخطة، لأن البقاء على الحال الراهن هو سيناريو الأسوأ».

تفكيك سلاح حماس بطريقة يُرضى بها الطرفان يعد العقبة الكبرى الأولى؛ من دونه لن تلتزم دول أجنبية بإرسال قوات لتأمين القطاع ولن تبدأ جهود الإعمار في المناطق التي تسيطر عليها حماس. وفي هذا السياق أعرب نتياهو عن تشكك مبطن في قدرة دول أجنبية على إنجاز المهمة عوضاً عن إسرائيل، قائلاً إن «أصدقائنا في أمركا يريدون محاولة إقامة قوة دولية للقيام بالمهمة… نعلم أن هناك مهام يمكن لهذه القوة القيام بها، لكن ربما لا تستطيع القيام بالشيء الرئيسي».

ترامب من جهته يضغط لتحريك الملف بسرعة، وقد أشار إلى أنه سيعلن قريباً تشكيل «هيئة سلام» لغزة وعضويتها في مطلع العام المقبل، فيما تستعد قمة مرتقبة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأمريكي في فلوريدا لمناقشة قضايا محورية، أبرزها كيفية تفكيك سلاح حماس وتسليم الأمن لقوة دولية. قال إنّ هذا المجلس سيُحسب من بين الأكثر أسطورةً على الإطلاق، وأنّ الكثرين يتسابقون للانضمام إليه.

يقرأ  إعادة إعمار غزة: ما مدى ضَخامة المهمة؟

الفيضانات تجعل من الصعب على سكّان غزه إبقاء الأطفال جافين ومحمَيين.

تُشير تقارير واسعة النطاق إلى أنّه، تحت ضغوط واشنطن، باشرت اسرائيل عمليّات إزالة الأنقاض تمهيداً لمشروع إسكان مؤقت في منطقة رفح الواقعة تحت سيطرتها في جنوب القطاع.

ومن المتوقع أن يوفر هذا السكن المؤقت ملاذاً لعشرات الآلاف من المدنيين، لكن ذلك مشروط بقبولهم الانتقال إلى المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية والخضوع لفحوصات للتأكد من عدم وجود صلات بحماس.

ويرى بعض المحلّلين أن في ذلك جزءاً من خطة تهدف إلى جذب سكّان القطاع إلى الجانب الخاضع للسيطرة الإسرائيلية لعزل حماس عن محيطه الشعبي. وقد عبر عدد قليل بالفعل إلى تلك المناطق وانتقلوا إلى مخيّمات أقامتها فصائل مسلحة تتلقّى دعماً إسرائيلياً هناك.

ومع ذلك، يُصرّ كثيرون من سكّان القطاع — حتى من يرغبون في تغيّر قيادة الحماس — على رفض العيش تحت السيطرة الإسرائيلية.

إنها لمحة عن مستقبل بديل للقطاع في حال فشلت المرحلة الثانية من خطة ترامب؛ مستقبل قد يجعل قطاعاً مرقسماً أصلاً أكثر تشرذماً وانقساماً.

أضف تعليق