«الولايات المتحدة تخوض حربًا مع فنزويلا بالفعل» — دونالد ترامب

يوم الأربعاء اقتحمت الولاات المتحدة ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا — خطوة جديدة في مسلسل العدوان الذي تقوده إدارة الرئيس دونالد ترامب ضد الدولة الجنوب‑أمريكية.

في الأشهر الأخيرة تصرفت واشنطن بعشوائية قاتلة، فتفجّرت قوارب صغيرة في البحر الكاريبي مع ركابها، الذين قرر ترامب بنفسه، وبعاطفة اتهامية، أنّهم مُهْرِّبون للمخدرات.

مُستغرقاً في مبالغات درامية، أعلن ترامب يوم الأربعاء أن الناقلة المُستولى عليها «كبيرة جداً، كبيرة للغاية، الأكبر على الإطلاق».

وعند سؤاله في مؤتمر صحفي عن تغيير اتجاه السفينة، نصح الصحفيين «أن يستأجروا هليكوبتراً ويتابعوا الناقلة» — اقتراح يصعب تنفيذه عملياً إذ أُغلِق المجال الجوي الفنزويلي بمرسوم انفردت به إدارته في نوفمبر، حين أعلن أن الأجواء «مغلقة برمتها».

ومع ذلك، لم يمنع هذا الإعلان استمرار رحلات الترحيل التي تنظّمها الولايات المتحدة إلى فنزويلا.

وبخصوص مصير حمولة الناقلة النفطيّة، قال ترامب ببساطة: «أفترض أننا سنحتفظ بالنفط».

لا تساعد هذه العبارة في تدعيم رواية واشنطن التي تزعم أنها لا تسعى إلى احتكار احتياطات فنزويلا الضخمة من النفط، وأن هدفها الوحيد حماية نصف الكرة الغربي من «ناركو‑إرهابيين» فنزويليين مفترضين يسعون لإغراق الولايات المتحدة بالفنتانيل وغيرها من السموم.

في فضاء الخيال ترامبوي، يقف زعيمُ عمليّة «ناركو‑الإرهاب» في طليعة الاتهامات: نيقولاس مادورو نفسه.

وهذا مع أنه لا دليل يُشير إلى أن فنزويلا لها علاقة كبيرة بتدفق المخدرات إلى الولايات المتحدة، ولا تنتج الفنتانيل.

عند تذكّر سلوك واشنطن تجاه دولة نفطيّة أخرى في مطلع القرن، يبرز تشابُه محفوف بالمرارة: في العراق قادت اتهامات مفبركة بالأسلحة الدمار الشامل إلى حملة ذبح واسعة تحت إدارة الرئيس جورج بوش الابن.

غير أن الكلام عن احتمال حرب أميركية على فنزويلا ليس مجرد تهديد كلامي — فواشنطن تخوض حرباً عليها بالفعل.

يقرأ  قضت محكمة أمريكية بأنّ ترامب انتهك أمراً بفرض شروط على منح الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ (FEMA)

وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسث، الذي أعيدت تسميته مؤخراً إلى «وزير الحرب»، اعترف صراحةً عندما نسب جرائم الحرب المرتكبة ضد بحّارة في الكاريبي إلى «ضباب الحرب».

والواقع أن سياسة الحرب على فنزويلا سبقت موجة الإعدامات خارج نطاق القضاء وإرهاب الصيادين المحليين هذا العام بكثير.

فبعد دعم محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2002 ضد سلف مادورو هوغو تشافيز — الرمز الاشتراكي والمشكلة المؤسسة للإمبراطورية — فُرضت عقوبات مُنهِكة على فنزويلا منذ عام 2005.

ووفق مراكز بحثية في واشنطن، تسببت هذه العقوبات وحدها بعدد كبير من الوفيات: تقرير مركز الأبحاث الاقتصادية والسياسية قدّر أن العقوبات كانت مسؤولة عن أكثر من 40 ألف وفاة في 2017‑2018 وحدهما. وأي من ينكر الفتك المتعمد للتدابير الاقتصادية القسرية يذكّره تصرّفاً صريحاً لوزيرة الخارجية الأميركية آنذاك مادلين أولبرايت في 1996: «نعتقد أن الثمن يستحق ذلك»، في إشارة إلى نصف مليون طفل عراقي قُدِّر أنهم ماتوا تحت وطأة الحصار.

زاد ترامب من حدة العقوبات على فنزويلا عام 2019 بهدف دعم خوان غوايدو — الشخصية اليمينية الضعيفة التي عيّنت نفسها رئيساً مؤقتاً — في محاولاته الإطاحة بمادورو.

خَفَت جهود غوايدو في نهاية المطاف، وها هو قد استقر في ميامي، لكن العقوبات واصلت إحداث أذى مدمّر. في مارس 2019 تباهى وزير الخارجية السابق مايك بومبيو بفعالية الحرب الاقتصادية: «الدائرة تُشد، والأزمة الإنسانية تتفاقم ساعياً بعد ساعة… يمكنك رؤية الألم والمعاناة المتزايدة للشعب الفنزويلي».

وفي الوقت الذي تُسوَّق فيه العقوبات على أنها تستهدف النخبة، يدفع عامة الناس الثمن الأكبر. بعد فشل انتخاب غوايدو الذاتية، تجلّت المعاناة بوضوح متزايد، وفي 2020 قدّر المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة ألفرد دي زاياس أن نحو 100 ألف فنزويلي قد توفوا بسبب العقوبات.

يقرأ  مدينة في كوريا الجنوبية تصادر عملات مشفرة من أكثر من 200 مقيم لعدم سداد الضرائب

وبحسب تقرير خبيرة الأمم المتحدة ألينا دوهان في 2021، فقد أدّت الحِصار الاقتصادي إلى أن يعاني أكثر من 2.5 مليون فنزويلي انعداماً حاداً في الأمن الغذائي. هذا دون الحديث عن عودة أمراضٍ كانت تحت السيطرة، وتراجع نمو الأطفال، ونقص المياه والكهرباء.

ومن مفارقات السخرية أن ترامب، في الوقت ذاته الذي يهاجم فيه «مهربي المخدرات» الفنزويليين، أصدر عفواً عن خوان أورلاندو هيرنانديز، الرئيس اليميني السابق لهندوراس والمحكوم عليه في محكمة أميركية بتهم تتعلق بالاتجار بالمخدرات — صفقة تكشف ازدواجية معايير صاخبة.

وفي أكتوبر، فوّض ترامب وكالة المخابرات المركزيّة للقيام بعمليات سرية داخل فنزويلا — نفس الجهاز الذي لطالما تلطّخت يدايه باتهامات متعلقة بالتجارة بالمخدرات. ومع اختطاف الناقلة الأخير، رسخت الإدارة بلا مراعاة أدنى لمظاهر الدبلوماسية المتحضرة.

قبل عامين قابلت شاباً فنزويلياً في «فجوة دارين» أثناء عبوره نحو الولايات المتحدة — واحد من ملايين الفنزويليين الذين أجبرتهم الظروف على ترك أوطانهم طلباً للعيش الكريم.

بعد أن كاد يغرق في النهر عند عبوره من المكسيك إلى الولايات المتحدة، احتُجز شهراً ثم أُفرج عنه مؤقتاً. وبعد عامين قُبض عليه من جديد على يد وكلاء الهجرة في كاليفورنيا، حُبِسَ لشهور إضافية ثم نُقلَ قسراً إلى كاراكاس.

وعندما سألته عن رأيه في ما يحدث اليوم قال ببساطة: «لا أملك كلمات».

ومع انزلاق الولايات المتحدة نحو حربٍ أخرى تبدو في بعض لحظاتها سريالية، مزوّدةً بأكاذيب صارخة، يصبح الكلام — بالفعل — عسيراً على التعبير.

الآراء الواردة هنا تعبّر عن رأي الكاتب وحده ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

أضف تعليق